كتب عماد مرمل في صحيفة “السفير”:
يتكلم نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري في السياسة على طريقته الخاصة. أسلوبه «اوريجينال»، على حد تعبيره. يقارب الرجل أشد الملفات تعقيدا بشفافية وتلقائية.
في دارته في الرابية، القريب من منزل العماد ميشال عون، يروي مكاري كيف تبلغ من الرئيس سعد الحريري نيته ترشيح النائب سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية: «اتصل بي نادر الحريري وأبلغني بان الرئيس الحريري يرغب في الاجتماع بي في السعودية».
يتابع مكاري سرد وقائع رحلته، قائلا: «افترضت للوهلة الاولى انني مدعو لوحدي، ولكن ما ان صعدت الى الطائرة حتى وجدت على متنها كلا من الرئيس فؤاد السنيورة ونادر الحريري ورضوان السيد وآخرين، على ان ينضم الينا في الرياض الوزير نهاد المشنوق آتيا من ابو ظبي. مع وصولنا التقينا على الفور الرئيس سعد الحريري الذي راح يشرح لنا حيثيات قراره بدعم وصول فرنجية الى رئاسة الجمهورية، مستعيدا في هذا السياق تجربة والده الشهيد الرئيس رفيق الحريري الذي كان لا يتردد في ابداء المرونة واتخاذ المواقف الشجاعة عندما تقتضي المصلحة الوطنية ذلك، وأنا أفعل مثله».
ثم أضاف الحريري، وفق «الراوي»: لقد عُقدت حتى الآن 33 جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية من دون ان نصل الى نتيجة، والفريق الآخر يعاند في طروحاته فيما الوضع العام لم يعد يحتمل استمرار الفراغ، ولذلك كان لا بد من إحداث خرق ما عبر ترشيح فرنجية الذي اجتمعت به، وتبين لي ان هناك إمكانية للتفاهم بيننا، ثم انني اعتقد انه لن يكون هناك أصعب من التجربة التي خضناها مع الرئيس إميل لحود.
ويوضح مكاري ان قرار الحريري بترشيح فرنجية قوبل باستفسارات من هنا وقلق من هناك، وقد سئل الحريري عن حجم الدعم الخارجي لهذا الخيار، فأكد لنا ان السعودية وايران والولايات المتحدة وفرنسا أبدت إيجابية حياله، ثم سئل عن موقف «حزب الله» فأوحى الحريري بانه موافق أيضا. وعلى هذا الاساس، بدأ بعض الحاضرين باحتساب الاصوات، بعدما تراءى لهم ان المسألة اصبحت شبه منتهية. أما بالنسبة إلي، فلم أكن متفائلا وقلت للموجودين ان عون وجعجع هما أكبر المتضررين من ترشيح فرنجية وانتخابه، وبالتالي أتوقع ان يلجأ جعجع الى ترشيح عون لقطع الطريق على فرنجية.. وهذا ما جرى بالفعل.
ويؤكد مكاري انه يفضل من حيث المبدأ انتخاب رئيس ينسجم مع قناعاته السياسية، «أما وان المعركة أصبحت محصورة بين عون وفرنجية اللذين يتشابهان في التموضع الاستراتيجي، فانا أدعم فرنجية لان هناك علاقات شخصية وعائلية تربطني به منذ زمن طويل»، مشددا على ان الخلاف السياسي مع فرنجية «لا يمكن ان يدفعني للحظة الى الانتقاص من لبنانيته ومارونيته الراسختين فيه».
ويسرد مكاري واقعة كان شاهدا عليها خلال مؤتمر جنيف للحوار: كنت أرافق رفيق الحريري الى هذا المؤتمر، ولكنني كنت أمضي معظم الوقت في جناح الرئيس سليمان فرنجية، وقد حصل ذات مرة ان رن جرس الهاتف في الصالون وكان على الخط الرئيس أمين الجميل، فسمعت فرنجية يقول له: هذا الملف لا تخوض فيه أنت، وإنما اتركه لي وأنا أعرف كيف اتصدى له، وكان يقصد ملف صلاحيات رئيس الجمهورية، وبالفعل انفجرت جلسة الحوار لاحقا بسبب إصرار الرئيس سليمان فرنجية على التمسك بصلاحيات الرئيس، ما يدل على مدى صلابة هذا البيت السياسي عندما يتعلق الامر بالثوابت، وقد لفت انتباهي حينها ان فرنجية الجد استهل المكالمة بمخاطبة الجميل بـ «فخامة الرئيس» ثم ختمها قائلا له: «يا عمو».
ولكن مكاري يعتبر ان النائب فرنجية أخطأ عندما وصف السيد نصرالله بعد خطابه الاخير بـ «سيد الكل»، مشيرا الى ان هذا النوع من الكلام لا يتناسب مع صورة المرشح الرئاسي، لانه يوحي بان هناك عبدا وسيدا، وإن يكن فرنجية لم يقصد ذلك بالطبع.
ويعتبر مكاري ان المازق الرئاسي الحالي لا يمكن ان يُعالج إلا بواحد من الاحتمالات الآتية:
تحول في موقف الحريري في اتجاه دعم ترشيح عون، انتظار ما ستؤول اليه أحداث المنطقة وهذا يعني ان الانتظار سيطول ولا بد عندها من تفعيل عملي الحكومة ومجلس النواب، انسحاب عون لفرنجية وهذا الاحتمال مستحيل لان عون ليس مستعدا للانسحاب حتى لابنه، ولو كان اسمه جبران عون.
ويشير مكاري الى ان «قوى 14 آذار تفتتت بعد التطورات الاخيرة»، موضحا ان «إشارات تفسخها بدأت تلوح منذ ان راحت أطراف مثل حزب الكتائب وآخرين تبتعد شيئا فشيئا، بسبب ميل سمير جعجع الى حصر القرار بقلة في 14 آذار».
ويلفت الانتباه الى انه «لولا وجود السيد نصرالله في فريق 8 آذار، لكان قد تفتت أيضا»، موضحا ان العلاقة بين الحريري وجعجع «عاطلة حاليا»، لكنها قابلة للترميم، ومعربا عن اعتقاده بان السعودية لن تتخلى عن حليف مسيحي كجعجع وإن تكن عاتبة عليه.