IMLebanon

“الجميع ينادون بالخصخصة ولا يريدونها”

WindPower-Electricity
عزة الحاج حسن

يرثي السياسيون يومياً قطاعات الدولة المتهالكة وخدماتها الخجولة وشبه الغائبة، ويئنّون من عجزها المالي، دون أن يتقدم أي منهم بحلول جذرية، الى حين تسلّل مفهوم الخصخصة الى حلقات نقاشهم، فتم صدور قوانين الخصخصة في العام 2002، لكنها سرعان ما وضعت في الأدراج، وبقيت الى موعد استحداث قانون الشراكة بين القطاعين الخاص والعام في العام 2007 الذي لاقى المصير نفسه، ولا يزال في ادراج مجلس الوزراء حتى اللحظة.
9 سنوات مضت ولم يُعط قانون الشراكة فرصة لإنتشال أحد القطاعات العامة، كأنموذج إصلاحي، والسبب لا يمكن أن يخرج من دائرة المصالح السياسية الضيقة. ويضاف إلى ذلك، جهل المواطن اللبناني بطبيعة الشراكة وبحجم الأزمة التي تحيط بسير عمل غالبية مرافق الدولة.
“فكيف يمكن لشعب قرّاء الصحف فيه معدودون، و3% منهم فقط يقرأون المقالات والمواضيع الاقتصادية، أن يقدّر أهمية الشراكة بين القطاعين ويفهم دورها في عملية الاصلاح؟”، هو سؤال يطرحه الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة زياد الحايك خلال حوار مع “المدن” عن ملف الخصخصة وأسباب تأخره. وفي الآتي نص الحوار:

*ما هي دوافع اللجوء الى الخصخصة أو الى الشراكة بين القطاعين في لبنان؟

مفهوم الخصخصة ليس جديداً إنما يعود الى عقود قديمة، ومرده أن بيروقراطية غالبية الدول تُضعف قدرة القطاع العام على الإنتاج، وبالتالي تجعل من حلول الخصخصة حلا نهائياً لتأمين الخدمات العامة للمواطنين عموماً. أما بالنسبة للبنان، فقد خرج من الحرب بلا قدرة على تقديم الخدمات العامة للمواطن، ولا يزال حتى اليوم عاجزاً عن ذلك، ما دفع المعنيين الى إدراج مفهوم الخصخصة في حلقات البحث عن حلول لأزمة المؤسسات الإنتاجية عام 2000، فصدرت القوانين المعنية بخصخصة الكهرباء والإتصالات والطيران المدني عام 2002، واعتمدت هذه القوانين ما هو معتمد في العالم، أي تأسيس هيئات ناظمة للقطاعات المنوي خصخصتها تجنباً للانتقال من احتكار القطاع العام الى احتكار القطاع الخاص، على أن تكون مسؤولية الهيئة الناظمة تأمين المنافسة للقطاع الذي تتم خصخصته، ولكن نحن حتى اليوم لم نتمكن من إنجاز الخصخصة.
وكيف لا نتّجه الى الخصخصة والخدمات العامة شبه غائبة والبنى التحتية للإقتصاد اللبناني في تراجع مستمر والدين العام في تزايد مضطرد، وكيف يمكن أن تكون الدولة راعية المرافق العامة والمال العام أمام هذا الواقع؟

*لماذا تغيّر التوجه من الخصخصة الى الشراكة بين القطاعين العام والخاص؟

لأننا رأينا أن هناك أساليب وأدوات إصلاحية أكثر صوابية ونجاحاً من الخصخصة، كالشراكة بين القطاعين العام والخاص، فاتخذنا في لبنان منحى الشراكة باستثناء قطاع الإتصالات الذي تصلح فيه الخصخصة دون سواه من القطاعات (فالإتصالات لاتزال حتى اليوم مملوكة من الدولة 100% والشركات الخاصة مرتبطة بعقود تشغيل فقط عبر شبكات الدولة، كما أن التعرفة تحددها الدولة ما يقطع الطريق على باب المنافسة). والمطلوب في هذا القطاع تحرير السوق وإدخال شركات خاصة تستثمر بشبكات جديدة وبتقنيات حديثة ومنصات إلكترونية جديدة، وفي هذه الحالات تبقى الخصخصة الحل الأمثل، أما في قطاعات أخرى فهناك أساليب أكثر ملائمة من الخصخصة أي الشراكة مع القطاع الخاص.
*ما الذي يعرقل إقرار قانون الشراكة حتى اليوم؟

بدأنا العمل على موضوع الشراكة في العام 2007 وحتى اليوم لم نتمكن من التقدم أي خطوة في اتجاه تحقيقها، والسبب الحقيقي يعود الى غياب القرارات عن طاولة مجلس الوزراء وعدم لمس أي اهتمام بالخصخصة أو الشراكة من قبل أي من الوزراء المعنيين بالقطاعات التي تحتاج الى الخصخصة، ومع الأسف حتى اليوم لم يوافق أي وزير، سواء في 8 أو 14 آذار، على الخصخصة بشكل واضح وصريح.

