Site icon IMLebanon

صلابة الوضع النقدي منيعة نتيجة احتياطات المركزي والمصارف اللبنانية

Banque-du-Liban
أظهر التقرير الاقتصادي لبنك عودة عن الفصل الأخير من العام 2015، تراجعاً في أداء القطاعين الصناعي والزراعي نتيجة الأوضاع السياسية والأمنية الملبدة في المنطقة وفي الداخل، حيث تراجعت الصادرات الصناعية حوالي 11.2 في المئة. كما تراجع القطاع العقاري تباطؤاً مع تراجع المبيعات العقارية بنسبة ملحوظة فاقت 10.5 في المئة.
ولاحظ التقرير تحسناً في الحركة الســـياحية مع اختلاف نوعية السياح وجنــــسياتهم. واشار التقرير إلى تراجع عجز الميزان التجاري من حوالي 17.2 مليار دولار إلى حوالي 15.1 مليار دولار، في حين زاد عـــجز مـــيزان المدفوعـــات بشكل كـــبير وبلغ حوالي 3352 مليـــون دولار بنســـبة تفوق 120 في المئة.
على صعيد الموازنة العامة فقد لاحظ التقرير انخفاضاً في إيرادات الموازنة العامة نتيجة تراجع عائدات الضرائب حوالي 6 في المئة.
النقطة الأهم في التقرير أنه وجد استقراراً منيعاً في الوضع النقدي نتيجة ارتفاع السيولة بالعملات لدى مصرف لبنان ولدى القطاع المصرفي.
طغت الأجواء السياسية الملبّدة داخلياً في ظل التحديات القائمة إقليمياً على المشهد الاقتصادي المحلي في العام 2015. فقد شهد الاقتصاد الحقيقي واحدة من أصعب السنوات منذ أكثر من عقد من الزمن، بحيث إن معظم مؤشرات القطاع الحقيقي إما انكمشت أو سجلت نمواً طفيفاً. فالطلب المحلي كان واهناً، خصوصاً من ناحية الاستثمار الخاص والعام، إضافة إلى تراجع الطلب الخارجي كما يدل على ذلك حجم الصادرات الفائتة.
إن تطوّر مؤشرات القطاع الحقيقي في العام 2015 يؤكد التباطؤ السائد في النمو الاقتصادي. فمن بين المؤشرات التي سجلت انخفاضاً صافياً، نذكر الصادرات (-10.9 في المئة)، الواردات (-11.8 في المئة)، قيمة المبيعات العقارية (-10.6 في المئة)، عدد رخص البناء الممنوحة (-8.9 في المئة)، تسليمات الإسمنت (-9.4 في المئة) وحجم البضائع في مرفأ بيروت (-0.8 في المئة). أما أبرز المؤشرات التي سجلت نمواً إيجابياً فهي عدد المسافرين عبر مطار بيروت (+9.9 في المئة)، عدد السياح (+12.1 في المئة) ومبيعات السيارات الجديدة (+4.1 في المئة).
وكانعكاس لوهن الإنفاق الإجمالي في الاقتصاد الوطني، فإن الشيكات المتقاصة قد تراجعت بنسبة 6.6 في المئة في العام 2015 مقارنةً مع العام 2014، وذلك من 74.5 مليار دولار إلى 69.5 مليار دولار. وفقاً لذلك، فإن سرعة دوران النقد قد تراجعت بنسبة 11.5 في المئة خلال العام 2015، مما يوحي بأن متوسط النمو السنوي للودائع والبالغ 5 في المئة لم ينعكس ارتفاعاً في دوران النقد في ظل مناخ سياسي واقتصادي حذر بشكل عام.
ولتقييم مجمل أداء مؤشرات القطاع الحقيقي، سجل المؤشر الاقتصادي العام الصادر عن مصرف لبنان متوسطاً قدره 276.5 في الأشهر الأحد عشر الأولى من العام أي بنمو نسبته 1.9 في المئة، بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام السابق. إلا أن متوسط المؤشر العام قد نما بوتيرة أعلى في عامي 2013 و2014، حين سجل نمواً بنسبة 3.2 في المئة في كلا العامين، في حين أن المؤشر الاقتصادي العام يمثل متوسطاً مثقلاً لعدد من المؤشرات التي تتماشى مع النشاط الاقتصادي دون قياس حجم نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، إلا أن تطوره يشكل في الواقع مؤشراً لاتجاه أداء الاقتصاد المحلي بشكل عام.
