Site icon IMLebanon

“أبو مصعب” في قبضة الأمن العام: الأسير عندما يستعين بـ”القاعدة”!

 

 

كتبت لينا فخر الدين في صحيفة “السفير”:

من تنظيم «القاعدة» إلى «جند الشام» فـ«كتائب عبدالله عزّام» ثم جماعة فضل شاكر فأحمد الأسير، استطاع اللبناني (محمّد ب.) أن يبقي خطوطه مفتوحة مع كلّ هذه التنظيمات.

من يطلب منه العمل معه في تجارة الأسلحة يفعل، ومن يسمع منه أنّه سيكون في العراق لقتال القوات الأميركية يذهب لملاقاته، ومن يطلب منه «السّمع والطاعة» يكون أسرع منه بإعلان البيعة، ومن يهاتفه طلباً لدعم عسكري.. يسبقه للقتال.

«كلّ ما في بطنه» من قديم وجديد، قاله «أبو مصعب» في أثناء التحقيق الذي أجرته معه المديريّة العامّة للأمن العام، بعد تمكنها من استدراجه من مكان إقامته في عين الحلوة ليتمّ توقيفه في بيروت بتاريخ 16 كانون الثاني الماضي، بإذن من مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة القاضي صقر صقر الذي أشار بتوقيفه.

التّهم التي وجّهها صقر إليه تعدّت العشر، وأبرزها تأمين الدعم المالي واللوجستي لـ «كتائب عبدالله عزام» وتجنيد الأشخاص والتحريض ضدّ الجيش اللبنانيّ والأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة (منها قيامه خلال العام 2014 بتوجيه الشتائم والتحريض والتوعّد بالقتل بحق المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي)، بالإضافة إلى المشاركة في القتال ضدّ الجيش اللبنانيّ.

ما إن تم تسريحه من الخدمة الإلزاميّة في الجيش اللبناني في العام 2004، بدأ محمد بالتردّد على أحد المساجد بالقرب من منزله في منطقة التعمير في عين الحلوة. هناك تعرّف على عدد من الأشخاص السلفيين الذين أسرّوا له بانتقالهم إلى العراق عبر سوريا للقتال إلى جانب تنظيم «القاعدة» (قُتل معظمهم في العراق)، فطلب أن يلتحق بهم.

وبعد حوالي الأسبوع من مغادرتهم، تلقى اتصالاً هاتفياً من أحد هؤلاء أخبره فيه أن مكان التجمّع هو في «معبر القائم» (نقطة عند الحدود السورية العراقية)، مزوداً إياه برقم هاتف شخص سوري يجب الاتصال به فور وصوله إلى مدينة حلب، مع كلمة السرّ: «أبو حفص».

بعد انتظار لأكثر من أسبوعين في حلب، عاد الشاب محمد أدراجه إلى لبنان بعد أن فقد الأمل بأن يأتي الشاب السوري الذي وعده بالحضور ليقلّه إلى «القائم» وبدأ يخشى من كمين قد يؤدي الى توقيفه.

ومع عودته إلى لبنان، غيّر «أبو مصعب» الخطّة ليبدأ بالتقرّب من اللبناني عبد الرحمن شمندر الملقّب بـ«أبو العباس» الذي أنشأ في محلة التعمير مجموعة مسلّحة تابعة لـ «تنظيم جند الشام» بتمويل من بعض القيادات الإسلاميّة في عين الحلوة لتأمين الأسلحة والذخائر.

وما تلقّاه الشاب من تدريبات عسكريّة بشكل أساسي على يد الجيش اللبنانيّ، نفّذه بالجيش اللبناني نفسه، إذ أقدم في العام 2006 مع المدعويْن عبد الرحمن شمندر وبهاء برناوي على إطلاق النّار باتّجاه حاجز الجيش اللبنانيّ في «منطقة الموصلي» في صيدا.

وهكذا تحوّل «أبو مصعب» إلى «صاحب سوابق»، ليزج به بعد أيّام قليلة في سجن روميّة وتحديداً في المبنى «ب» حيث أنشأ علاقات مع عددٍ من الموقوفين الإسلاميين.

الخروج من السّجن في العام 2009 لم يغيّر في «أبو مصعب»، بل زاده إصراراً في الجنوح نحو التطرّف. في العام 2012 وبالتعاون مع شمندر، تولى محمد تأمين كميات كبيرة من الأسلحة الخفيفة والمتوسّطة والقواذف الصاروخية والمواد المتفجّرة… من تجّار الأسلحة في المخيّم لمصلحة المجموعات المسلّحة التابعة للشيخ أحمد الأسير.

ورويداً رويداً، صار الرّجل يتأثر بمضمون خطب الأسير بعد أن بدأ يتردّد على «مسجد بلال بن رباح» في عبرا وصار يعمل حارساً لفيلا الفنان المتواري فضل شاكر في صيدا مقابل 500 دولار شهرياً. كما وطّد علاقاته مع «الأسيريين» الذين يتردّدون على فيلا شاكر دورياً بهدف الحصول على الدعم المالي من الفنان الذي صار يبتعد تدريجياً عن الفنّ!

