كشف البنك الدولي في «الموجز الاقتصادي الفصلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا« أن البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عجزت عن تحقيق الاستفادة الكاملة من انخفاض أسعار النفط، لأنها تواجه إمَّا الآثار غير المباشرة للحروب الأهلية والصراعات في المنطقة، أو غياب الأمن بسبب الهجمات الإرهابية، أو الأمرين معا.
في الموجز المعنون «الآثار الاقتصادية للحرب والسلام»، أورد التقرير أن لبنان والأردن يتحملان مع تركيا المسؤولية الدولية عن استضافة اللاجئين السوريين، ولذلك فإن هذه البلدان تتعرَّض لضغوط هائلة على ماليتها العامة. ويستضيف الأردن أكثر من 630 ألف لاجئ سوري مُسجَّل، بينما يُؤلِّف اللاجئون ربع السكان في لبنان.
في لبنان، تضررت بشدة القطاعات الرئيسية التي تُعزِّز النمو وهي السياحة والعقارات والإنشاءات. ومن المتوقع أن تُبقِي هذه العوامل معدل النمو بين 2,5 في المئة و3,5 في المئة عامي 2016 و2017 للبلدين وهو أقل كثيرا من إمكانات الاقتصادين.
ومن المحتمل أن تكون تحويلات المغتربين قد تضررت أيضا في تلك البلدان (مصر ولبنان والأردن) التي تعتمد اعتمادا كبيرا على التدفقات الوافدة من دول مجلس التعاون الخليجي.
وباستخدام نموذج التوازن العام متعدد الأقطار، قامت إيانتشوفيتشينا وايفانوس عام 2014 بحساب خسائر الحرب في سوريا وآثارها غير المباشرة على تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر. وتظهر نتائج الدراسة أن الحرب في سوريا وآثارها على البلدان الخمسة المجاورة تسبَّبت في خسائر في الناتج تبلغ قرابة 35 مليار دولار، أو ما يعادل إجمالي الناتج المحلي لسوريا في عام 2007.
لقد أثَّرت الحرب السورية على مستوى معيشة البلدان المجاورة، ويُقدَّر أن متوسط نصيب الفرد من الدخل انخفض 1,1 في المئة في لبنان و1,5 في المئة في تركيا ومصر والأردن بالمقارنة بالمستويات التي كان من الممكن تحقيقها لو أمكن تفادي الحرب.
وفي لبنان وحده، يُقدَّر البنك الدولي أن نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي انخفض 2,9 نقطتين مئويتين سنويا خلال الفترة بين عامي 2012 و2014. وقد أدَّى هذا إلى سقوط أكثر من 170 ألف لبناني في براثن الفقر، وضاعف مُعدَّل البطالة إلى أكثر من 20 في المئة، معظمهم من الشباب من غير ذوي المهارات.
في سوريا، تأثَّرت جميع القطاعات الاقتصادية تقريبا، لكن حيازة الملكية تضررت بشدة بسبب التراجع الحاد في الطلب على الأراضي، نتيجة للجوء أعداد ضخمة من السوريين إلى بلدان اُخرى. وعلى النقيض من ذلك، استفاد أصحاب الأراضي والشركات في لبنان وتركيا، في حين تضرر العمال نظرا لأن تدفق اللاجئين السوريين رفع الطلب المحلي على السلع والخدمات متسببا في ارتفاع الأسعار، وأدى إلى زيادة المعروض من الأيدي العاملة، ومن ثمَّ إلى انخفاض الأجور.
في الأردن ولبنان وتركيا، يقول التقرير: يعجز أكثر من 700 ألف طفل لاجئ سوري عن الانتظام في الدراسة، نظرا لأن مرافق البنية التحتية التعليمية الحالية لا تستطيع تحمُّل العبء الإضافي أو في حالة تركيا – بسبب حواجز اللغة.
ويوجد في لبنان أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة إلى عدد سكانه (232 لكل ألف نسمة من السكان).
ويُظهر مسح استقصائي لمنظمة العمل الدولية اُجرِي في الآونة الأخيرة أن نحو 92 في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان لا يحملون عقود عمل، وأن أكثر من نصفهم يعملون على أساس موسمي أسبوعي أو يومي وبأجور متدنية.
وتُظهر الدراسة أن نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي تعافى ببطء في البلدان المستوردة للنفط بالمقارنة بالبلدان المصدرة للنفط. ففي لبنان، استغرق إجمالي الناتج المحلي الحقيقي 20 عاما بعد انتهاء الحرب، لكن ظل نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي دون مستواه قبل الحرب.
تداعيات الحرب
إقليمياً، تشير تقديرات البنك الدولي في الموجز الفصلي إلى أن معدل النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كان دون التوقعات، إذ بلغ 2,6 في المئة عام 2015، كما أن آفاق النمو على الأمد القصير لا تزال تبعث على «التشاؤم بحذر».
