يُخيّل إلى المارين من أمام جامعة الحكمة في الحازمية أنَّ مشكلة النفايات حُلّت، خصوصاً أنَّ الأكياس المكدّسة تحت الجسر رُفعت بغالبيتها، فيما تبدو الطرق عموماً في أفضل أحوالها. لكن الواقع يُبيّن أنَّ الحلول التي لجأت إليها الحكومة عبر عملية التصدير العتيدة لم تُنقذ اللبنانيين بعد من المصيبة التي تحاصرهم، على رغم أنَّ الاقتراحات كثيرة ومتعدّدة الوجه، وأبرزها عملية التفكك الحراري التي يرى فيها البعض حلّاً غير مكلف على مختلف الصعد.
دفع الاستغناء عن الخطة التي اقترحها وزير الزراعة أكرم شهيّب بذريعة تعثّر ايجاد مطامر في كل المناطق، إلى البحث عن حلول خارج حدود البلاد. فوجد المسؤولون في الترحيل حلّاً موقّتاً ومناسباً، علماً أن الخبراء يجمعون على أنَّ تكاليف التصدير مرتفعة، فضلاً عن أنَّها لا تتناسب والنفايات المنزلية. ومن جملة الحلول المقترحة، التفكك الحراري الذي “يضمن التخلص من النفايات بأسعار غير مرتفعة من دون أن ينتج مواد لا يُفاد منها”، وفق رئيس شركة “Ouvrage” المتخصصة في هذا المجال السيد ريمون متري.
ويشرح متري لـ”النهار” أنَّ هذه التقنية تنص على عدم تعريض النفايات للنار، بل على تسخينها بعد فرزها وتعريبها بشكلٍ غير مباشر، على أن تُعزَل عن الهواء ضماناً لنجاحها. ويضيف أنَّ هذه الخطوة تليها عملية تحويل المواد الصلبة غازاً يتم تنظيفه في وقت لاحق من المواد المضرّة للبيئة قبل استخدامه في مجالات عدّة كأداة للتسخين في الصناعة، والمستشفيات، وانتاج الكهرباء وغيرها.
تنجم عن النفايات بفعل التسخين أيضاً مادة الكاربون، وفق متري، ويؤكّد “أنَّه يُستخدم كبديل للفحم الحجري”، معتبراً أنَّ هذه العملية “لا تكلّف غير 95 دولاراً للطن تقريباً، على أن تعمل البلديات على ايجاد أراض تستأجرها الشركة أو تستحوذ عليها لتتكفل بإنشاء المعامل الضرورية”.
وقد وجّه متري كتاباً الى بلدية بيروت في 28 كانون الأول الفائت لطرح الفكرة عليها، مؤكداً فيه الاستعداد للشروع في العمل في غضون شهر أو شهرين، لكن الطلب “ظل من دون اجابة حتى الساعة، مع أنَّ وزارة البيئة لم تُظهر امتعاضها تجاه هذه التقنية”.
وفي حين أنَّ وزارة البيئة تضع معايير يجب التقيّد بها قبل اعتماد أي وسيلة، كان لا بدّ من استشارتها وتلمُّس مدى تأييدها للتفكك الحراري، فأكّد رئيس مصلحة البيئة السكنية في الوزارة بسّام صباغ لـ”النهار” أنَّ هذه الأخيرة تحرص على أن يكون الدخان المنبعث نتيجة لتطبيق هذه التقنيات أو غيرها، نظيفاً، مستشهداً بالقارة العجوز التي باتت تضم محارق بين البيوت بفعل الرقابة المشدّدة والتزام الشركات القيود والقوانين.
ويتشارك المجتمع المدني الرافض لكل الحلول المقترحة مع السياسيين الذين أفشلوا مختلف الخطط، تبعات ما وصلت إليه أزمة النفايات حالياً، وفق صباغ، إذ اعتبر أنَّ تطبيق الحلول المثالية لا ينجح في لبنان، كموضوع الفرز من المصدر مثلاً، بدليل أنَّ المدن السويدية لا تلتزم هذا الحل إلا بنسب تراوح بين 30 و35% فقط. وإذا كانت النيّة موجودة لإنجاح حل كهذا، فانه يشدّد على ضرورة ايصاله الى الأجيال الصاعدة ليترسّخ في أذهانهم، ويصبح تالياً ثقافة في المجتمع. وبما أنَّ مساحة لبنان ضيقة وأرضه مرتفعة الثمن، لا يرى صباغ أنَّ المطامر الصحيّة هي أنسب الحلول لأنَّها تقتل المناطق التي تحوطها وتعرقل السكن فيها. ويعتبر أنَّ الأنسب في الوقت الحالي هو اقرار الحكومة اصلاحات لتنظيم ملف ادارة النفايات الصلبة وتوفير مصادر تمويل لهذا القطاع، فضلاً عن فرض ضرائب مباشرة وغير مباشرة وفق مبدأ “الملوّث يدفع”، وطرح خطة طارئة تضمن الخروج من هذه الأزمة عبر تطبيق خطة الوزير أكرم شهيب التي نالت موافقة كل الافرقاء والأحزاب السياسية، ومن ثم وضع خطط طويلة المدى.
مع تضارب الآراء في شأن صوابية اعتماد التفكّك الحراري، ترفض رئيسة حزب “الخضر” ندى زعرور الموضوع رفضاً قاطعاً، مؤكّدة لـ”النهار” أنَّ “الحزب لا يثق بدولة عاجزة عن تطبيق الحلول التي اتخذتها بنفسها، ولا يثق تالياً بقدرتها على متابعة هذه العملية وفرض رقابة عليها”، بدليل أنَّ “معامل الاسمنت وشركة الكهرباء لوّثت مناطق من دون رادع”.
وعلى غرار الدول المتقدّمة التي لاقت صعوبة في التخلّص من النفايات التي تنتج من هذه العملية، وفق زعرور، “لا تناسب هذه التقنية لبنان فما الذي سيحل بالرماد الناتج من التفكّك؟”. وتشدّد على وجوب تشغيل مراكز المعالجة المدعومة من الدول المانحة، قبل أن “ينقضّ الصدأ عليها”، فضلاً عن إقرار قانون النفايات الصلبة المنزلية الموجود في مجلس النواب والذي ينتظر مسح الغبار عنه منذ عام 2014. وينص هذا القانون على الفرز، تحرير أموال البلديات ووهبها السلطة في إدارة هذا الملف، علماً أنَّ الحزب وضع ملاحظات في شأن السماح باللجوء إلى وسيلة الحرق. ولا بد من التذكير أخيراً بأنَّ الدراسات أظهرت أنَّ 90% من النفايات الصلبة في لبنان هي نفايات منزلية ينتج منها نحو 6 آلاف طن يومياً. وتصنّف 60% من هذه النفايات عضوية، فيما تتوزع البقية بين الورق والكرتون ومواد البلاستيك والزجاج والمعادن، اضافة الى العوادم والنفايات الخطرة كالبطاريات والأدوية وعبوات مواد التنظيف، تضاف اليها نفايات المسالخ والمزارع والمستشفيات التي لا تزال تُرمى في المكبّات العشوائية.