أما على صعيد المالية العامة، فإن إحصاءات الأشهر التسعة الأولى من العام 2015 تظهر نمواً سنوياً في عجز المالية العامة بنسبة 17.4 في المئة. وهو يأتي في سياق انخفاض في الإيرادات العامة بنسبة 8.6 في المئة بالترافق مع تراجع في النفقات العامة بنسبة 2.9 في المئة. وكنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، فإن عجز المالية العامة قد ارتفع بشكل طفيف من 5.9 في المئة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2014 إلى 6.4 في المئة خلال الفترة المماثلة من العام 2015. ومع ذلك، فإن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي لم تتردَّ، حيث بلغت 130 في المئة في نهاية تشرين الثاني 2015، في مقابل 133 في المئة في نهاية العام 2014.
وعلى صعيد القطاع الخارجي، سجلت إحصاءات التجارة الخارجية انكماشاً بنسبة 12.0 في المئة في عجز الميزان التجاري خلال العام 2015 بالمقارنة مع العام السابق، ليتراجع بقيمة 2.1 مليار دولار أي من 17.2 مليار دولار إلى 15.1 مليار دولار خلال تلك الفترة. عليه، انخفضت نسبة العجز التجاري من الناتج المحلي الإجمالي إلى 27 في المئة (وهو أدنى مستوى لها على الإطلاق) وذلك من نسبة 34 في المئة في العام 2014. يجدر بالذكر أن تراجع العجز التجاري لم يؤدِّ إلى تحسُّن في ميزان المدفوعات، بل على العكس، شهد ميزان المدفوعات اتساعاً في العجز من 1.4 مليار دولار في العام 2014 إلى 3.3 مليار دولار في العام 2015، وهو مستوى قياسي جديد. ويُعزى هذا التردي في عجز ميزان المدفوعات إلى تراجع في تدفقات الأموال الوافدة بنسبة 25.4 في المئة خلال تلك الفترة.
وفي سياق انكماش تدفق الأموال الوافدة، سجلت الودائع المصرفية نمواً متواضعاً بقيمة 7.2 مليارات دولار في العام 2015، مقابل نمو بقيمة 8.2 مليارات دولار في العام السابق، إلا أنه لا يزال كافياً إلى حد ما لتلبية الحاجات الاقتراضية للاقتصاد الوطني بشقّيه العام والخاص. وعند التمعّن في توزع الودائع بحسب العملات، نرى بأن نمو الودائع بالليرة قد استحوذ على نسبة 52 في المئة من نمو الودائع الإجمالي، ما أدّى إلى تراجع في نسبة دولرة الودائع من 65.7 في المئة في كانون الأول 2014 إلى 64.9 في المئة في كانون الأول 2015، وهو أدنى مستوى منذ ما يقارب الثلاث سنوات. أما التسليفات المصرفية الممنوحة للقطاع الخاص فقد شهدت مزيداً من التباطؤ في العام 2015، وذلك في خضم التباطؤ الاقتصادي السائد في البلاد وتضاؤل فرص التسليف محلياً وإقليمياً. عليه، فإن التسليفات المصرفية الممنوحة للقطاع الخاص والتي كانت قد نمت بمقدار 3.5 مليار في العام 2014، قد سجّلت نمواً بقيمة 3.3 مليار دولار في العام 2015.
أما على صعيد أسواق الرساميل في لبنان، فقد كان أداؤها متماشياً مع المناخ الاقتصادي الواهن بشكل عام. إذ انخفضت أسعار الأسهم المدرجة في بورصة بيروت بنسبة 1.2 في المئة في العام 2015، وذلك في ظل نشاط أضعف في حجم التداول والذي تراجع بنسبة 19.6 في المئة خلال العام، وذلك من 619 مليون دولار في العام 2014 إلى 498 مليون دولار في العام 2015، ما خفّض نسبة قيمة التداول السنوية إلى الرسملة البورصية من 5.9 في المئة إلى 4.7 في المئة، وهي تعدّ من بين النسب الأكثر تدنياً في المنطقة والأسواق الناشئة بشكل عام. في موازاة ذلك، توسعت هوامش مقايضة المخاطر الائتمانية في لبنان من فئة خمس سنوات بمقدار 26 نقطة أساس لتصل إلى 421 نقطة أساس في نهاية كانون الأول 2015، مما يعكس تردياً طفيفاً في النظرة السوقية إلى المخاطر الائتمانية السيادية.