ويتناول التقرير مختلف السبل التي تؤثر بها الحروب الأهلية في اقتصادات المنطقة، ومن أهمها التشرد والنزوح القسري الذي أصبح يشكل أزمة شديدة. وكما يستكشف التقرير كيف يُمكِن أن تتحسَّن الأوضاع الاقتصادية إذا حل السلام في المنطقة.
في الآثار الاقتصادية للحرب، تشير التقديرات إلى أن تكلفة استعادة مرافق البنية التحتية في ليبيا إلى سابق عهدها ستبلغ 200 مليار دولار على مدى السنوات العشر القادمة. كما يُقدر البنك الدولي أن الأضرار التي لحقت برأس المال في سوريا بلغت حتى منتصف 2014 ما بين 70 و80 مليار دولار. كما تسببت الحرب بخسائر في البلدان الخميس المجاورة لسوريا (تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر) تُقدَّر بنحو 35 مليار دولار، حسب أسعار عام 2007، أو ما يعادل إجمالي الناتج المحلي لسوريا في عام 2007.
ويظهر تقييم أولي يقوده البنك الدولي حول الأضرار التي لحقت بست مدن سورية -حلب ودرعا وحمص وحماة وإدلب واللاذقية – حتى نهاية 2014 بأنها تتراوح ما بين 3,6 مليارات دولار و4,5 مليارات.
وحتى نهاية 2014، شكلت الأضرار بقطاع الإسكان بسوريا أكثر من 65 في المئة من الإجمالي. وستتطلب استعادة قطاع الطاقة إلى مستواه السابق في المدن الست ما بين 648 مليون دولار و791 مليونا، في حين تبلغ تقديرات الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية لقطاع الصحة ما بين 203 ملايين دولار و248 مليونا، وما بين 101 مليون دولار و123 مليونا في البنية التحتية لقطاع التعليم.
وقد أدَّى استمرار الصراع والعنف إلى ضياع سنوات من التحصيل الدراسي في سوريا واليمن والعراق وليبيا. وأكثر من نصف (50,8 في المئة) الأطفال ممن هم في سن الالتحاق بالمدرسة في سوريا حرموا من الانتظام في الدراسة في 2014-2015. وفي اليمن زاد عدد الفقراء من 12 مليونا قبل الحرب إلى أكثر من 20 مليونا أو 80 في المئة من السكان بعد الحرب.
وتواجه البلدان المتاخمة لمناطق الصراع (تركيا ولبنان والأردن ومصر) ضغوطا هائلة على موارد موازناتها، ويعاني الكثير منها بالفعل من مُعوِّقات اقتصادية. وتذهب تقديرات البنك الدولي إلى أن تدفق ما يربو على 630 ألف لاجئ سوري يُكلِّف الأردن أكثر من 2.5 مليار دولار سنويا. ويعادل هذا 6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، ورُبْع الإيرادات السنوية للحكومة.
.. وآثار السلام
التقرير يسأل: هل يُمكِن وضع حد للأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحروب الأهلية؟ ثم يقول إن إنهاء الصراعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كفيل بتحسين مؤشِّرات الاقتصاد الكلي من خلال إعادة الأمن، وزيادة الاستثمار، وبدء أنشطة الإعمار وإعادة البناء.
وبحسب البنك الدولي، ستتحسَّن المؤشِّرات الاجتماعية أيضا مع النمو وتحويل الموارد العامة من الإنفاق العسكري إلى قطاعات التعليم والصحة. غير أن وتيرة التعافي الاقتصادي ونمطه في الأمد القصير ليست في العادة بالأمر الهيِّن، نظرا لأن البلدان الخارجة من الصراع ترث اقتصادات ضعيفة، ورأس مال ماديا وبشريا واجتماعيا مُدمَّرا، بالإضافة إلى تفشِّي الفقر وارتفاع معدلات البطالة، لا سيما في صفوف الشباب.
ويعتقد معدّو التقرير أن تحقيق تسوية سلمية في سوريا والعراق وليبيا واليمن قد يُؤدِّي إلى انتعاش سريع لإنتاج النفط يتيح لهذه البلدان توسيع الحيز المتاح لماليتها العامة، وتحسين موازين المعاملات الجارية، وتعزيز النمو الاقتصادي في الأمد المتوسط، وستكون لذلك آثار إيجابية غير مباشرة على بلدان الجوار.
كما أن بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يمكن أن تستفيد اقتصادياً من التحول السلمي نحو الديموقراطية، لا سيما وهي المنطقة الأقل ديموقراطية في العالم حالياً. ولو تحولت المنطقة إلى الديموقراطية في عام 2015 فإن متوسط نمو ناتجها الإجمالي سيرتفع إلى 7,8 في المئة بحلول عام 2020 مقارنة مع 3,3 في المئة في غياب الديموقراطية .