بعد أكثر من 620 يوماً من الفراغ الرئاسي، وبعد إدراك الجميع بأن كل المبادرات والمناورات والترشيحات سقطت بفعل غياب الضوء الأخضر الإقليمي لانتخاب رئيس جديد في لبنان، يتّضح بما لا يقبل أي شك أن لبنان بات دولة، أو فلنقل شبه دولة، برسم الانتظار على الرصيف الإقليمي، في انتظار ما سيجري في المنطقة من سوريا الى اليمن، وما بينها من حسابات جيوستراتيجية ومذهبية، وتقاطع مصالح دولية وإقليمية.
لن تنفع كل محاولات تلطيف الأجواء، ولا الحديث عن دور لمجلس نواب بات أشبه بتجمّع لعشائر مذهبية يختصر قراره زعماء ملل عددهم أقل من عدد أصابع اليدين، ومعظم هؤلاء الزعماء لا يملكون قرارهم، بل ينضوون في مشاريع إقليمية لا علاقة لها بالمصالح اللبنانية.
بات اللبنانيون اليوم عالقين بين عواصف سياسية وعسكرية وكيانية تضرب المنطقة من جهة، وبين مسؤولين عاجزين بغالبيتهم عن اتخاذ أي قرار لإنقاذ الجمهورية، ومتواطئين على الدستور اللبناني وعلى شعب أولاهم ثقته ففرّطوا بها.
المفارقة أن اللبنانيين يتطلعون الى المسؤولين والنواب ليقوموا بواجباتهم، ومعظم المسؤولين والنواب يتطلعون الى ما وراء الحدود، ينتظرون تطورات سوريا ما بين ميادين القتال ومؤتمرات الحوار، بعضهم يراهن على انتصار المحور الروسي- الإيراني- الأسدي وبقاء بشار الأسد في الحكم، فيما يراهن البعض الآخر على استفاقة المارد العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لمواجهة المدّ الإيراني.
ربما تكون نجحت حتى الآن محاولات تحييد لبنان عن الصراع العسكري الدائر في المنطقة، لكن فشلت كل محاولات تحييد لبنان سياسياً ومؤسساتياً عمّا يجري. وتمّ رهن الدولة اللبنانية بمؤسساتها ونظامها البرلماني الديمقراطي، وتعليقها على صليب أزمات المنطقة!
يصرّ البعض على اعتبار لبنان ورقة ليس أكثر يتم استعمالها على طاولة المفاوضات حين يأتي أوانها، بعد أن تمّ استعمال الساحة اللبنانية كحديقة خلفية للحرب السورية.
لذلك بات واضحاً أن القرار الإيراني بمنع إجراء الانتخابات الرئاسية في المدى المنظور، هو قرار استراتيجي لا رجوع عنه مهما بلغت الإغراءات بأسماء المرشحين المعروضين!
لا يهمّ إن كان المرشحان “نور عيون” السيد حسن نصرالله أو من هو في تكامل وجودي معه، لأن القرار بانتخاب رئيس جديد لن يكون يوماً في حارة حريك. القرار في موضوع الرئاسة اللبنانية، بكل أسف، سيُتخذ بالتوافق ما بين طهران والرياض وبمباركة دولية حين يحين الوقت، تماماً كما حصل في الدوحة في أيار 2008، رغم أن العماد عون كان مرشّح “حزب الله” منذ ذلك الوقت.
والمفارقة المذهلة أن جلسة 8 شباط ستشهد تغيّب المرشحين الى الرئاسة العماد ميشال عون وكتلته، والنائب سليمان فرنجية وكتلته، في سابقة لم تحصل في تاريخ الانتخابات الرئاسية، كون المرشحين من الفريق السياسي نفسه. وفي هذه المفارقة ما يكفي من العِبَر والإيحاءات بأن يوم يأتي الضوء الأخضر الإقليمي سينزل الجميع الى مجلس النواب لانتخاب من يتم التوافق عليه بين العواصم المعنية، وليس بالضرورة أبداً أن يكون أحد الاسمين المطروحين.
بعد أكثر من 620 يوماً من الفراغ، يتأكد للجميع أن لا دولة في لبنان، ولا مؤسسات دستورية وسياسية، بل مجموعة طوائف وقبائل، بعضها تستقوي بالخارج على الداخل، وبعضها ينفذ أجندات الخارج على حساب الداخل. أما لبنان فيبقى حتى اليوم مشروع وطن لم يُكتب له بعد أن يؤسس دولة في انتظار غدٍ أفضل!