IMLebanon

جباية البلديات وموازناتها … فشل لا يطاله القانون

hermel
مارسيل محمد

تعتبر البلديات صورة مصغرة عن الحكومة المركزية، وتتشابه معها بأمور كثيرة، منها تحصيل الضرائب وتسجيل الواردات والنفقات ضمن موازنة تُبيّن الأموال الداخلة الى الصندوق ومصادرها، والأموال المصروفة وأبواب صرفها. لكن تختلف البلدية عن الحكومة بدخول عامل الإتصال المباشر بين البلدية والمكلفين بدفع الضريبة التي تندرج تحت عنوان “الجباية”، وذلك عبر العلاقات العائلية والصداقة وغيرها.

وإذا كانت الموازنة العامة للدولة لم تُقر منذ حوالي 10 سنوات، الا ان بعض موازنات البلديات تُقر وتسير البلديات وفقها. لكن بلديات كثيرة لا تعرف الموازنات ولا تعرف من تحصيل الضريبة الا القليل، لأن عملية التحصيل لا تخضع للقانون العام، بل للعرف الإجتماعي والثقافة التي تقول بأن أموال الدولة “حلال” ويمكن عدم دفعها. فتأتي الأزمات لتزيد من الضغوط على البلديات، مثل أزمة النفايات التي دخلت البلديات فيها كشريك في إيجاد الحل دون أن تكون شريكاً في سبب الأزمة. وهذه الشراكة التي فُرضت على البلديات نتيجة عجز الحكومة المركزية، أعادت الى الأذهان التساؤل عن الجباية ودورها في حل أزمات البلديات ودعم مسيرة التنمية في المناطق، وفي تأكيد لامركزية البلديات، عبر دعم استقلالها المعنوي والإداري والمادي. وذلك إنفاذاً للمرسوم الاشتراعي رقم 118 تاريخ 30 حزيران 1977، والذي تنص مادته الأولى على أن البلدية “هي إدارة محلية تقوم ضمن نطاقها بممارسة الصلاحيات التي يخولها إياها القانون وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، تقوم ضمن نطاقها بممارسة الصلاحيات التي يخولها إياها القانون”.

والأموال التي تحصل عليها البلدية تأتيها من طريق جباية “المسقّفات” وجباية رسوم المحلات و”البسطات” أو من تشغيل املاك البلدية أو “الواردات الناتجة عن الاتفاقات، الهبات، المساعدات، القروض، الغرامات”… وغير ذلك. لكن العبرة تبقى في التطبيق والإستفادة من هذه الأموال. وفي هذا السياق، تشير مصادر “المدن” في وزارة المالية الى ان “تحصيل البلديات لأموالها المتوجبة على المواطنين في نطاقها، كفيل بتجنيبها (بنسبة كبيرة) الحاجة الى الدولة المركزية على الصعيد المالي، ومع ذلك تنتظر البلديات تحويل أموالها من الصندوق البلدي المستقل، وهنا تدخل البلديات في مشكلة البيروقراطية من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك العراقيل السياسية، وهذا ليس سراً”. وتؤكد المصادر على ان “إلقاء اللوم على وزارة محددة ليس دقيقاً، لأن تسيير الأمور في الدولة لا يتم ضمن الأطر القانونية المعروفة، بل ضمن المحسوبيات والمناكفات السياسية، فليس مستغرباً تحويل مبالغ محددة لمنطقة، وتحويل أقل منها الى منطقة أخرى، استناداً الى وساطات سياسية وليس الى جداول واضحة”.