الخلاصة: العام 2016 بنظرة استشرافية
تركت التطورات السياسية والأمنية المتتالية محلياً وإقليمياً بصماتها على النشاط الاقتصادي في لبنان خلال العام 2015، خصوصاً أن وتيرة التجاذبات السياسية المحلية قد اشتدت وطأتها في ظل شبه شلل يخيّم على أطياف مختلف المؤسسات الدستورية في البلاد. أضف إلى ذلك التحركات الشعبية التي فاقمت من الوهن الاقتصادي والتردّي الاجتماعي في البلاد ومن ضبابية المناخ العام على المستوى المحلي.
في هذا السياق، إن أداء مختلف القطاعات الاقتصادية في البلاد يسلط الضوء على التباطؤ الذي خيّم على العام 2015، لا سيما أن الاقتصاد الحقيقي قد تأثر سلباً بوهن المناخ المؤسسي في لبنان في أعقاب الضغوط الشائكة والمستمرة منذ سنوات عدة. عليه، فإن جميع القطاعات الاقتصادية قد نمت بوتيرة أضعف تقريباً في العام 2015 بالمقارنة مع العام السابق، في حين سجل بعضها انكماشات صافية بالقيم الحقيقية.
في الواقع، لقد كان العام 2015 من أحلك السنوات منذ ما يقارب عقداً من الزمن، بحيث إن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي المقدّر بنسبة 1 في المئة قد أظهر عناصر الوهن في القطاع الحقيقي وسط انكماش ملحوظ في تدفقات الأموال الوافدة إلى لبنان، ما ولّد عجزاً قياسياً في ميزان المدفوعات واستنزافاً للاحتياطيات الصافية لدى مصرف لبنان وتراجع نمو الودائع والتسليفات المصرفية إلى أدنى مستوى منذ عشرة أعوام.
وبنظرة استشرافية، من المتوقع أن يحافظ الاقتصاد الحقيقي على أدائه الضعيف وأن يبقى التباطؤ المخيّم على أطياف القطاع الحقيقي سائداً في العام 2016. هذا وفي حين أن بعض الجهود المبذولة في سياق تسويات محلية وإقليمية قد برزت مؤخراً، إلا أنه ليس من المرجح أن تترجم إلى نتائج آنية في المدى المنظور نظراً للتعقيدات الجمّة التي تشوب معالم الأزمة القائمة، ناهيك عن العديد من المتغيّرات التي تحتاج إلى المعالجة المتأنية. عليه، فإن النتيجة هي نمو ضعيف في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في لبنان، وإن ربما بتحسن طفيف بالمقارنة مع العام 2015، ذلك بالتزامن مع نمو معتدل في المجاميع المالية.
ووفق أحدث توقعاتنا، فمن المتوقع أن يسجل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 2 في المئة في العام 2016 والذي، بالترافق مع معدل تضخم بنسبة 2.3 في المئة لهذا العام، قد يرفع الناتج المحلي الإجمالي إلى 56 مليار دولار والناتج المحلي الإجمالي الفردي إلى 11,000 دولار. هذا وفي سياق انكماش صافٍ في الاستثمار الخاص واستمرار الضغوط السائدة على حركة التصدير، من المتوقع أن يكون نمو العام 2016 مدفوعاً بالاستهلاك الخاص الذي من المقدّر أن ينمو بنسبة 4 في المئة خلال العام الحالي ليمثل 77 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. يبقى أنه في حال حدوث انفراج سياسي من خلال تسوية سياسية محلية أو إقليمية، فإن هذه المؤشرات قد تسجل تحسناً في نسب نموها بشكل عام.
