كثيرة هي المشاريع والبرامج التي سعت الى الحد من الفقر والقضاء عليه، ولكن تلك “الآفة” لم تتراجع نسبتها أو تستقر يوماً، لا بل استمرت في منحاها التصاعدي منذ زمن حتى وصل في العام 2015 عدد اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى مليون و170 ألف لبناني، وفق أرقام المنظمات الدولية.
تعاظم أرقام الفقر في لبنان دفع بمشروع القانون المقترح من جانب النائب روبير فاضل في العام 2015 والمسمّى “أفعال”، والذي يرمي الى إنشاء برنامج لإزالة الفقر والعوز المدقع، إلى سلوك طريقه للبحث والمتابعة بعد أن أقرته وزارة الصحة النيابية في العام الماضي، ومرّ في لجنة المال والموازنة الخميس الماضي، وتم تشكيل لجنة فرعية لمتابعة درسه خلال مدة شهر.
يقضي برنامج “أفعال” بمنح مساعدة نقدية تقدّر بـ150 دولاراً، أي قرابة ثلث الحد الأدنى للاجور، على أن تكون المساعدة مشروطة بتعهد العائلة بإرسال الاولاد القاصرين الى المدرسة، ومواظبتهم على الذهاب إليها، ومتابعة الراشدين من أفراد العائلة دورات تدريبية تؤهلهم الحصول على وظيفة، وفي حال الإخلال بذلك تفقد الأسرة امكانية الحصول على مساعدة نقدية.
ولكن في بلد يعجز فيه الفقير عن دخول مستشفيات الدولة لعدم قدرته على سداد فارق فاتورته الإستشفائية، ويعجز طبعاً عن سد حاجاته الحياتية الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن وملبس، نظراً الى مستوى الأسعار الذي ينخفض ويرتفع مع المواسم وفقاً لأهواء التجار، في هكذا بلد كيف يمكن لـ150 دولاراً أن تعيل الأسر شديدة الفقر وتدفعها الى تعليم أولادها والإلتحاق بتدريب مهني؟
وفي بلد يحتل أحد أدنى المراتب على مستوى العالم في مؤشر الشفافية، وينخر الفساد غالبية مؤسساته الخاضعة لتقسيمات طائفية ومذهبية، في بلد المحاصصات والزبائنية، في هكذا بلد من يضمن وصول مساعدة الـ150 دولاراً، رغم تواضعها، الى مستحقيها؟
يحاول برنامج “أفعال” مكافحة التسرب المدرسي وتأهيل الفقراء للحصول على فرص عمل، بهدف القضاء على الفقر والعوز، لاسيما أن بؤر الفقر تتوسع في غالبية المناطق اللبنانية، ولكن في بلد يحوي مليوناً و170 ألف لبناني يعيشون اليوم تحت خط الفقر، كيف يمكن أن يبلغ عدد الأسر الأشد فقراً 300 ألف فقط أو 500 ألف شخصٍ؟ بحسب بنك معلومات وزارة الشؤون الإجتماعية الشريك في برنامج “أفعال”.
وإذ حاول وزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس، في حديثه لـ “المدن”، شرح هدف برنامج “أفعال”، والتوضيح أنه جاء مكملاً لبرامج سابقة تمنح نحو 27 ألف لبناني بطاقات غذائية بقيمة 180 دولاراً شهرياً وسداد فوارق فواتيرهم الإستشفائية في المستشفيات الحكومية، فتح الباب على دقة الأرقام والفارق الكبير بين مجمل الفقراء اللبنانيين وعدد المستهدفين منهم. وهنا يلفت درباس الى أن الـ500 ألف شخص الذين يستهدفهم البرنامج هم المسجلون لدى وزارة الشؤون الإجتماعية فقط.
تحديد أعداد الفقراء الذين يستهدفهم برنامج أفعال واعتماده على تسجيل أنفسهم في سجلات وزارة الشؤون الإجتماعية على غرار الدول الأوروبية المتحضرة، يطرح علامات استفهام حول مدى وعي الشرائح الفقيرة لمسألة الحصول على مساعدات عينية أو نقدية من الدولة، وحول تقاعس الجهات المعنية لاسيما وزارة الشؤون نفسها عن نشر الوعي حول التصريح عن حالة الفقر لاسيما في المناطق النائية التي تحوي آلاف الأسر الفقيرة “المنسية” وغير المسجلة في سجلات “الشؤون الاجتماعية”، وبالتالي غير المستفيدة من برامج المساعدات.
وعن تمويل البرنامج وضمان حسن سيره في حال صدور القانون يرجئ درباس البحث في الجهة الممولة للبرنامج الى حين صدوره رسمياً، مع ترجيحه أن يتم التعاون في تمويله بين الدولة اللبنانية والبنك الدولي وبعض المنظمات الدولية، بموازاة تكليف هيئة او مجموعة من الخبراء بممارسة دور الرقابة والتدقيق في لوائح المستفيدين.