رولا عطار
بعد انقطاع دام حوالي ثلاث سنوات، إلا في بعض الحالات الإستثنائية، عاودت المصارف السورية منح القروض، وبشكل خاص للموظفين الحكوميين، والتخصيص يأتي في اطار ضمان البنوك إعادة أموالها التي ستمنحها للمقترضين. اما آلية السداد فستكون بإقتطاع القيمة بشكل شهري من رواتب الموظفين، ما يقلل نسبة مخاطرة المصارف. وكان تراجع سيولة المصارف في فترات سابقة نتيجة السحوبات الكبيرة التي قام بها المودعون بداية الحرب كرد فعل أمام تراجع قيمة العملة السورية، هو السبب الاساسي وراء عدم الإقراض، إلى جانب تخوف المصارف من عدم قدرة المقترضين على سداد قروضهم بعد خسارة عدد كبير من السوريين لأعمالهم ومصدر رزقهم.
عدد من المصارف، من بينها “المصرف العقاري السوري”، بدأ بتقديم القروض مع بداية العام الحالي، والعودة أتت بفعل ارتفاع نسبة السيولة، و”المؤشرات القانونية التي تلزم بألا تنخفض نسبة السيولة لدى المصرف عن 30% بجميع العملات و20% بالليرة السورية”، كما يشير لـ”المدن” مدير عام المصرف العقاري أحمد العلي، الذي يلفت الى أن القروض ستذهب لتمويل شراء “السلع المعمرة”، (أدوات كهربائية على سبيل المثال)، على أن تكون هذه المنتجات محلية الصنع، وبالتالي ستكون القروض بمثابة تحفيز للاستهلاك وتنشيط للدورة الانتاجية. ويُرجَّح ان تكون قيمة القرض الواحد حوالي 300 ألف ليرة (حوالي 750 دولار) يتم سداده على مدى ثلاث سنوات وبفائدة 13%، وهذا يعود الى ان القيمة “مناسبة لوضع الموظفين وتمكنهم من شراء حاجتهم من السلع، وليس فيها ربح كبير للمصرف”.
ويضيف العلي أنه على ضوء النتائج التي ستتحقق، سيقوم المصرف بإطلاق قروض لتمويل شراء منتجات جديدة (غير السلع الاستهلاكية المعمرة)، على غرار القروض التشغيلية التي منحتها المصارف سابقا، بقيمة 3 مليون ليرة، والخاصة بتمويل شراء المعدات أو المواد الأولية، وكذلك القروض السكنية (حصرت بالمكتتبين لدى المؤسسة العامة للإسكان أو المدخرين من المودعين لدى المصرف العقاري).
من جهة أخرى، يرى بعض الإقتصاديين أن عودة المصارف الى الإقراض اليوم، يمكن ان تكون طريقاً لتعويض الخسارة التي سببتها عملية التوقف عن الاقراض، والتي كانت عملية خاطئة، لأن الحفاظ على دورة المال أفضل من اكتنازه، واستمرار تقديم القروض كان سيساعد في تحريك الدورة الانتاجية وتأمين واردات للمصارف. واليوم فإن قيمة القرض (300 ألف ليرة) لا تتناسب مع التضخم والقدرة الشرائية للمواطنين، بحسب ما يوضح الخبير الاقتصادي أنس فيومي لـ “المدن”.
فيما يعتبر الأستاذ السابق في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، عابد فضلية، أن “تقديم هذا النوع من القروض التي يمكن تسميتها بالقروض الاستهلاكية، له دور في تحقيق أهداف عدة من بينها سد نقص القوة الشرائية لدى المقترض، وتلبية احتياجات طارئة بمبلغ يضاف الى الراتب وينفق خلال الشهر على المدارس أو الجامعات أو لمعالجة حالات صحية طارئة”. كما يمكن للقرض تحريك الطلب في الأسواق وبالتالي تنشيط الحركة الإنتاجية كما أنه يساعد على تشغيل أموال المصارف لإيجاد سيولة تساعدها على استرداد جزء من كلفة الفوائد التي استمرت بدفعها على الإيداعات. ومن ميزات هكذا قروض أنّها لا تحمل مخاطرة كبيرة، لأن المقترض موظف ويقتطع القسط الشهري من راتبه من قبل المحاسب في المؤسسة التي يعمل فيها. وكفيل المقترض موظف هو الآخر، وحتى لو تخلّف أحدهم عن السداد فإن القسط يؤخذ من مبلغ التأمينات الاجتماعية العائد للموظف.
من ناحيته، يرى مدير مصرف “التسليف الشعبي”، محمد حمرة، أن المهم هو عودة المصارف للقيام بدورها، ونحن بدأنا بإعطاء قروض “الدخل المحدود” التي يستفيد منها الموظفون الحكوميون، وهي قروض ذات مخاطرة قليلة كوننا لن نوافق على منح أي قرض سوى للمقترضين الملتزمين بالسداد. وهذه الخطوة وفق ما يقوله حمرة لـ”المدن”، تعد خطوة جيدة لأنها تعالج بعض المشاكل الاجتماعية ولها دور في إعادة الحركة للأسواق، ولو كانت بمبالغ بسيطة، لأنه من غير الممكن إعطاء قروض بسقوف أعلى من 300 ألف ليرة، فالقروض يجب ان تكون متناسبة مع رواتب وإمكانيات العاملين، ولتكون لديهم قدرة على السداد، كي لا تترتب عليهم أعباء إضافية.