Site icon IMLebanon

خمسة مسببات لفيروسات خطرة.. متوفرة في لبنان

 

كتب حبيب المعلوف في “السفير”:

بعد ان وضع تحذير منظمة الصحة العالمية فيروس “زيكا” بالتصنيف نفسه، من ناحية القلق الدولي، الذي احتله “ايبولا”، بات على العالم ليس فقط اخذ كل الاحتياطات الواجبة، والإسراع في إيجاد الامصال وتدفق مساعدات الإغاثة للتعامل مع عدوى انتشار المرض، كما في كل مرة، بل إعادة تعميق البحوث باتجاه البحث عن المسببات الرئيسية. وإذ بات معلوما ان البعوض هو المتهم الرئيسي بنقل ونشر هذا الفيروس الجديد، بات على العالم التفكير ليس في سبل القضاء على البعوض، بل في البحث عن الأماكن المؤاتية والبيئات الحاضنة لتكاثره. واذ تؤكد الدراسات ان الأماكن المؤاتية هي تلك التي حصل فيها تدهور بيئي كبير من صنع الانسان، بات علينا مرة جديدة العودة الى هذا الأصل الذي طالما تم اهماله. في لبنان تتوفر الأسباب البيئية الرئيسية الخمسة المحددة عالميا لانتشار الأوبئة والفيروسات. انتشار النفايات الصلبة دون معالجة. تجمع مياه الصرف الصحي من دون معالجة أيضا. تدهور الغابات والاحراج. انشاء سدود المياه السطحية. وتغير المناخ.

فما هو فيروس “زيكا” الجديد الذي يواصل انتشاره في اميركا اللاتينية وخارجها؟ وكيف يمكن القضاء على البعوض المسبب في مهده؟ وكيف يتم التعامل معه عالميا؟ وهل سيهتم لبنان في معالجة الأسباب الحقيقية للتدهور البيئي في لبـنان ام ينهمك في كيفية استيراد “البعـــوض الودود” المعدل جينيا ولا يستـــطيع العض!؟

يؤكد العلماء ان هناك شبه استحالة لتأمين الحماية من لسعات البعوض باستخدام مواد طاردة للبعوض. وإذ ترى منظمة الصحة العالمية ان الأمر يستدعي استجابة عاجلة وموحدة في العالم، يخشى الخبراء من أن فيروس “زيكا” ينتشر بسرعة وإلى مسافات أبعد، مع نتائج مدمرة، اذ ترتبط الإصابة بعدوى الفيروس بآلاف الحالات من ولادات الأطفال بأدمغة غير مكتملة التطور.

سرعة الانتشار

يواصل هذا الفيروس انتشاره في مختلف أرجاء أميركا اللاتينية وخارجها، متسبباً في معاناة أليمة للآباء والأمهات الذين ينتظرون ولادة أطفالهم، وتاركاً وراءه العديد من الأطفال الذين يعانون من مشاكل نمو حادة تستمر مدى الحياة. ولذلك فإن البحث في العالم اجمع الآن عن وسيلة للقضاء على الوباء في مهده قد أصبح ملحاً للغاية. ولكن السؤال اين هو مهده؟ وما المقصود بهذا “المهد”؟ هل نذهب الى معالجة التدهور البيئي الذي بات شبه مستعصي ام نذهب لتعديل جينات البعوض الناقل للفيروس ام نعدل في جيناتنا نحن؟ والى أي حدود؟ ووفق أي مخاطر؟

يسارع كثيرون حول العالم للتفكير في انتاج لقاح جديد كما في كل مرة ومع كل اكتشاف لفيروس جديد باتت وتيرة الإصابة به عالية جدا. الا ان التحذيرات من ان يصبح انتشار الفيروسات أسرع من إيجاد الامصال، تتطلب إعادة تفكير في سبل الوقاية العالمية وحماية الصحة العالمية. فكما هو معلوم يستغرق تطوير لقاح فعال سنوات عدة، ولا تزال فعالية الأساليب الحالية للقضاء على ما سمي “بعوض الزاعجة المصرية” الذي يحمل الفيروس جزئية فقط.

البعوض المعدل

يراهن البعض على دور “البعوضة الودودة”، كما تسميها الصحافة البرازيلية. وهي بعوضة معدلة جينيا يعمل بعض العلماء على تطويرها منذ 14 عاما، وتتزاوج بمجرد إطلاقها في البيئة وتنتج نسلاً غير قادر على العض ويموت قبل أن ينضج، وبالتالي يحل محل أكثر من 90 بالمائة من البعوض البري الحامل للفيروس خلال ستة أشهر!

