افتكار مانع
كشفت الأزمة الخانقة التي يمر بها اقتصاد روسيا عن العديد من أوجه القصور في الأداء الحكومي خلال العقد الماضي، بحيث بقي الاقتصاد مرتهنا إلى عائدات الطاقة، ولم تكن هناك أية خطط حقيقية باتجاه تنويع مصادر الدخل القومي.
ويجتهد الساسة والمسؤولون الروس في محاولاتهم لإيجاد حلول بديلة لا يخلو بعضها من الجرأة، انطلاقا من مبدأ “لا يفل الحديد إلا الحديد”.
ويواجه الاقتصاد حالياً تحديات صعبة فرضها الانخفاض الحاد في أسعار النفط الخام في السوق العالمية، والعقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على موسكو.
وتشكل عائدات النفط والغاز نحو 75% من مجمل مدخول الخزينة الروسية من العملات الصعبة، بينما تبلغ حصتها في الموازنة الحكومية ما يربو على 50%.
الاستغناء عن النفط
مؤخرا، وجه النائب بمجلس الدوما أوليغ باخولكوف عن تكتل “روسيا العادلة” رسالة لوزير التنمية الاقتصادية أوليكايف، يطالبه بالنظر في مقترح تقليص صادرات النفط الخام للخارج تدريجيا، بنسبة 20% سنويا، وصولا إلى الاستغناء التام عن عائدات النفط بعد خمس سنوات.
ودعا باخولكوف للتحلي بالشجاعة في اتخاذ مثل هذا القرار، معللا طلبه بضرورة التحرر من الاعتماد على دولارات النفط، والعمل على تغيير الأولويات في الاقتصاد بتنويع مصادر دخل الخزينة.
واعتبر النائب أن التجارب التاريخية أثبتت أن الشعب الروسي قادر على صنع المعجزات عندما يقف في مواجهة ظروف قاهرة.
وتعاني روسيا حاليا من انخفاض حاد في إجمالي الناتج المحلي بنسبة تصل إلى 4%، مع تراجع إنتاجها الصناعي بنسبة مماثلة، بينما بلغ معدل التضخم 13% في السنة الحالية.
وأدى انخفاض أسعار النفط لدفع موسكو لسد عجز الموازنة من خلال التوجه لبيع أصول بعض الشركات العملاقة المملوكة للدولة مثل شركة “روسنفط” وطيران “إيرفلوت” واتصالات “روستيليكوم” في محاولة منها للحصول على ما يقارب تريليون روبل (12.5 مليار دولار).
خطوة متأخرة
ويرى المحلل الاقتصادي تيمور نغماتولين أن اقتراح تقليص الاعتماد على صادرات النفط الخام جاء متأخرا، وكان من المفترض اتخاذه عندما كانت روسيا تملك فائضا كبيرا بالموازنة خلال الأعوام السابقة، وكانت مديونياتها لا تتجاوز 15% من الناتج المحلي الإجمالي، عندما كان سعر النفط يقارب مئة دولار للبرميل.
ولما أخذت أسعار النفط الخام بالانخفاض فضلت الحكومة ألا تتدخل لدعم الروبل أمام العملات الصعبة، ما أدى إلى ارتفاع بمعدلات التضخم، وكان لذلك تأثيرات سلبية كبيرة تمثلت في هروب رؤوس الأموال للخارج، وبلغ عجز الميزانية العامة نحو 5% عند سعر أربعين دولارا لبرميل النفط.
وأضاف نغماتولين: إذا كان النائب باخولكوف يعني إعادة هيكلية الاقتصاد فهذا أمر جيد، لكننا بحاجة إلى موارد مادية لدعم القطاعات الصناعية والزراعية، وفق أحدث الوسائل التكنولوجية، وهذا غير ممكن دون الاستعانة بعائدات النفط.
كما لفت إلى أن حل المشاكل الاقتصادية لا يمكن أن يتحقق دون اتخاذ جملة من الإجراءات الضرورية، من أبرزها إعادة صياغة الأولويات وتفعيل قطاعات اقتصادية هامة مثل الصناعة والزراعة والسياحة بالإضافة للعمل على جذب الاستثمارات، وهذا يتطلب اتخاذ جملة من الإجراءات في مقدمتها مكافحة الفساد وإصلاح القضاء.
ضرورة الإصلاح
وفي السياق نفسه، ترى الخبيرة الاقتصادية مادينا كاليمولينا أن التطبيق العملي لمقترح النائب مستحيل عمليا. وبررت اعتقادها موضحة أن تخفيض إنتاج النفط يتطلب وجود مصادر مالية بديلة.
وأوضحت أن تقليص صادرات النفط بهذه الصورة الحادة سوف يفاقم عجز الموازنة ويلحق أضرارا بالغة بالاقتصاد، وسيلقي بظلاله على الكثير من أوجه الإنفاق الحكومي لا سيما البرامج الاجتماعية التي ستترك آثارا سلبية على المواطنين.
لكن كاليمولينا أكدت -في حديثها للجزيرة نت- أن الاقتصاد بحاجة لإصلاحات جذرية، وأن على روسيا وضع خطط إصلاح اقتصادي باتجاه تقليل الاعتماد على عائدات النفط، ولكن بالتدرج ووفق خطط بعيدة المدى قد تمتد لعشرين عاما على الأقل.