IMLebanon

«هوان ينغ» … الصينيون قادمون

ChinaLebanon
بعد «خوش أمديد» التي استخدمها اللبنانيون للترحيب بالرئيس الايراني السابق احمدي نجاد، و«هوش جلدينيز» التي استقبل بها رجب طيب اردوغان في لبنان، حان الوقت كي يتمرن اللبنانيون على «هوان ينغ» او «اهلا وسهلا» بالصينية. فالصينيون قادمون الى المنطقة، لا بل وصلوا وفي جعبتهم عشرات المليارات من الدولارات التي يسعون الى استثمارها في مختلف القطاعات، من البنية التحتية الى التجارة والصناعة والزراعة والتكنولوجيا…

رضا صوايا

التوازنات الدقيقة التي تحكم السياسة في لبنان وانقسام الافرقاء اللبنانيين (قبل ان ينقسم كل قسم على نفسه مؤخراً) بين المحاور المتصارعة اقليمياً ودولياً تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الوطني من حيث الاستفادة من هبات معينة او جذب استثمارات اجنبية في حال كانت الاستثمارات والهبات واجهة اقتصادية لمطامع سياسية.

وفيما الجدل دائر حول ما هو مقبول وما هو مرفوض ووفق اي شروط, تضيع “الفرص”… فلا نكسب “اقتصادياً” ولا نستفيد “سيادياً”.
ما يميز الصيني انه لا يثير الانقسامات في لبنان، وانه على مسافة واحدة من الجميع اكان على المستوى الداخلي او على مستوى الدول العربية ومنطقة الشرق الاوسط ككل. طبعاً من السذاجة اعتبار ان “المزراب” الصيني سيكون مجانياً، لكن الاكيد ان الصيني غير مستعجل على تحصيل اثمان “كرمه” في المستقبل القريب وهنا الفرصة، إلا اذا صادف وجود مؤيدين لتايوان في لبنان!

غزو…اقتصادي

منذ ان اطلق الرئيس الصيني شي جينبينغ، في ايلول 2013، مبادرة “حزام طريق الحرير الاقتصادي” بهدف تفعيل وتطوير العلاقات الدولية والتنمية في منطقة أوراسيا والصينيون لا يكلون ولا يملّون من “الحبك” لتحقيق مبتغاهم. في 16 كانون الثاني المنصرم افتتح البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في العاصمة الصينية، بعد اقل من شهر على تأسيسه، في 25 كانون الاول 2015. يضم المصرف الذي يبلغ راسماله 100 مليار دولار 57 دولة ويهدف الى تحفيز التنمية في آسيا، من خلال تمويل مشاريع مختلفة في مختلف ارجاء القارة من الكهرباء والمياه والمواصلات …
اهتمام الصين بالمنطقة العربية بدا جلياً مع اطلاق الحكومة الصينية في 13 كانون الثاني الماضي وثيقة رسمية هي الأولى من نوعها منذ ان وجدت العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية والتي تتناول سياسة الصين تجاه الدول العربية والتي تعتبر خارطة طريق وبوصلة تحدد الاتجاهات الرئيسية للعلاقات العربية-الصينية في المستقبل. الوثيقة حددت اطر العلاقات ضمن 5 مجالات هي : المجال السياسي، مجال الاستثمار والتجارة، مجال التنمية الاجتماعية، مجال التواصل الانساني والثقافي ومجال السلام والامن.
ليس من الصدفة ان يحل المجال الاستثماري والتجاري مباشرة خلف المجال السياسي، بما يظهر مدى حرص القيادة الصينية على تعزيز هذا الجانب في علاقاتها بالعالم العربي، ويؤشر على المساحة التي يحتلها الاقتصاد كاداة ليّنة و جذابة في السياسة الخارجية الصينية. للصين قدرات استثمارية هائلة المنطقة بالمس الحاجة اليها. فوفقاً لاحصائيات وزارة التجارة الصينية ارتفعت الاستثمارات الاجنبية المباشرة للصين خلال العام 2015 بنسبة 14.7%، لتسجل 118 مليار دولار.
في 21 من الشهر الماضي اعلن الرئيس الصيني في كلمة له في جامعة الدول العربية إن قيمة القروض والاستثمارات المعلنة لدول المنطقة تبلغ حوالي 55 مليار دولار. وبحسب شي جينبينغ، قررت الصين تخصيص قروض خاصة لتشجيع العملية الصناعية في الشرق الاوسط بقيمة 15 مليار دولار، وتقديم قروض تجارية بقيمة 10 مليارات دولار لدعم التعاون في مجال الطاقة، و10 مليارات دولار على شاكلة قروض ميسرة.

