لمياء نبيل
في وقت تسعى فيه روسيا إلى الخروج من عدد كبير من المشكلات الاقتصادية التي تمتد من انخفاض أسعار النفط إلى عدد من المشكلات الداخلية والخارجية، وبينما كانت موسكو تستعد لتصدر قائمة مصدري القمح حول العالم هذا العام في أحد مساعيها للخروج من عنق الزجاجة، تسببت مصر، التي تعد أكبر مستورد للقمح في العالم، في إرباك أسواق القمح العالمية وانخفاض أسعار التوريد خلال الأسبوع الماضي، خاصة بعد إعلان القاهرة عن تغطية احتياجاتها من الحبوب حتى مايو (أيار) المقبل.
ووفقا لإحصاءات وزارة الزراعة الأميركية، فمن المقدر أن ترتفع الصادرات الروسية بنحو 3 في المائة، لتصدر ما يقرب من 23.5 مليون طن من القمح هذا العام، لتتخلف كندا عن مركزها الأول لتصدر هذا العام 20.5 مليون طن فقط، متراجعة من 24.1 مليون طن، بينما يتراجع تصدير الولايات المتحدة لأدني مستوى منذ 44 عاما بنحو 21.8 مليون طن.
ويأتي هذا التحول نتيجة انخفاض أسعار النفط وانخفاض تكاليف الشحن، حيث وصل مؤشر نقل المواد الخام عن طريق البحر إلى أدنى مستوى له على الإطلاق يوم الخميس الماضي، لتبلغ تكلف نقل شحنة القمح من فرنسا إلى مصر 7.59 دولار للطن، مقابل 13.75 دولار للطن فيما سبق. وهو الأمر الذي جعل انتفاع المنتجين من النقل المباشر أكثر تنافسية من الاتجاه للصوامع والتخزين، فانخفضت أسعار العقود الآجلة للقمح المتداولة في شيكاغو إلى أدنى مستوياتها منذ خمس سنوات في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بنحو 1.3 في المائة.
من جانب آخر، قالت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في بيانها الصادر منذ أيام قليلة، إن وفرة الحبوب وزيادة المنافسة ساعدت على انخفاض أسعار الغذاء عن مستويات السنوات السبع الماضية، فارتفعت مخزونات القمح إلى 213 مليون طن في السنة المحصولية 2015 – 2016، وتوقعت المنظمة مزيدا من انخفاض أسعار الغذاء بشكل طفيف خلال السنة المحصولية 2016 – 2017.
وقالت مؤسسة «إيكار» الروسية للاستشارات الزراعية، إن سعر توريد القمح الروسي الذي يحتوي على 12.5 في المائة من البروتين إلى منطقة البحر الأسود، بلغ 181 دولارا للطن على أساس تسليم ظهر السفينة في نهاية الأسبوع الماضي، بانخفاض دولار عن مستواه قبل أسبوع، وتعزو المؤسسة الروسية ذلك الانخفاض إلى تراجع الأسعار العالمية، وضعف الروبل الروسي، فقد واصلت العملة المحلية الروسية الانخفاض مقابل الدولار منذ بداية العام جنبا إلى جنب مع أسعار النفط، بينما قالت مؤسسة «إيكون» الروسية للاستشارات إن سعر التوريد انخفض 50 سنتا فقط.
لكن الأسبوع الماضي شهد تفاقم أزمة مصدري القمح، وعلى رأسهم روسيا، حيث هبطت أسعار القمح الأسبوع الماضي مدفوعة بمخاوف تتعلق بعقود توريد القمح لمصر أكبر مستورد للقمح في العالم.
وتتنافس روسيا مع فرنسا وأوكرانيا في إمدادات القمح للعملاء في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. فيما تسعى مصر، أكبر مشتر للقمح الروسي، جاهدة لطمأنة الأسواق بعد أسابيع شهدت حالة من الارتباك بخصوص قيود الاستيراد التي أثارت قلق التجار، خاصة بعدما قامت الهيئة العامة للسلع التموينية المصرية بإلغاء مناقصتين.
وكان لذلك الأثر الأكبر على تحرك أسعار العقود الآجلة في باريس، فأغلقت تسليمات مارس (آذار) 2016 على تراجع بنحو 1.6 في المائة، لتصل إلى أدنى مستوى على الإطلاق إلى 156.25 يورو (نحو 140 دولارا) للطن.
وجاء التراجع على الرغم من تراجع اليورو؛ الأمر الذي ينبغي أن يدعم الصادرات الفرنسية ويجعلها أكثر جاذبية للمشترين، إلا أن تضرر السوق الفرنسية بالقرارات المصرية أكد على احتمالية وجود منافسة قوية للفوز بأكبر مستورد للقمح.
وقالت وزارة الزراعة الروسية إن روسيا صدرت 22.5 مليون طن من الحبوب، من بينها 16.8 مليون طن قمح، في الفترة بين يوليو (تموز) الماضي وفبراير (شباط) الحالي، وسجلت وتيرة صادرات الحبوب انخفاضا نسبته 4.4 في المائة على أساس سنوي.
من جانبه، قال وزير التموين المصري خالد حنفي في مؤتمر صحافي بالقاهرة الأحد الماضي، إن مصر لديها مخزونات من الحبوب تكفي لتلبية الطلب المحلي حتى منتصف مايو المقبل، وأوضح أن مصر تبحث عن بدائل لاستيراد القمح بخلاف المناقصات، في حين لا تزال الهيئة العامة للسلع التموينية المشتري الحكومي للقمح في مصر تتفاوض على استيراد كميات من القمح بعقد مباشر خارج إطار المناقصات المعتادة.
وقال ممدوح عبد الفتاح، نائب رئيس الهيئة، في تصريح له لـ«رويترز»: «كانت الأسعار في المناقصة الأخيرة أعلى بعشرة دولارات من السوق، وذلك لا يجدي». وألغت مصر، أكبر بلد مستورد للقمح في العالم، مناقصة لشراء قمح، يوم الجمعة الماضي، بعدما تلقت أربعة عروض فقط كانت أعلى كثيرا من أسعار السوق.
وقالت الهيئة الأسبوع الماضي إنها تتفاوض على استيراد ثلاثة ملايين طن من القمح بعقد مباشر. وأدلى عبد الفتاح بتصريحه بعدما أحجم موردون عالميون عن المشاركة في مناقصة لاستيراد القمح نظرا للتضارب بشأن النسبة المسموح بها لطفيل الإرجوت في شحنات القمح المستورد. وجاء تصريح عبد الفتاح أيضا بعدما طمأن وزيرا التموين والزراعة السوق العالمية في مؤتمر صحافي بأن مصر ستواصل قبول شحنات القمح التي لا تزيد فيها نسبة الإرجوت عن 0.05 في المائة.