IMLebanon

ما بالكم تقتلون شهداء “14 آذار” مرتين؟! (بقلم رولان خاطر)

 

14-march-1

كتب رولان خاطر   

“كل بيت ينقسم على نفسه يخرب”. هذه قاعدة لا تقبل الجدل. وكل فئة، أو حزب، أو طائفة، أو جماعة، تنقسم على نفسها، مصيرها الخراب، والتشرذم، والانحلال. وعلينا ان نتعظ ونعتبر، ونضع حداً لهذا الانقسام الذي لن يقف عند حدّ، اذا تواصل، على الوتيرة التي نراها.

نحن نعرف ان لا رئيس لدينا. لا مؤسسات تسيّر شؤوننا. لا حكومة تتحمّل أدنى مسؤولياتها. لا أمناً تطمئن إليه سلامتنا. لا قضاء يحمي أسوار العدالة عندنا، من فتوحات المتربصين بلبنان شراً ومكراً وكرهاً وغيرةً وأنانيةً.

عيون مجلسنا انطفأت. قوانينا عتقت. طوائفنا تعجرفت. أحزابنا سقطت. مصالحنا الذاتية تفوقت. وحراس وطننا غفوا في لحظة انهيار الجمهورية.

نعرف أن جمهوريتنا تصرخ. وطننا يئنّ. شعبنا يرزح. هويتنا تذوب. ثقافتنا تغيب. مبادئنا تموت على أيدي صانعيها. ثوابتنا تخنقها أيدي معتنقيها. استقلالنا تعرّيه ممارسات قياديينا.

هو بداية الصوم. هو أسبوع 14 شباط، الذي أوقد نار 14 آذار وأوصل الى 26 نيسان 2005. الشعلة التي اتقدت وجمعت تحت نارها كل أحرار لبنان، مسيحيين ومسلمين، إلى أبد الآبدين. فلماذا نتنكر للمشروع الذي بنيناه، وللاستقلال الذي كرّسناه، وللمجد الذي أوجدناه؟

لماذا نستسلم لمشروع 8 آذار؟ لممارسات “حزب الله” وإرهابه؟ لإجرام ميشال سماحة وعلي المملوك وبشار الأسد؟

لماذا نستسلم لآفات كذبهم، واحتيالهم، لشهوات أطماعهم، ودعارة أفكارهم، ونجاسة إيديولوجياتهم، وخباثة مشاريعهم؟

لماذا نستبدل الحق بالباطل؟ لماذا نبارك قضيتهم، وهي التي أعدمت خيرة شبابنا؟ لماذا تريدون من كهنتنا، وآبائنا، وشيوخنا أن تعمّد إبليس سياساتهم؟ لماذا تلطخون مياه “ثورة الأرز” بأصفر أحقادهم؟ لماذا نريد من شعبنا الحيّ أن يطوي صفحة نضاله على مرّ السنين؟

لرسالتنا خصائص جوهرية. تعاليمها واضحة. مخطوطاتها تضرب في وجدان التاريخ اللبناني. فلا مجال للمقارنة مع رسالتهم وخصائصها.

رسالتنا مقدسة، كرسالة بطرس وبولس، ويوحنا. وكسيرة الشهيد الأول يسوع المسيح. رسالتنا تخُطُّها أحرف قرآنية، وكلمات من بحر الإنجيل. رسالتنا ولدت على صوت أجراس الكنائس ومآذن المساجد.

فلماذا الاستسلام؟ لماذا الخضوع؟ لماذا التخاذل؟ طريق الثورات محفوفة بالنضالات والايمان، فلماذا فقدان الإيمان وإهمال النضال؟

لماذا الاستسلام اليوم إلى الانقلاب الأسود الذي يحصل؟ إلى منطق القمصان السود؟ إلى طاغية الشام وشمولية طهران؟

مسيرة طويلة بدأت في 14 آذار 2005. والحصاد، كان، دموعاً صامتة على أحبّة شهداء وخيبات لا تُحصى.