لبنان… يتكلم الصينية

حتى الآن، لم تبد الحكومة اللبنانية والوزارات المختصة الحماسة اللازمة أو تبذل الجهد المطلوب لتلقف الاندفاعة الصينية. لكن القطاع الخاص اللبناني يسعى، على قدر استطاعته، الى توطيد العلاقة مع الصينيين وجذبهم الى لبنان. فقبل حوالي اسبوعين، عقد في “مجمّع إده ساندز” في مدينة جبيل مؤتمر اقتصادي لرجال أعمال صينيين، بهدف افتتاح مركز للمناقصات في لبنان، لمختلف المشاريع والبضائع الصينية التي ترغب شركات لبنانية أو عربية باستيرادها.
الخطوة مهمة خصوصاً انها تقرب التجار والزبائن من المنتج وتساهم في ازالة اي خطأ او التباس لناحية نوعية البضائع، وهي اشكالية يصادفها الكثير من مستخدمي التجارة الالكترونية.

روجيه إده

يفضل رجل الاعمال روجيه اده الحديث عن “معرض” بدل مركز للمناقصات، يعرض من خلاله الصينيون بضائعهم. احد الاهداف الاساسية للمعرض، بحسب اده، هو الحفاظ على عنصر الثقة لدى الزبائن وتجنيبهم الوقوع في مصيدة اعلانات زائفة او بضائع لا ترق لما يتوقعون خاصة وانه يصعب تحديد نوعية المنتج وجودته من خلف الشاشة. المعرض بالتالي سيتيح للتجار والزبائن الاطلاع على نماذج للمنتجات والبضائع، ومعاينتها عن كثب قبل طلبها واستيرادها.

يلفت اده الى ان المعرض سيكون دائما، “وقد عرضنا موقعين لاقامته والصينيون يدرسون الخيار الانسب لهم. احد المواقع المقترحة يقع في بلدة ادة الجبيلية والموقع الآخر يقع على اوتوستراد عمشيت ــــ ادة بعد مفرق عمشيت، والمفاوضات تتناول الايجار خاصة ان اعمال البناء والانشاء ستكون على عاتق الصينيين”.
من المعوّقات الاساسية التي يواجهها التجار والزبائن اللبنانيون خلال تعاملهم مع الصينيين هو عامل اللغة. وتجنباً للوقوع في شباك هذه المعضلة، يؤكد ادة انه ولمواجهة هذه الثغرة سيتوفر في المعرض موظفون صينيون يتحدثون اللغات العربية والفرنسية والانكليزية.
كرجل اعمال له باع طويل في قطاع الاعمال، يدرك اده كيفية اتجاه الرياح الاقتصادية، وأسس ومقومات العمل المطلوبة لتفعيل الاقتصاد الوطني وتأمين فرص العمل للشباب. مجيء الصينيين قد يسمح بضرب عصفورين بحجر واحد. فإدة يسعى لانشاء مدرسة – وهو قد حصل على ترخيص لاقامتها في بلدة ادة – غير تقليدية، تقدم دروسا متخصصة وعملية تساعد على تنشئة الطلاب على اختصاصات قد تفتح لهم باب العمل في المستقبل. وهو في هذا السياق يسعى للتعاون مع الصينيين، على ان تقدم المدرسة دروساً ايضا باللغة الصينية وبالعربية للصينيين الراغبين بتعلم لغة الضاد.

الجانب القانوني

يشير الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب منسق رجال الأعمال الصينيين في لبنان عمر زين الى انه “تم انشاء شبكة من الحقوقيين اللبنانيين والعرب على مستوى العالم العربي ككل حتى نكون الى جانب المستثمرين الصينيين ونساعدهم من النواحي القانونية ونسهل امورهم امام الحكومات والوزارات والادارات المختصة والشركات وحتى الافراد”.
كما انه في حال حصول اي اشكال قانوني بين رجال الاعمال الصينيين والعرب، او بين الصينيين واحدى الدول العربية والمستثمرين العرب والحكومة الصينية فسيكون للشبكة دور في هذا المجال من خلال تقديم خدمات قانونية واستشارية وعملانية لتفادي النزاعات. يلفت زين الى ان الحقوقيين سيكونون عرباً وصينيين. والشبكة القانونية موجودة وفي كل بلد عربي توجد مؤسسات عدة قانونية مستعدة للقيام بهذه المهمة كل حسب اختصاصها.
الهدف الاكبر بحسب زين يكمن في جعل لبنان المركز الاساسي في العالم العربي لتسهيل الامور القانونية والاستشارية بين المستثمرين العرب والصينيين.
الهجمة الصينية على المنطقة سريعة. التواريخ التي اتينا على ذكرها تفيد بمدى حماسة الصينيين واستعجالهم وعدم رغبتهم باضاعة الوقت. الفرص قد تأتي وتزول بالسرعة عينها التي يستخدمها الصينيون. القطاع الخاص اللبناني يسعى ويجاهد لحفظ مكانة للبنان في قالب الحلوى الصيني… الاكيد انه في حال كانت خطوات الدولة اللبنانية شبيهة بخطوات السلحفاة، فلن نتمكن من اللحاق بالتنين!!