سايمون موندي
في عام 1998، عندما سافرت محطة مير الفضائية الروسية مئات الأميال فوق الأرض، جوني شيه في تايوان، كان يُراقب تقدّمها باهتمام خاص. رئيس مجلس إدارة “أسوس” كان حريصاً على معرفة كيف كانت أجهزة الكمبيوتر المحمول التي تنتجها شركته تعمل في ظروف مُجهِدة على رحلة لمدة 637 يوما في الفضاء.
بحلول عام 1997، كانت شركة أسوس تصنع لوحات الدوائر الرئيسية لشركات تصنيع أجهزة الكمبيوتر منذ ثمانية أعوام، وكان شيه قد قرّر أن الشركة التايوانية بحاجة إلى صناعة أجهزة الكمبيوتر الخاصة بها من أجل “جعل أسوس علامة تجارية حقيقية”. للمساعدة على تأسيس سمعتها، يقول الرجل البالغ من العمر 63 عاماً، الذي يرتدي بدلته السوداء المُعتادة والقميص مفتوح الرقبة، الجالس في كرسي رمادي في المقر الرئيسي للشركة في تايبيه، “إن “أسوس” وضعت الدقة أول معيار لها. كنّا بحاجة إلى التغلب على جميع الأجهزة الأخرى”.
لذلك كان حدثاً مهما عندما نجحت أجهزة الكمبيوتر المحمول التي تنتجها “أسوس” في وقت مبكر في الرحلات المتجهة إلى محطة مير، على عكس تلك الخاصة بشركات منافسة أكثر رسوخا.
ازدهرت “أسوس” باعتبارها شركة تُركّز على المستهلكين. وإلى جانب شركة إيسر المنافسة في تايوان، أصبحت واحدة من أكبر خمس شركات لإنتاج أجهزة الكمبيوتر في العالم. بحلول عام 2008، مع قيادة “إتش تي سي” HTC لإطلاق “جوجل” نظام أندرويد لتشغيل الهواتف الذكية، كانت صناعة الإلكترونيات الاستهلاكية في الجزيرة بمثابة دعامة للاقتصاد، مع ثقل عالمي لا يتناسب مع عدد سكانها البالغ أقل من 25 مليون نسمة.
لكن اليوم التوقعات أقل لمعاناً. بلغت مبيعات أجهزة الكمبيوتر العالمية العام الماضي نحو 289 مليون وحدة، بحسب شركة جارتنر للأبحاث – أقل بواقع الخُمس تقريبا من أعلى مستوياتها في عام 2010، لأن المستهلكين الذين يُركّزون على الهواتف الذكية يتخلون عن أجهزة الكمبيوتر الكبيرة. ومنذ بداية عام 2011 منيت شركة إيسر بخسائر متراكمة وصلت إلى 27 مليار دولار تايواني “805 ملايين دولار”، مع تقلّص سوقها بشكل عام، وهو وضع فاقمه خسارتها حصة سوقية لأمثال شركة لينوفو الصينية. وانخفضت أسهم “إيسر” بنسبة 90 في المائة خلال تلك الفترة، كذلك انخفضت “HTC”، التي تم تهميشها في سوق الهواتف الذكية العاملة بنظام أندرويد من قِبل شركة سامسونج في كوريا الجنوبية والشركات المنافسة الصينية.
مع ذلك، نجت شركة أسوس من تراجع أجهزة الكمبيوتر، مع ارتفاع صغير في الحصة السوقية وتحوّل نحو أجهزة أكثر تكلفة، فضلاً عن خطوة متأخرة لكن ناجحة بشكل متواضع في مجال الهواتف الذكية. والآن قيمة “أسوس” السوقية، البالغة نحو ستة مليارات دولار، هي تقريباً القيمة نفسها قبل خمسة أعوام. ويتوقع محللون أن تُعلن عن صافي أرباح للعام الماضي يبلغ نحو 530 مليون دولار. وهذه أعلى قليلاً من أرباح عام 2010، لكنها تقريباً أقل بمقدار الربع من أرباحها القياسية عام 2012.
