ماريا أتاناسوف
من المتوقع أن يؤدي انتشار أجهزة الطائرات بدون طيار إلى إضافة مئات الآلاف من فرص العمل إلى الاقتصاد في دول العالم. فهل حان الوقت لكي تكون طيّاراً؟
تتراوح استعمالات أجهزة الطائرات بدون طيار ما بين العديد من الوظائف المتنوعة؛ بداية من المحافظة على حياة حيوان وحيد القرن إلى الزراعة بدقة.
لقد تخطّينا الحاضر وأصبحنا في المستقبل، ويطلق العديد على منظومة الأجهزة الطائرة بدون طيار اسم “درون”. ولقد تطورت هذه المنظومة وتجاوزت استخدامها في المهام العسكرية فقط.
فقد بدأت الأجهزة الطائرة هذه في تغيير كل شيء، من كيفية تصويرنا للأفلام السينمائية والتلفزيونية إلى تغطية الأحداث الرياضية، مروراً بكيفية محافظتنا على أنواع الحيوانات المهددة بالإنقراض، ومكافحة حرائق الغابات، ومراقبة أنابيب النفط والغاز، وغيرها من الأنابيب، إضافة إلى الزراعة بشكل أكثر كفاءة.
على سبيل المثال، تعد تلك الأجهزة الطائرة المستعملة في الزراعة بشكل دقيق قادرة على إطلاعنا على معلومات مفصلة، إذ يمكنها أن ترينا إن كانت أوراق نبتة معينة في الحقل تدل على أنها نبتة معافاة أم كثيرة الرطوبة، أم جافة، أو إن كانت النبتة بحاجة إلى سماد على سبيل المثال.
وفي رأي الخبراء، سيؤدي استعمال هذه الأجهزة الطائرة في مجالات صناعية متزايدة إلى توفير الكثير من فرص العمل، مثل وظائف طيّاري تلك أجهزة، ومهندسي النظم الطائرة، ووظائف المصممين والمصنعين، ومشغلي أجهزة الاستشعار، والفنيين، والمصورين، والعديد من الوظائف الأخرى.
يعمل “توم ماكماهون” نائبا لرئيس الشؤون العامة في “الرابطة الدولية لمنظومات المركبات غير المأهولة”، وهي منظمة غير ربحية تمثل سبعة آلاف شخص من 55 بلداً، ومقرها في مقاطعة آرلنغتون بولاية فيرجينيا الأمريكية.
يقول ماكماهون: “إنها الفصل التالي في مجال صناعة الطيران. لا تختلف المنظومات غير المأهولة عن تلك المأهولة. ستظل تحتاج إلى أناس يشغلونها من مركز التحكم. إن أجهزة الطيران تلك لا تحل محل الطائرات المأهولة، بل في الحقيقة إنها مكمّلة لها.”
في جمهورية جنوب أفريقيا، مثلاً، توظف شركة “يو دي إس المحدودة” 13 من العاملين في مجالات تمتد من طياري الأجهزة الطائرة من أصحاب الخبرة، إلى مشغّلي أجهزة الاستشعار. إنهم يقودون أجهزة الطيران على الأغلب في الليل، ليتعقبوا صيادي حيوان وحيد القرن في محافظة كوازولوـ ناتال وفي متنزه كروغر الوطني.
“إن العدد المتبقي في العالم من حيوانات وحيد القرن هو 21 ألفاً فقط”، حسبما صرح أوتو ويردمولر فان إيلغ، المدير التنفيذي لشركة “يو دي إس”، وهو يعمل على توسيع أعمال الشركة لتشمل خدمات الهندسة ورصد النشاطات اللاشرعية في مناجم البحث عن الذهب وتعدينه. كانت أعمال صيد هذا الحيوان تصل إلى 20 حالة شهرياً. أما الآن، وفي المناطق التي تقع تحت مراقبة العاملين في شركة “يو دي إس”، فقد “انخفض العدد الى صفر”.