وتجدر الإشارة الى ان أموال الصندوق البلدي المستقل توضع في حساب لدى مصرف لبنان، وهي حاصل ما يجمع من الرسوم المحصلة للبلديات نهاية كل شهر، من قبل محتسب الخزينة المركزي في وزارة المالية والمحتسب المركزي في المديرية العامة للجمارك. هذه الأموال تقسم الى قسمين، الأول تناله البلدية بنسبة 88% والثاني بنسبة 12% يذهب الى إتحادات البلديات. وفي القسم المخصص للبلديات، يوزع منه 5% للدفاع المدني و95% للبلديات، ومن هذه الـ 95%، تأخذ البلديات التي يقل عدد سكانها عن 4000 نسمة، نسبة 10%، وتوزع الـ 90% على البلديات الأخرى، وأموال هذه النسبة تقسم بدورها الى 78% على أساس عدد السكان المسجل في نطاق البلدية، و22% على أساس الحاصل الفعلي للرسوم المباشرة خلال سنتين. اما أموال إتحادات البلديات، فتقسم بين 60% على أساس عدد السكان المسجلين في نطاق الإتحاد، و40% على أساس عدد البلديات التي يتألف منها الإتحاد. وذلك بالإستناد الى المرسوم رقم 1508 تاريخ 5-3-2015، والمتعلق بتوزيع عائدات الصندوق البلدي المستقل عن عام 2013، والى المرسوم رقم 1917 تاريخ 6-7-2979 المتعلق بتحديد أصول وقواعد توزيع أموال الصندوق البلدي المستقل.

على أرض الواقع، فإن النسب التي توزع على أساسها الأموال، لا جدوى منها، في ظل شل حركة البلديات وعدم وصول الصندوق إليها بالقدر الكافي، ويضاف الى ذلك، معوقات ضعف الجباية. فبلدية مثل بلدية الهرمل التي تقع ضمن المناطق الطرفية والمصنفة محرومة، تجبي “بين 25 و30% سنوياً من ضرائبها، وتتوزع هذه النسب على 7500 وحدة سكنية”، ما يدل على الضعف الشديد في الجباية، على حد تعبير رئيس البلدية صبحي صقر، الذي يلفت النظر لـ “المدن” الى ان “الجباية هي عامل أساسي لإنطلاق المشاريع البلدية، وهي شراكة مع المواطن، حتى وإن بدت تسمية الجباية بالضريبة مزعجة قليلاً”، ويشير صقر الى انه يفضّل تسمية الجباية بـ “تسديد جداول التكليف”، وهي التسمية المعتمدة قانوناً. غياب التحصيل وبالتالي تغييب إعداد الموازنات وإقرارها لا يمكن حلّه بالقوة، والمقصود بقوة القانون، “برغم ان القانون يضمن ذلك، لكن لا يمكن في مناطق الأطراف الدخول في عداوة مع الناس”. لذلك، تلجأ البلديات الى إعتماد أساليب كثيرة، منها التضييق على المكلفين في حال أرادوا إجراء معاملات تتطلب موافقة البلدية، أو “الإعتماد على الإعفاءات التي تحددها وزارة الداخلية بالتعاون مع وزارة المالية. ومن خلالها تتمكن البلدية من تحصيل جز من حقوقها، يساعدها على تنفيذ المشاريع”.

وفي أزمة مثل أزمة النفايات، يزداد الضغط على البلديات وتزداد الحاجة الى تحصيل الجباية، فضلا عن تحويل أموال الصندوق البلدي المستقل. لكن في لبنان، لا شيء يسير وفق القانون، فحتى وإن حوّلت أموال الصندوق، “فمن يضمن في الأصل بأن الأموال المحولة هي الأموال الصحيحة؟، من يحدد نسبتها وحصة كل بلدية منها؟”، وعليه، يرى صقر بأن على السياسيين تحديد تواريخ محددة للتحويل والقبض، والإلتزام بذلك. والى حين الوصول الى آلية واضحة لتطبيق القانون، تبقى البلديات بلا موازنات أو بموازنات تسيّرها العواطف والعلاقات القرويّة، وهذا ما تفتقده المدن الأساسية، مثل بيروت وطرابلس مثلاً، والتي يمكنها الإستناد أكثر الى القانون.