*ماذا عن دعوة بعض الوزراء في الأيام الأخيرة الى إقرار الشراكة والسير بها عاجلاً؟

يُعلنون ما لا يضمرون، الجميع يخرجون الى المنابر ويطالبون بالخصخصة أو الشراكة وبتفعيل القطاعات العامة وتعزيز انتاجيتها بالتعاون مع القطاع الخاص، ولكن في الحقيقة لا أحد يريدها، فالسياسيون يعتبرون انها تنتقص من “صلاحيات” الوزير، أي أن يتعذّر عليه توظيف من يشاء ساعة يشاء، وعدم استفادته من العقود مع الشركات.
فالمصالح الخاصة المرتبطة بالوزراء تحول دون إقرار الشراكة، لاسيما أن بموجب الشراكة تكون كامل الصلاحيات مسنودة الى شركات القطاع الخاص المرتبط مع الدولة بموجب عقد، وتكون علاقة الشركة الخاصة مع الدولة وليس المستهلك أي أن الشركة تبيع الخدمة للدولة التي بدورها تبيعها للمواطن. اي أن الدولة تعمل كوسيط في سبيل تأمين حقوق المواطن، وفي حال الخصخصة تكون علاقة الشركة الخاصة مباشرة مع المستهلك وليس عبر الدولة، ويكون دور الدولة هو الرقابة والتنظيم فقط، وفي الحالتين يتعذّر على الوزير تمرير مصالحه.

*ضمن أي إطار تدخل الشركات الخاصة اليوم الى القطاع العام، وما مدى قانونية هذا الدخول؟

الوزراء في لبنان يفضلون إبرام عقود الإدارة بغية تسيير المرافق العامة، وهي عقود لمدة سنتين أو ثلاث سنوات على غرار ما يحصل اليوم في قطاع الاتصالات وقطاع الكهرباء. وهنا لابد من القول ان عقد الادارة هو من أسوأ وسائل التعامل مع القطاع الخاص لأن عقد الادارة هو أن تحيل الدولة الممثلة بالوزارة المسؤولية المناطة بها الى شركة خاصة، أي أن تطلب من القطاع الخاص أن ينوب عنها في القيام بواجباتها فتطلب من شركة خاصة إدارة منشأة معينة بموجب عقد الادارة، وهنا طبعا لا شيء يمنع الوزير من توظيف من يشاء وتنفيع من يشاء، ويمكنه تجديد العقد كل ثلاث سنوات او اقل، وهذا الواقع ينطبق على جميع القطاعات وابرزها شركات مقدمي الخدمات في الكهرباء.
أما في حال الشراكة فالعقود تكون بعيدة الأمد كما أنه يمنع لأي كان ان يوظف أو ينفع من يريد لأن الشركة الخاصة تلعب هنا دور المستثمر وهي ملزمة بتحقيق ارباح، في حين أنه بموجب عقد الادارة، لا تتحمل الشركة الخاصة أي مخاطر فهي تشغّل المرفق وتضع الفواتير وتقدمها الى الدولة بكافة نفقاتها وتحصلها بشكل كامل وليس هناك من يراقب دقة الفواتير.

*ماذا عن تجارب الشراكة التي خاضتها الدولة منذ سنوات؟ كبواخر الطاقة مثلاً.

اليوم ليس هناك من سبب مطلقاً لعدم اقرار الشراكة بين القطاعين وقوننتها، تجنباً للخوض في تجارب أخرى فاشلة كـ”بواخر الطاقة والطاقة الهوائية والنفايات الصلبة”، فالدولة حتى اليوم لم تبرم عقد شراكة واحداً ناجحاً، والسبب انه يتم ابرامه دائما في العلب السوداء في الوزارات، وكان آخرها ملف النفايات (قبل ان يتم الغاء المناقصات) والعقود المبرمة اليوم جميعها نماذج فاشلة كالبواخر والميكانيك ومغارة جعيتا والاتصالات ومعمل نفايات صيدا وغيرها … كلها عقود غير شفافة ولا تراعي ادنى الشروط المهنية.
وبالمناسبة ان جميع المناقصات التي يتم ابرامها في الوزارات تتم في الغرف السوداء بدليل ان الشركة تتفاوض مع الوزارة على شروط العقد بعد فوزها بالمناقصة وليس قبل ذلك، وهذا ما يجعل الشركات العالمية غائبة عن المناقصات في لبنان وتقتصر المشاركات عادة على الشركات اللبنانية فقط، وهذا هو الفساد بعينه.
وللأسف، فالدولة تقوم بإجراء شراكات مع شركات خاصة، دون إقرار قانون الشراكة بين القطاعين الذي من شأنه وضع اطار قانوني للشراكات وتأمين الرقابة والمحاسبة والشفافية في التلزيم للمشاريع.