ولكنّ التقرّب من جماعة الأسير ثمّ المشاركة في التظاهرات المسلحة التي كان ينفّذها هؤلاء، لم تكف «أبو مصعب» الذي ازداد اعجابه بـ «كتائب عبدالله عزام» ما إن بدأت بتبنّي التفجيرات في الضاحية الجنوبية لبيروت بعد العام 2012.

ولذلك، انضمّ إلى مجموعتين على تطبيق «تلغرام»: «شباب الأقصى» التي يشرف عليها الفلسطيني (رامي و.) و «أدعُ إلى سبيل ربّك» التي يشرف عليها رقم هاتف أميركي مجهول، بالإضافة إلى المتابعة الدقيقة لـ «قناة سراج الدين زريقات» وكلّ ما يدور في فلك هذا التنظيم وللتقرّب منه ونشر أخباره وتحريضاته على صفحته.

خلال هذه الفترة، أخذ محمّد خياره بالانضمام إلى «كتائب عزام»، ليطلب من الفلسطيني أبو أحمد الحطيني تأمين لقاء مع القيادي في «الكتائب» توفيق طه الملقّب بـ «أبو محمد».

وفي أحد اللقاءات، كان «أبو مصعب» يتلو على مسامع «أبو محمّد» إعلان البيعة على السّمع والطاعة، ليصبح رسمياً واحداً من عناصر هذه «الكتائب».

لاحقاً، أخضع محمد لدورات عسكريّة شملت أنواعا مختلفة من الأسلحة والمواد المتفجّرة في بساتين مخيّم عين الحلوة وقرب «منزل الحطيني»، وذلك بإشراف عدد من المتخصصين في مجال تصنيع المتفجّرات وأبرزهم نعيم عباس ونعيم نعيم وأبو أحمد الحطيني.

وما إن أنهى دوراته، حتى كلّفه «أبو محمّد» (توفيق طه) بتسلّم مسؤوليّة مجموعة مسلّحة في منطقة التعمير وطلب منه السيطرة على نقطة «بستان اليهودي» الفاصلة بين التعمير التحتاني ومخيّم عين الحلوة، لمنع تقدّم حركة «فتح» باتجاه التعمير، بالإضافة إلى مساندة مجموعة هيثم مصطفى المعروف بـ «هيثم الشعبي» بالسيطرة على الطريق العام وسكّة الحديد على طول خط «نقطة البستان».

وفي هذا الوقت، كانت مهمّة «أبو مصعب» أيضاً التنسيق مع تنظيم «الشباب المسلم» بشخص الفلسطينييْن «هيثم الشعبي» وخبير المتفجّرات يحيى أبو السعيد. الهدف من التنسيق كان تأمين المساعدة العسكريّة اللازمة في حال حصول أي إشكال بين مجموعته وبقيّة الفصائل المسلّحة ولا سيّما «فتح» أو الجيش اللبناني.

قوّة «أبو مصعب» أتاحت له تجنيد العديد من الأشخاص اللبنانيين والفلسطينيين الذين التحقوا بـ «كتائب عبدالله عزام».

بقي الموقوف مسؤولاً في التنظيم، برغم تقرّبه من أحمد الأسير واستخدم خبراته العسكريّة التي اكتسبها من التدريب وبعض المهام حينما اتصل به عبد الرّحمن شمندر طالباً منه الحضور إلى محيط «مسجد بلال بن رباح» للمؤازرة في المعركة ضدّ الجيش اللبناني.

وتسللاً، دخل محمّد إلى المربّع الأمني حيث استلم من مكتب فضل شاكر جهازاً لاسلكياً وبندقية «كلاشنكوف»، ثمّ توجّه إلى مكان وجود عناصر فضل شاكر بجانب «مطعم أبو الطيب» (حيث كان فضل نفسه) مشاركاً في المعركة ضدّ الجيش إلى أن حلّ المساء ونفدت الذخيرة منه، فقرر أن يتوجّه برفقة «الفنان التائب» ووليد البلبيسي إلى الملجأ في أسفل المبنى الذي كان يقيم فيه الأسير.

هناك وجد الأسير ومعه عدد من النساء وبعض الجرحى، فبقي إلى صباح اليوم التالي حينما توجّه مع شاكر والبلبيسي إلى «فرن عباد» حيث كان في انتظارهم المدعو «صالح موعد». وبعد حوالي الربع ساعة، حضرت سيارة اللبنانيّ فادي مجاهد الملقّب بـ «أبو أحمد»، الذي عاد وأقلّهم إلى عين الحلوة من جهة «الفيلات» (التعمير).

ويشير الموقوف، خلال التحقيق معه إلى أنّه مع وصولهم إلى عين الحلوة، استقبلهم أحد قياديي «الشباب المسلم» في منطقة التعمير، حيث أقام كلّ واحد منهم في منزل ليبقى فضل شاكر يمدّهم بالمال بمعدّل 400 دولار شهرياً قبل أن يوقف المال بسبب ضيق الوضع المادي.

حافظ «أبو مصعب» على علاقاته الجيّدة مع قيادات في عدد من التنظيمات المتشدّدة واختار أن يتنقل خارج عين الحلوة بهويّة مزوّرة باسم «محمّد حرب».. حتى وقع في كمين محكم نصبه له الأمن العام في بيروت منذ أقلّ من شهر.