المقارنة مع شركة إيسر تعتبرا، في آن معا، أمرا مؤلما وسارا بالنسبة إلى شيه الذي أمضى أعوامه التشكيلية في “إيسر”، ليبلغ أوجه في قيادة أعمال البحث والتطوير فيها. وعندما أطلق أربعة من المهندسين التابعين له في عام 1989 “الشركة الصغيرة لكن الجميلة” الخاصة بهم، طلبوا من شيه أن يقودهم.
وكان قد طلب الإذن من ستانلي شيه، مؤسس شركة إيسر – لا توجد قرابة بينهما. يقول “كانت شركة إيسر تُعاني صعوبات (…) أخيراً أقنعني ستان بالبقاء”. لكنه زوّد الشركة الوليدة بالتمويل، وبعد أربعة أعوام انضم إلى شركة أسوس ليتولى منصب الرئيس التنفيذي.
يتذكر شيه عملية غرس ثقافة العمل الجاد بعد العثور على مختبر هندسة شبه فارغ في وقت مبكر من مساء أحد الأيام ويقول “بصراحة، هذه أزمة”.
أصلح أيضاً سياسة التعيين، من خلال اختيار الخرّيجين الواعدين بشكل جماعي من جامعة تايوان الوطنية النخبوية. بعد ذلك جاء القرار بالانتقال إلى الإلكترونيات الاستهلاكية التي لا تزال تُشكّل الغالبية العُظمى من مبيعات شركة أسوس.
يقول محللون “إن هناك عاملا واحدا وراء صمود أسوس في هذا المجال هو سعيها للحصول على أحجام وتكوينات جديدة لأجهزتها، ما يُساعدها على تأمين موقع قوي في قطاعات المنتجات الجديدة التي عليها طلب مرتفع نسبياً، في الوقت الذي تتراجع فيه مبيعات أجهزة الكمبيوتر”.
في عام 2007 كشفت “أسوس” عن جهاز إي بي سي Eee PC – أول نيتبوك، أو جهاز كمبيوتر محمول مُصغّر. وتم نسخ الابتكار على نطاق واسع من قِبل الشركات المنافسة، التي أطلقت فئة منتج يتمتع بطلب قوي، حتى انطلاق جهاز آيباد من “أبل” في سوق الأجهزة اللوحية بعد ثلاثة أعوام.
يقول شيه “إن مثل هذا الابتكار كان نتيجة تحوّل ثقافة “أسوس” بعيداً عن التركيز البسيط على الأداء الفني. للحصول على نوع كامل من الابتكار يجب أن نبدأ من استحسان المستخدم”. في عام 2011 كشفت “أسوس” عن جهاز ترانسفورمر يُمكن تعديله ليُستخدم جهازا لوحيا أو جهاز كمبيوتر محمول – وهي فكرة أخرى سرعان ما نسختها الشركات بما في ذلك “مايكروسوفت”. في إعلان نابض بالحيوية لآخر إصدار من شركة أسوس، يوجد طائر كرتوني مُتحدّث ينتقد مستخدم الهاتف الذكي قائلاً “أنت فقط تجعل الحياة صعبة على نفسك! مُلتصق بشاشاتك الصغيرة، وتُسبّب لنفسك الصداع بينما تحاول كتابة رواية بإبهامك”.
شيه يُدافع عن أجهزة الكمبيوتر بالمثل، قائلا “يقول الناس إن أجهزة الكمبيوتر تتراجع، لكنها فقط تجعل الاستحسان أكثر وضوحاً. أجهزة الكمبيوتر هي حوسبة الإنتاجية المحترفة”.
مع ذلك، من الواضح أن كلا من قطاع أجهزة الكمبيوتر وقطاع الأجهزة اللوحية قد تأثّر بالهواتف الذكية ذات الشاشة الكبيرة، لذلك بدأت “أسوس” العام الماضي العمل على الهواتف الذكية مع جهاز زينفون ZenFone. وكان فريق التطوير يخضع لمعايير شيه كثيرة المتطلبات. في مرحلة ما، عقد اجتماع أزمة لإيجاد طريقة لوضع البطارية ومُكبر الصوت في المساحة المُخصصة.
يقول “نحو منتصف الليل، أو الساعة الثانية صباحاً، وجدها أحد المهندسين. ولو كان اجتماع عمل عاديا، فلا أعتقد أن بإمكانك الحصول على إنجاز (…) إن لم يكُن الأمر مؤلماً، عادة لا يكون منتجا بطلا”.