فنحن وُعدنا، بثورات أرز لا نهاية لها، وليس بتنازلات لا نهاية لها.

وُعدنا بالعودة إلى الجذور، وليس التنكر لهذه الجذور. وُعدنا بالعودة إلى طريق 14 آذار 2005، إلى ساحة الحريّة.

وعدنا بمحاسبة المجرمين والمرتكبين وليس بالتنكر لمسار العدالة. فأشرف ريفي ليس يهوذا اﻻسخريوطي، هو من أركان انتفاضة اﻻستقلال. وهو الذي من موقعه لطالما حماكم وحمانا وحمى الكثيرين. وعدنا بأن ﻻ يفرقكم إﻻ الموت وليس بأن يبعدكم ملف سياسي.

وبالتأكيد فإنّ الطريق إلى ساحة الحرية لا تمرّ، ولا يمكن أن تمرّ، لا بدمشق ولا بطهران، ولا بوكلائهما في لبنان. وكي لا نكون نواطير لذاكرة وطنٍ يحتضر، وحراساً على جمهورية تزول، لا نطلب إلا العودة إلى 14 آذار 2005.

فنحن مناضلون، أكنّا في “تيار المستقبل” أو في “القوات اللبنانية” أو “الكتائب اللبنانية” أو “حركة الاستقلال” و”الأحرار”، أو في أي مكوّن من مكونات 14 آذار، حزبيين ومستقلين. سنبقى أوفياء لقادتنا ولثورتنا، لكن لا يمكن إلا ان نكون مقتنعين مع ذواتنا.

مشروعنا مشروع شهادة، وقداسة.

مشروعنا بدأ مع كل شهيد من شهداء المقاومة اللبنانية، وصولا إلى شهداء ثورة الأرز.

فنحن نريد رئيساً، وهذا حقّنا، لا يكون إلا سيّداً، في القرار والفكر والوجدان.

لا نريد رئيساً سيّده هذا الوليّ، وذاك الفقيه.

لا نريد رئيساً يبرّر سلاح “حزب الله” كي تزول اسرائيل. ويبرّر مقتل طيار في الجيش كي يرضى الحزب. ويفتح قبور الماضي كرمى لعيون الحزب.

لا نريد رئيساً ينصّب نفسه قاض تاريخي من قلب دمشق، فيتحوّل المجرم في قاموسه بطلاً يتباهى بتحميل الضحية مسؤولية الاعتداء عليه، فيما أنين وآهات المعتقلين في السجون السورية لم ترق إلى مسامعه.

لا نريد رئيساً يسعّر المنافسات الشخصية، والاعتبارات الفئوية، ويعمل على نكء الجراح، وتأجيج الخصومات.

نريد رئيسا يفعّل دور لبنان ورسالة لبنان، وجمهورية لبنان. نريد رئيساً وقف ولو مرة على قبر شهيد، وليس مسبّباً لهذا الكمّ من الشهداء.

فلنقرأ فصلاً، لا بل فصولا من رسائلنا المقدسة. رسالة ثورة الأرز، رسالة انتفاضة الاستقلال، على مسامع الأقربين والأبعدين. فلا نقتل شهداءنا مرتين. مرة بالنكران، نكران تضحياتهم ونضالاتنا. ومرة بتنصيب قاتليهم رؤساء وحكاما على وطننا، ومسيرتنا، وتاريخنا، وهويتنا، ومستقبلنا، وجمهوريتنا.

الشهداء أضاءوا الشعلة ورحلوا، والواجب إبقاؤها مضاءة. هكذا تعاقبت الأجيال، وهكذا بقيت شعلة الحرية مضاءة عبر التاريخ اللبناني.

ففي زمن الصوم والجلجلة… والقيامة، أمل ورجاء وإيمان، ان تعودوا إلى الجذور. إلى 14 آذار. إلى الوطن، لبنان. فلا قداسة ولا قدسية إلا الوطن… لبنان.