كيف تطور الأمر
استُعملت منظومات الطائرات غير المأهولة، بشكل حصري تقريباً، من قبل الجهات العسكرية منذ بدايات القرن العشرين. أما اليابان فقد طبقت استعمالات طائرات “الدرون” في أساليب الزراعة بشكل دقيق منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي.
غير أن الأمر لم يتطور إلا في السنين الأخيرة، فقد أصبح بالإمكان استعمال أجهزة “الدرون” تقنياً من جهة، ولجدواها الاقتصادية من جهة أخرى، في المجالات المدنية والتجارية.
أما اليوم، فيمكن تشغيل الكثير من أنواعها عن طريق الهواتف النقالة الذكية. كما يمكن شراء العديد من المعروض منها في متاجر بيع الأجهزة الإلكترونية لقاء مبلغ ألف دولار أمريكي لجهاز من نوعية متقدمة للمحترفين.
يقول ماكماهون: “لم تعد هناك فروق تذكر بين أنواعها الحالية كما كان في الماضي”. وقد أشار أيضا إلى أن الأنواع المتطورة جداً منها، ذات المواصفات العالية، تكلف مبالغ تصل إلى ستة أرقام.
يُتوقع أن يزداد الطلب، على مستوى العالم، على قائدي الأجهزة الطائرة ليصل إلى أكثر من الضعف بحلول عام 2022، وأن تصل التعاملات في هذه السوق إلى 4 مليارات يورو (4.37 مليار دولار أمريكي) سنوياً.
وردت هذه الأرقام في تقرير لتقييم تأثيرات هذه الأجهزة نشرته “المفوضية الأوروبية” في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي. وبالتزامن مع هذا التقرير، قدمت المفوضية اقتراحاً لوضع أطر قانونية تخص التشغيل الآمن للأجهزة الطائرة بدون طيار.
وستمثل أوروبا ما يقرب من 25 في المئة من السوق العالمية في هذا المجال، مما يعني توفير فرص عمل تصل إلى 150 ألفاً بحلول عام 2050.
“إنها (أي الأجهزة الطائرة) تمثل فرصاً هائلة إذا استطعنا إطلاق العنان لإمكاناتها الكاملة، فإنه سيمكن لهذه الأجهزة أن تؤدي إلى خلق آلاف مؤلفة من فرص العمل الجديدة في أوروبا”، حسبما صرحت به مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون النقل “فيوليتا بولتش” لموقع “بي.بي.سي. كابيتال”.
إذا استطعنا إطلاق العنان لإمكاناتها الكاملة، فسوف يمكن للأجهزة الطائرة أن تؤدي إلى خلق آلاف مؤلفة من فرص العمل الجديدة في أوروبا.
وعلى نحو مماثل في الولايات المتحدة الأمريكية، يتوقع أن يضيف استعمال الطائرات بدون طيار في المجالات التجارية أكثر من 82 مليار دولار الى الاقتصاد الأمريكي بحلول عام 2025. كما يمكنها أن تخلق أكثر من 100 ألف فرصة عمل جديدة، حسبما جاء في تقرير نشر عام 2013 لـ”الجمعية الدولية لمنظومة المركبات الطائرة غير المأهولة”.
بالنسبة لمن يمتلك مهارات فنية خاصة كطياري أو مهندسي منظومات الأجهزة الطائرة، “ستكون هناك فرص عمل مضمونة لمدة 40ـ50 سنة قادمة” حسب قول “جون ماينر”، رئيس ’جامعة المركبات الطائرة غير المأهولة‘ في “فينيكس” بولاية أريزونا الأمريكية.
ومع أنه لم يُعترف بعد بهذه الجامعة، فإنها تقدم دورة دراسية على الإنترنت إضافة إلى شهادة توصل إلى الحصول على شهادة دكتوراة. “هناك من أخذوا شهاداتهم وحصلوا على وظائف لدى “لوكهيد مارتن” و “بوينغ”. وحسب علمنا، يوجد هنا في الولايات المتحدة الأمريكية طيارو الأجهزة الطائرة ممن يتقاضون رواتب تصل ما بين 80 ألف و 100 ألف دولار أمريكي سنوياً.”