الموارد النقدية وشبكات الأعمال التي أنشأتها عمليات أجهزة الكمبيوتر فيها ساعدت قسم الهواتف الذكية على النجاح بشكل متواضع في بعض البلدان النامية: كانت تملك 12 في المائة من سوق الهواتف الذكية في إندونيسيا و7 في المائة في روسيا في الربع الثالث من عام 2015. لكن “أسوس” تعد منافسا متأخرا، إذ وصلت بعد سبعة أعوام من ظهور “الآيفون”. علاوة على ذلك، أصبحت هوامش الربح أضيق بسبب المنافسة من شركات الإنتاج الصينية.
ويشدد شيه على أن “الفائز الأخير في بعض الأحيان لا يكون المُشارك الأول”. وتتوقع “أسوس” أن تتفوّق إيراداتها من الأجهزة الخليوية على إيرادات أجهزة الكمبيوتر في عام 2018. وتتوقع كذلك أن تبيع 30 مليون هاتف ذكي في عام 2016، مقابل 21 مليونا العام الماضي. وهذا أثار شكوك بعض المحللين. نومورا، مثلا، تتوقع مبيعات تبلغ 22 مليون وحدة في عام 2016.
لكن الهواتف الذكية مجرد مجال واحد من مجالات النمو التي يستهدفها شيه. فمنذ تسليمه دور الرئيس التنفيذي لجيري شين في عام 2008، بقي الوجه العام الرئيسي للشركة. وحصل أيضاً على مزيد من الوقت لتعزيز مجالات المنتج التي تهدف إلى التعويض عن التباطؤ في أعمال أسوس الرئيسية المتراجعة.
بمفردات تتخلّلها مصطلحات كلية إدارة الأعمال، إحدى العبارات المُفضّلة لشيه هي “الاتجاه الكبير”: في هذه الحالة، التحوّل نحو “إنترنت الأشياء” حيث يعتمد المستهلكون على مجموعة من الأجهزة المُتّصلة بالشبكة.
أسوس توسّع مجموعتها من مثل هذه المنتجات، من الساعات الذكية إلى أجهزة التلفزيون الذكية المصنوعة لـ “جوجل”، وشيه يُشرف على مشاريع سرية في مجال الروبوتات وتكنولوجيا الواقع المُعزّز – نظرة على العالم الحقيقي المُزخرف بالتأثيرات التي يولدها جهاز الكمبيوتر.
يقول “في عصر أجهزة الكمبيوتر، الصندوق كان المركز. الآن علينا أن نتفق على أن خدمة السحابة هي المركز. أنا أهتم كثيراً بالاتجاه الكبير. وإلا قد نُصبح غير ذوي صلة”.
وفقا لشركة جارتنر للأبحاث، موسم عيد الميلاد لعام 2015 لم يجلب شيئا يستوجب الاحتفال بالنسبة إلى شركات صناعة الكمبيوتر الشخصي العالمية التي عانت تراجعا في المبيعات بنسبة 8 في المائة بالمعدل السنوي، في الربع الرابع الذي يكون نشطا في العادة. وأجهزة الكمبيوتر المحمول لم تعد تتصدر قوائم الرغبات في الأعياد، في الوقت الذي يتحول فيه المستهلكون بصورة متزايدة إلى الهواتف الذكية.
وتركز شركات الإنتاج التايوانية التي لديها تعاملات أكبر مع السوق الاستهلاكية، بصورة متزايدة على تصنيع أجهزة الكمبيوتر الشخصي لمحبي ألعاب الكمبيوتر الجادين.
وتسعى “أسوس” الآن إلى حشد ولاء لعلامتها التجارية من خلال مجتمع الإنترنت “جمهورية اللاعبين”. وإلى جانب “إيسر”، تنظم حملة ترويج مكثفة لأجهزة كمبيوتر بمعدات قوية وواجهة خارجية متينة باللونين الأسود والأحمر، تردد أصداء ألعاب الخيال السوداء والعنيفة.
تقول تريسي تساي، المحللة لدى “جارتنر”، “معظم الناس لا يشترون أجهزة الكمبيوتر الشخصي، بالتالي كان عليهم إعادة تكييف الاستراتيجية من أجل استهداف المستخدمين الجادين”.