بحسب تقرير نشرته “شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)” مؤخرا، خضع “البعوض الودود” لتجارب ميدانية في بنما وجزر كايمان والبرازيل، حيث تمت الموافقة على استخدامه من قبل السلطات التنظيمية الوطنية.

ومن فرط إعجاب السلطات المحلية بمدينة بيراسيكابا في ولاية ساو باولو بنتائج التجربة الأولية الصغيرة في العام الماضي وافقت على مشروع أكبر سوف يشهد قريباً إطلاق البعوض في وسط المدينة.

استعانت “أوكسيتك”، الشركة التي تتخذ من مدينة أوكسفورد الإنجليزية مقراً لها والتي طورت البعوض الذي يقضي على نفسه، في الأشهر الأخيرة، بطلاب الدراسات العليا في علم الأحياء والعاملين في مجال الصحة العامة لإنشاء أكشاك في ساحة المدينة الرئيسية والمرور على المنازل لشرح المشروع للسكان المحليين.

“من غير المعتاد إطلاق البعوض بدلاً من قتله، ولذلك نريد أن تفهم المجتمعات المحلية ما نقوم به، ونشرح لهم كيفية عمل هذه التقنية، والأسباب التي تجعلها آمنة، وأيضاً سماع شكوكهم”، كما أفاد غييرمي تريفياتو، الذي يشرف على التجارب الميدانية في بيراسيكابا. لا تعاني هذه المدينة حتى الآن من تفشي فيروس “زيكا” ولكنها في خضم تفشٍّ حاد لحمى الضنك، وهو واحد من عشرات الأمراض التي يمكن أن تهدد الحياة ويحمله بعوض الزاعجة المصرية .

استسلام المبيدات

وتجدر الإشارة إلى أن البرازيل أعلنت خلوها من حمى الضنك والبعوض في سبعينيات القرن المضي بعد حملة رش واسعة النطاق استخدمت فيها مبيد “دي دي تي” وهو مبيد فعال للغاية وطويل الأمد. ولكن تبين لاحقاً أنه سام للغاية وضار للبيئة وصحة الإنسان، وبالتالي تم حظره في نهاية المطاف في معظم البلدان.

وكانت المبيدات التي حلت محل “دي دي تي” أكثر أماناً ولكن أقل فعالية. كما أن حملات الرش نادراً ما تصل إلى داخل المنازل، حيث تعيش وتتكاثر نسبة تصل إلى 50 % من البعوض. وحتى عندما يتم رش المنازل من الداخل، عادة ما ينخفض عدد أسراب البعوض بنسبة تتراوح بين 30 و50 % فقط. ويقول بعض الباحثين أن رش المبيدات ليس له أي تأثير على بيض البعوض ويرقاته، التي يمكن أن تتواجد بكميات صغيرة في المياه الراكدة، ويمكن أن تنتج جيلاً جديداً من البعوض بعد أيام عدة من الرش.

وتركز الجهود الأخرى الرامية لتعديل البعوض وراثياً، والتي لم تصل بعد إلى مرحلة التجارب الميدانية في العراء، على إيقاف قدرته على حمل الفيروس. ويقول المدير التنفيذي للشركة لشبكة “ايرين”: “ان العيب في هذا النهج هو النتيجة المحتملة التي لا رجعة فيها المتمثلة في أن يمنح الجين الجديد للبعوض ميزة ما يمكن أن تنتشر بين كل الأسراب. وحيث أن “بعوض أوكسيتك” يدمر نفسه بعد جيل واحد، فإن أي عواقب سلبية ستختفي قريباً”.

غموض موقف منظمة الصحة

اللافت في الموضوع ان منظمة الصحة العالمية لم تجد أي مخاطر كبيرة ترتبط ببعوض شركة “أوكسيتك”، وأوصت بإجراء دراسات وبائية لإثبات ارتباطه بانخفاض عدد حالات الإصابة بأمراض مثل حمى الضنك وزيكا. ولكن لم يفهم ما اذا سمحت بتجربته في المدن!

وتقول مصادر الشركة “أن مثل هذه الدراسات تحتاج إلى نطاق جغرافي واسع حتى تأخذ بعين الاعتبار الأفراد الذين أصيبوا بالفيروس بعيداً عن المكان الذي تم إطلاق البعوض المعدل وراثياً به”. فهل يعني ذلك أن أمر إطلاقه في المدن بات حتميا.

يقول الرئيس التنفيذي لشركة “أوكسيتك” هيدن باري “البعوض لا يسافر بعيداً، ولكن الناس يفعلون ذلك”، مضيفاً أن منظمة الصحة العالمية بحاجة إلى توضيح أن هذه التكنولوجيا آمنة وجاهزة للاستخدام، حتى من دون نتائج مثل هذه الدراسات”.