في موازاة ذلك، نتوقع نمواً في الكتلة النقدية بزهاء 5 في المئة، مدفوعاً بخلق نقدٍ محلي في سياق تغيّر سلبي في صافي الموجودات الخارجية. وبالتالي من المرجّح أن يسفر ذلك عن نمو في الودائع المصرفية بما يقارب 7.5 مليار دولار في العام 2016، ليصل إجمالي ودائع القطاع المصرفي إلى حدود 160 مليار دولار. أما بالنسبة لبنية الودائع، فإننا نتوقع أن تنمو الودائع بالليرة بوتيرة أسرع من نمو الودائع بالعملات الأجنبية في العام 2016، ما من شأنه أن يخفض نسبة دولرة الودائع إلى حدود 64 في المئة، وهو أدنى مستوى لها منذ ست سنوات.
أما على صعيد الاستعمالات، فمن المرجّح أن تبقى التسليفات المصرفية الممنوحة للقطاع الخاص واهنة في ظل تضاؤل فرص الإقراض في اقتصاد محلي متباطئ. من هنا، نتوقع نمواً في التسليفات المصرفية للقطاع الخاص بقيـمة 2.5 مليار دولار، على الرغم من الرزم التحفيزية من قبل مصرف لبنان بحوالي 1.5 مليار دولار في العام 2016.
على صعيد معدلات الفوائد، فإننا نتوقع شبه استقرار في معدلات الفوائد المحلية في سياق ارتفاعٍ صافٍ في معدلات الفوائد الأجنبية. وبالتالي من المرجح أن يسفر ذلك عن ارتفاع في الهوامش المصرفية من مستويات منخفضة تاريخياً، مع تأثير إيجابي على العائد على الموجودات السائلة الذي لن يتواكب مع ارتفاع مماثل في كلفة الودائع. إلا أنه من المتوقع أن يبقى الدخل من الرسوم والعمولات المصرفية رازحاً تحت الضغوط في ظل وهن نسبي في الإنفاق الإجمالي في الاقتصاد الوطني وتباطؤ نشاط السوق بشكل عام، ما من شأنه أن يؤدي إلى نمو طفيف في ربحية القطاع المصرفي.
هذا وعند التطرّق إلى الآفاق الاقتصادية في المدى المنظور والمتوسط، من المهم تقييم المحفزات الاقتصادية كما المخاطر الكامنة للاقتصاد الحقيقي والنقدي. فعلى مستوى المحفزات الاقتصادية، نذكر النمو الممكن للطلب الإجمالي في ظل فجوة كبيرة بين الناتج الفعلي والناتج الممكن تحقيقه، ديمومة المناعة المالية في ظل عناصر الحماية المالية والمصرفية، احتياطيات النفط والغاز والتي من شأنها توفير مخرج تدريجي لمعضلة المالية العامة، ناهيك عن الفرص الجمّة التي تحملها إعادة إعمار سوريا للمؤسسات اللبنانية بشكل عام.
أما على صعيد المخاطر، فنذكر تنامي عجز ميزان المدفوعات على الرغم من تقلص العجز التجاري، الضغوط الداخلية جرّاء الأعــداد الكبيرة والمتزايدة من اللاجئين السوريين في لبنان على البنى التحـــتية والعمـــالة، ناهيك عن استمرار الأوضاع السياسية الإقليمية الشــائكة وتداعياتها على الاقتصاد اللبناني ككل بشكل عام.
في الختام، وعلى الرغم من أن المخاطر الكامنة تمثل تهديدات حسية، إلا أن الفرص الحقيقية لا تزال قائمة وترتبط بواقع أن لبنان لم يفقد معالم صموده ولا يزال يحافظ على القدرة على استعادة زخمه وقوته من جديد. ويرتبط ذلك بشكل أساسي بالتحسن الممكن على صعيد المناخ السياسي العام مع ما يمثل من حجر أساس لاستعادة المؤسسات اللبنانية وضعها الطبيعي وإنتاجيتها الممكنة ولاستعادة الثقة في اقتصادنا الوطني، وبالتالي وضع حدّ للتباطؤ التدريجي الذي خيّم على أطياف الاقتصاد اللبناني خلال السنوات الخمس الماضية.