IMLebanon

العالم يودع الأوراق النقدية خلال 10 سنوات

world-currencies

جيليان تيت

جون كريان، الرئيس المشارك لـ”دويتشه بانك”، ليس رجلا يميل إلى المبالغة. قبل بضعة أسابيع قدم تعليقا حول المال يمكن أن يجعل البشر العاديين يشعرون بالدهشة.

في معرض حديثه ضمن لجنة التكنولوجيا المالية في دافوس، تنبأ بمرح بأن النقد ربما يكون غير موجود في غضون عقد من الزمن. نعم، أنت تقرأ هذا بشكل صحيح. كل تلك الدولارات الوضيعة وفواتير اليورو المتعثرة في محفظتك تتجه الآن لمزبلة التاريخ. قال كريان: “ليست هناك حاجة إليها. إنها تفتقر تماما إلى الكفاءة، ومكلفة”. هل يمكن أن نصدقه؟ ليس إذا نظرتم إلى البيانات.

صحيح في العقود الأخيرة توسع التمويل الإلكتروني، واستخدامنا للنقد كان في تراجع. وفقا لبنك التسويات الدولية، كان النقد المتداول يعادل 7.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في أكبر 19 اقتصادا في عام 2014 ـ العام الذي ظهرت فيه أحدث البيانات المتاحة. في عام 2010 كان 8.4 في المائة.

ما يلفت النظر هو ليس حقيقة أن استخدام النقد انخفض، ولكن مدى البطء – والتفاوت – الذي كان عليه هذا الاتجاه. في الواقع، إذا نظرنا إلى إجمالي حجم النقد المتداول، بدلا من النقد كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، نجد أن السويد وحدها تعتبر الاقتصاد الغربي الرائد حيث انخفض النقد في الآونة الأخيرة. في أماكن أخرى كان يرتفع. في اليابان وسويسرا ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة، نسبة النقد إلى الناتج المحلي الإجمالي ارتفعت في الواقع.

في اليابان النقد المتداول اليوم أكثر بمعدل يزيد على 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما في سويسرا النسبة أعلى من 10 في المائة. في المملكة المتحدة النسبة 3.7 في المائة، وهي أعلى مما كانت عليه في عام 2010. الحسابات المصرفية من خلال الهواتف الذكية والابتكارات في تكنولوجيا تعاملات البتكوين الإلكترونية تبدو براقة، لكنها لم تقض على النقود الورقية حتى الآن.

لماذا؟ يعود ذلك جزئيا إلى عادة المستهلكين، إلى جانب عدم الثقة الشعبية بالمصارف في بلدان مثل اليابان التي عانت حالات انهيار في القطاع المالي. وثمة عامل آخر هو أن الملايين من الأسر الفقيرة، حتى في أمريكا، لا تزال لا تستخدم المصارف. المجرمون والإرهابيون والمتهربون من الضرائب يميلون أيضا إلى استخدام النقد في عملياتهم، ولا سيما فئات الأوراق المالية الكبيرة.

لكن العامل الآخر هو سلوك البنوك المركزية نفسها. هناك نتيجة غير مقصودة للسياسة النقدية المتساهلة تماما، وهي أنها قلصت الحوافز للمستهلكين لتخزين أموالهم في المصارف. مع انخفاض أسعار الفائدة في كثير من الاقتصادات المتقدمة، والمعدلات السلبية في أماكن مثل سويسرا واليابان، من المرجح للمدخرين أن يجدوا أنهم يتلقون عوائد ضئيلة، أو حتى يعاقبون بفرض رسوم عليهم. هذا ربما يعمل على زيادة استخدام النقد أيضا، على الرغم من أنه لا أحد يعرف بالضبط إلى أي درجة.

لكن الشيء المثير للاهتمام حقا هو ما سيحدث في السنوات القليلة المقبلة. هناك على الأقل ثلاث حالات تعتمل للظهور الآن من شأنها أن تغير هذه الدينامية وتبرهن، ولو جزئيا، على صحة موقف كريان.

أولاها، وأكثرها وضوحا، التمويل الرقمي والإلكتروني ينتشر بسرعة. ثانيها، بعض الحكومات تدرك متأخرة أن انخفاض استخدام النقد مفيد من الناحية الأمنية ومكافحة الجريمة. لاحظ أن تجار المخدرات والجماعات المتطرفة عموما لا يستخدمون حسابات مصرفية أو الدفع عبر الهاتف الجوال. وبذلك الطريقة الوحيدة لقطع الإرهاب والجريمة قد تكون بسحب فئات الأوراق المالية الكبيرة التي يفضلونها. المفوضية الأوروبية تفكر في هذا الموضوع منذ فترة: أعلنت الأسبوع الماضي أنها تبحث في الحد من استخدام أوراق البنكنوت من فئة 500 يورو. هذه تبدو خطوة منطقية، وهي خطوة ينبغي أن تفكر فيها حكومات أخرى.

والعامل الثالث الذي يمكن أن يؤثر في استخدام النقد في السنوات القليلة المقبلة، مرة أخرى، هو موقف البنوك المركزية نفسها. ففي الوقت الذي تتحول فيه أسعار الفائدة إلى المنطقة السلبية، يسعى محافظو البنوك المركزية في أماكن مثل سويسرا، جاهدين لمنع المستهلكين من التحول إلى النقد، لأن ذلك لا يجعل المعاملات المالية أقل كفاءة فحسب، ولكن أيضا يجعل السياسة النقدية أقل فعالية. السبب في ذلك هو أن الناس إذا تمسكوا بالنقد المادي – الذي على عكس الحساب المصرفي، لا يتأثر مباشرة بأسعار الفائدة السلبية – سيكون لدى محافظي البنوك المركزية سيطرة أقل.

حتى الآن، ما من أحد حاول جادا حظر النقد لجعل أسعار الفائدة السلبية أكثر فعالية. لكن الفكرة طرحت من قبل أشخاص مثل آندي هالدين، كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، وكينيث روجوف، أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد. الفكرة لا تزال تبدو بعيدة المنال – لكن كلما بقيت أسعار الفائدة منخفضة أو سلبية لفترات أطول، فإن المقترحات “غير الواردة” يمكن أن تصبح هي التيار السائد وتستثير (على الأقل) الدعم الرسمي للتمويل الإلكتروني.

ربما يستغرق الأمر وقتا أطول من عشر سنوات حتى يتحقق التنبؤ الذي يقول به كريان، لكن سيكون من الخطورة بمكان أن نستبعد هذه الفكرة. هناك حقيقة لا مفر منها، وهي أن طبيعة المال تتغير. ومن يدري؟ إذا كانت هذه الثورة تساعد على الحد من التهرب من دفع الضرائب وتمويل الإرهاب – وأيضا جعل حياتنا أكثر راحة خلال ذلك – فربما يتبين أنها واحدة من التطورات الجيدة التي ظهرت من صناعة التمويل في السنوات الأخيرة.