الحصول على وظيفة
تم تطوير مناهج وبرامج أكاديمية تمتد من شهادات جامعية إلى شهادات عليا مثل الدكتوراة، بما يلبي الطلب.
يقول ماكماهون: “تضيف الكليات والمعاهد في الولايات المتحدة الأمريكية برامج تتعلق بالتدريب على تشغيل مركبات طائرة غير مأهولة، إما بشكل حصري خاص بأنظمة الطيران غير المأهولة أو كجزء من التدريب على الطيران بمستوى جامعي أو بمستوى المعاهد العامة”.
وأشار ماكماهون أيضا إلى اتحاد “أشّور”، وهو اتحاد من 22 جامعة تؤلف بمجموعها ’مركز التفوق لأبحاث “يو أي إس” التابع لإدارة الطيران الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية في جامعة ولاية مسيسيبي.
الضوابط هي العائق الأكبر
تظل التشريعات والأنظمة من أكبر العوائق أمام النجاح في المجال التجاري. وليست هناك قوانين دولية تنظم المجال الجوي. وبالتالي، فإن الدول تقيّم حالياً بشكل مستقل متطلبات سلامة الملاحة الجوية.
وهي تقوم بذلك قبل أن يتم التوصل إلى قرار حول كيفية تشغيل منظومات الطائرات غير المأهولة في بلدانها، وتحت أية قيود يتوجب تشغيلها. وقد تبنّت اليابان وكندا ونيوزيلندا وأستراليا بالفعل ضوابط وتشريعات وطنية لتشغيل الأجهزة الطائرة في الاستعمالات المدنية.
يكمن جزء من المشكلة في “كون تشريعات الملاحة الجوية وأنظمة المراقبة الحالية قد تم تطويرها لعدد أقل بكثير من السكان، ولعدد أقل من السفريات الجوية، عما يمكن توقعه في المستقبل”، حسبما ورد في تقرير مفوضية الاتحاد الأوروبي.
وتطلب إدارة الطيران الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية، حسب القانون، أن يحمل أي شخص يقوم بتشغيل طائرة في المجال الجوي الوطني شهادة بذلك وطائرة مدوّنة في السجلات، وترخيصاً معترفاً به لقيادة وتشغيل الطائرة.
ومن المتوقع أن تُصدر إدارة الطيران الفيدرالية تشريعاً نهائياً لتشغيل وقيادة الأجهزة الطائرة الخاصة بمنظومات الطائرات الصغيرة غير المأهولة بحلول منتصف العام لتنظم عمل الاستعمالات الأوسع في المجالات التجارية.
ويهدف التشريع المقترح إلى الحصول على شهادة خاصة بصلاحية الطائرة للطيران وأن لا يتجاوز ارتفاع تحليق تلك الأجهزة أكثر من 500 قدم، وضمن مجال الرؤية بالعين المجردة وفقط خلال ساعات النهار.
في مايو/أيار عام 2014، بدأت إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية في إجراءات احترازية، إذ قامت بقبول التماسات للحالات الاستثنائية، كل حالة على حدة، لتشغيل تلك الأجهزة الطائرة في أغراض تجارية ضمن ’المجال الجوي الوطني للولايات المتحدة الأمريكية‘.
وحتى هذا التاريخ، وافقت إدارة الطيران الفيدرالية على 2,883 طلبا استثنائيا يشمل 25 من المجالات التجارية واستعمالات أخرى متعددة.
يقول ماينر: “عندما تنشر إدارة الطيران الفيدرالية تلك القوانين الجديدة، سنشهد نمواً متسارعاً لن يشبه أي شيء مما شهدناه في السابق.”