كتب ايلي الحاج في صحيفة “النهار”:
إذا صحت الأنباء عن دخول قوات عربية وإسلامية إلى سوريا في الأسابيع المقبلة تحت لافتة إنهاء “داعش”، فسيتبين للرئيس سعد الحريري كما لرئيس حزب “القوات” الدكتور سمير جعجع أنهما استعجلا على التوالي رفع راية الإستسلام لقوى “8 آذار” بترشيح كل من الركنين فيها رئيس “المردة” النائب سليمان فرنجيه ورئيس “تكتل التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون لأعلى موقع في الدولة كي يستعيد فيه ومعه سائر اللبنانيين ولاية الرئيس إميل لحود، مع بعض “روتوش” لزوم انطلاقة العهد الجديد.
صحيح أن فرنجيه قدم نفسه تلفزيونياً بصورة وصوت ألطف من قبل، لكنه سرعان ما عاد إلى النبش في دفاتر الماضي مذكراً بحادثة إهدن التي مضى عليها 38 عاماً واعتقد الناس أن اللقاءات الرباعية التي جمعته في بكركي مع جعجع بمباركة البطريرك الماروني، وكذلك اجتماعات التنسيق الموضعي بين “القوات اللبنانية” و”تيار المردة” قد كرست طي صفحتها السوداء، ولا سيما أن صداقة كانت قد جمعت بين فرنجيه والوزير السابق الراحل إيلي حبيقة، رغم أن مسؤوليته في تلك الحقبة لم تكن تقل عن مسؤولية جعجع الذي أصيب في تلك الحادثة بظروف بات يدركها الجميع، كما أن فرنجيه عفا وساعد ولا يزال أحد الأشخاص الذين دخلوا القصر. لا شك بعد حديث فرنجيه للصحافيين والإعلاميين في بيت الخشب الجميل في بنشعي أن جعجع ازداد يقيناً بأنه كان على حق عندما تصدّى بقوة لترشيح حليفه الحريري لفرنجيه على أنه في النهاية شقيق بشار الأسد كما يقول هو نفسه. بشار الذي يتهمه الحريري بقتل والده ورفاق والده. وإذا كان من ضمانات حصل عليها رئيس “المستقبل” لحليفه (السابق) الدكتور جعجع و”قواته” من فرنجيه، كما تردد في الكواليس خلال تلك المرحلة، فالجواب الجاهز عليها كان في معراب هو السؤال عمّن يضمن الحريري و”المستقبل” في ظل رئاسة فرنجيه، إذا صار رئيساً، وهل يُنسى يوم الإستقالة الشهيرة التي أسقطت حكومته المُتّفق على عدم إسقاطها وهو على باب البيت الأبيض في 11 شباط 2011؟
ولكم كان داعياً للتأمل مدى التأييد والإعجاب الكبيرين اللذين حازهما رئيس “القوات” بين المسلمين السُنّة، وحتى ضمن كوادر “المستقبل” خلال أيام قليلة بعد ترشيح الحريري لفرنجيه، وذلك لرفضه الإذعان للأمر الواقع، متمسكاً بمبادىء “14 آذار” و”لبنان أولاً” فيما غيره يفرط بها. كان شديد الشبه جعجع آنذاك بصورة له (رفعها رجل الأعمال الزحلي ابرهيم الصقر بتوقيعه) عليها شعار “رجل مبدأ”. سرعان ما تراجعت هذه الصورة، وتلاشى إعجاب المسلمين السُنَة عندما استدار استدارة كاملة في الزمان والمكان، ونزلت صور له علقت في القلوب والعقول، في عكار وطرابلس والضنية وصيدا والإقليم والبقاع ما أن استقبل في معراب الجنرال عون وصحبه معلناً تأييد ترشيحه للرئاسة وفقاً لعشرة بنود تماثل بياناً وزارياً غير محدد الملامح، لا سيما في ما يتعلق بسلاح “حزب الله” والسيادة اللبنانية والتورط في الحرب السورية. ولم يكذب الجنرال عون الظنون في أن شيئاً لم يتغيّر عنده بعد إعلان تحالفه مع “القوات” تحالفاً سعى طرفاه إلى إسباغ طابع قداسة عليه بتركيزهم على أنه “مصالحة مسيحية” تؤهلهما فوراً للتحدث باسم 80 في المئة من المسيحيين، بعدما كان “التيار العوني” يزعم أنه يمثل 70 في المئة منهم، وعلى غرار فرنجيه الذي نزع عنه ماكياج سياسياً وضعه موقتاً لزوم الحاجة، فاجأ الجنرال عون “القواتيين” وغيرهم بحديث إلى “المنار” وموقع “العهد” في الذكرى العاشرة لتوقيع “ورقة التفاهم” مع “حزب الله”، أعلن خلاله استمرار تأييده لسلاح هذا الحزب ما دامت إسرائيل موجودة، وقال إنه والسيد حسن نصرالله شخص واحد، يتصرفان بالطريقة نفسها حتى من دون تشاور في ما بينهما، ويؤمنان بالمضمون نفسه لسيادة الشعب والوطن. إلى آخره.
خلاصتها أن الإثنين الحريري وجعجع تسرّعا وتفردا ووصلا إلى المأزق نفسه لنقص غير مبرر في المعطيات لدى كل منهما. لو كان رئيس “المستقبل” يعرف حليفه رئيس “القوات” حقاً لما خطر بباله أن يفرض عليه النائب فرنجيه رئيساً للجمهورية ولتحسّب على الأقل لما سيكون رد فعل جعجع. والحال أنه كان غريباً أن قريبين من الحريري كانوا قبل نحو ساعتين من “لقاء معراب” يؤكدون أنه لن يرشح عون فهذا مستحيل في حساباتهم. أما جعجع فاعتقد أنه بترشيح عون يتخلص من خيال خصم لن يتردد على الأرجح في محاولة تقليص حجم “القوات” إلى نائبين في بشري، ولكن من قال إن “التيار العوني” لن يفعل الأمر نفسه إذا وصل زعيمه إلى الرئاسة، ولن يصل إلا بتفاهم السُنّة والشيعة ممثلين بـ”تيار المستقبل” و”حزب الله” وليس بأصوات نواب “القوات”؟ وهل سيستطيع “الحكيم” أن يقيم القيامة ويقعدها كما فعل سابقاً إذا قرر الحريري- بفعل “حَشرة سياسية” ما – أن يعقد تفاهماً مع الجنرال عون يباركه “حزب الله” ويأخذه أكثر في الإعتبار؟