ويضيف:”ان السلطات في المدن البرازيلية الأخرى قد عبرت بالفعل عن اهتمامها بتجربة النهج الجديد، وأنه تمكن إقامة مختبرات مثل المصانع في غضون أشهر قليلة لبدء انتاج الملايين من البعوض اللازم، لإعادة تشكيل الأسراب في منطقة ما. ويجري حالياً إنتاج بيض البعوض الذي يمكن استخدامه لبدء هذه العملية في المختبر الكائن في مقر شركة أوكسيتك بمدينة أوكسفورد”. وقال باري إن الظروف المعيشية داخل صفوف الحاويات التي يتكاثر فيها البعوض ويتغذى ويضع البيض تشبه فندقاً من فئة الخمس نجوم للبعوض.

حملة مضادة

وإذ تأمل الشركة بتوسيع نطاق العمل والترويج لامكانية ان يكون التعديل الجيني هو الحل، ليس فقط للقضاء على “زيكا”، ولكن للقضاء على أكثر من 100 مرض آخر يحمله هذا البعوض كذلك”، تنتشر في العالم حملة مضادة لفكرة نشر البعوض المعدل وراثيا.

وقد وقّع أكثر من 150000 شخص على بيان مشترك يعارض إجراء تجربة “أوكسيتك” الصغيرة في ولاية فلوريدا في الصيف الماضي، التي لا تزال تنتظر موافقة الحكومة الفدرالية الأميركية. وهناك مخاوف كثيرة من الكثير من العلماء ان تخرج مسألة التعديلات الجينية عن السيطرة حين تتوسع في اكثر من اتجاه، خصوصا ان لا شيء يضمن من ان لا تنتقل خاصية الانتحار او العقم الى أنواع أخرى بينها الانسان نفسه! بالإضافة الى مخاطر أخرى لن نتوسع فيها في هذه العجالة.

الا ان السؤال الذي يسأله الكثير من علماء البيئة: ما الذي يجعل البعوض قويا ومنتشرا وخطرا الى هذا الحد؟ ما الذي يجعله في مصاف “كارثة صحية عالمية”، بعد ان بدأ في مشكلة بيئية محلية؟

ثم يطرح السؤال المعروف الجواب: أليست معالجة الأسباب ووقف التدهور البيئي اقل كلفة وخطرا من أي إجراء آخر لا سيما استخدام المبيدات او تعديل الجينات؟

النفايات والسدود في الصدارة!

بحسب خبراء في الأمراض الميكروبية وفي الدراسات البيئية، فإن السبب الرئيسي لانتشار فيروس “زيكا” والبعوض الناقل له يعود إلى التدهور البيئي في أماكن رئيسية في البرازيل، وبلدان أخرى. ومن لا يعرف من علماء العالم أن عدم جمع النفايات، يخلق بيئة مؤاتية للبعوض ليتكاثر فيها، ويتمكن لاحقاً من نشر الأوبئة. ومن لا يعرف ان عدم معالجة المياه المبتذلة وتركها تتجمع في الوديان او في الازقة تتسبّب أيضاً بهذه الظواهر؟

وكل العالم (إلا في لبنان) تابع تلك الشكاوى المتكررة منذ سنوات حول ضرر السدود على الأنظمة البيئية المحيطة وحول مدى التغيير الذي تحدثه السدود في التجمعات المائية والتي تقوي احتمال انتشار الأوبئة… كان آخرها التقارير التي تحدثت عن ظهور امراض واوبئة في سد بحيرة فولتا الأعلى في غانا، بعد انتشار نوع من الطفيليات تحمل الحلازين الى الإنسان، على سبيل المثال.

بالإضافة الى بناء السدود، فإن قطع أشجار الغابات أو حرقها، هو من أحد أهم أسباب انتقال الأوبئة إلى الإنسان، وهو ما أثبتته دراسة حديثة لجامعة “تشيلسي هارفي”، حول مدى مساهمة الإساءة إلى الغابات في نقل الملاريا في ماليزيا، إذ قرّبت الإنسان من القردة وسمحت للذباب بأن ينقل الوباء.

ولا حاجة للحديث عن الاحتباس الحراري وقضية تغير المناخ وقد بينت التقارير الدولية التي ترفع كل خمس سنوات أنه حين نمسّ بالمعدل الطبيعي لحرارة الكوكب، او حين ترتفع الحرارة بمعدلات قياسية، يمكن ان يتسبب ذلك بجنون الكثير من أنواع الكائنات، ومنها الحشرات الحمّالة للأوبئة. وقد أكدت منظمة الصحة العالمية أن “البعوض (الحامل لحمى الضنك) يتكاثر بشكل أسرع ويلدغ مرات أكثر في ظل الحرارة المرتفعة”.