كتبت ثريا شاهين في صحيفة “المستقبل”:
اليوم الذكرى الحادية عشرة، لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري رجل الاعتدال والتطوير والتنمية. اللبنانيون كانوا يدركون معنى اغتياله، لكن الآن وفي ظل ما يحصل، هناك إدراك أكبر لماذا تم اغتياله، وكلما مرّت السنين على ذلك، تظهّرت المخاطر التي تلفّ البلد، والتي ارتبطت بالأساس بسبب اغتياله.
وتذكّر مصادر سياسية بارزة بأن الرئيس الشهيد وقف حاجزاً ضد الطائفية والمذهبية، وكذلك ضد التوسع الإقليمي لبعض الأطراف، مدافعاً عن لبنان أولاً. لم يكن الرئيس الشهيد مع أن يتقاتل الأفرقاء من جراء الممارسة السياسية حول منصب فئة ثالثة. كما أنه لم يكن إلى جانب أن تعطي القيادات اللبنانية الأولوية للتكتيك بدل إعطائها للاستراتيجية، لأن عقله كان استراتيجياً، وكان يولي الاهتمام الأساسي للأمور الاستراتيجية على المصالح الصغيرة. كل هذا بين الأطراف أدى إلى ولادة 14 آذار في مواجهة أجندة “حزب الله” الخطرة حيث السعي للهيمنة على مقدرات الدولة وقراراتها، وإن كان هناك خلافات يومية حول المصالح السياسية وحول السلطة.
واليوم نشهد مشروعاً إقليمياً لوضع اليد على لبنان. إنه المشروع الإيراني، الأمر الذي يعيد طرح السؤال لماذا تم اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟
الأسباب وراء اغتياله بدت واضحة على مدى 11 سنة أعقبت هذا الاغتيال في ظل الوضع اللبناني وفي المنطقة. داخلياً كانت محاولة لاغتيال الاعتدال ليس في لبنان فحسب، إنما في المنطقة. اليوم وفي ظل موجات التطرّف والتطرّف المضاد، كأن من يريد بلبنان أن يتحوّل إلى ساحة صراع ولا يمكن أن يتم تحقيق ذلك في ظل وجود الرئيس الشهيد.
ويبذل الرئيس سعد الحريري جهوداً مكثفة للحفاظ على تراث الاعتدال. وعلى الرغم من المحاولات الجدية له والمبادرات القوية والشجاعة، نجد على الساحة اللبنانية تطرّفين، لأن للبعض مصلحة في أن يكون هناك تطرّف مقابل للتطرّف الأصلي القائم على أساس تحقيق مشاريع غريبة في لبنان. ومسار الأحداث منذ الاغتيال يدلّ على أن الساحة انكشفت أمام شتى أنواع التطرّف. وهذا ما نشهده أيضاً في المنطقة.
حرص الحريري الأب على الاعتدال تجسّد أيضاً من خلال الممارسة، حيث أن دار الفتوى التي يشعّ منها نور الاعتدال، جرت مقاربة مسارها بوصفها السند على أساس أنها العامل المساعد لبث هذا الاعتدال وترسيخ معانيه. والحريري الابن كان حريصاً على المصالحة التي حصلت، وانتخاب المفتي عبداللطيف دريان الذي يقوم بنقلة نوعية في هذا المجال لا سيما وأن تفعيل مؤسسات دار الفتوى، لما لها من ثقل ديني، يُساهم في منع التطرّف، وفي التوجيه نحو الاعتدال.
الجميع يقرّ ويعترف أن الشهيد الحريري لم يكن له فقط التأثير على مستوى الداخل في أن يكون حاجزاً منيعاً أمام التطرّف، بل أيضاً انسحب ذلك على دوره الإقليمي.
وعدا عن موضوع الاعتدال، يرى اللبنانيون ما يحصل الآن بالنسبة إلى مؤسسات الدولة، حيث هناك أطراف كأنها تحمل معولاً لتفتيتها، في حين أن الرئيس الشهيد كان حريصاً على تفعيل دورها والتشديد على منعتها. واللبنانيون أدركوا أسباب الاغتيال لا سيما المرتبطة بأغراض التعطيل على كل مستويات مؤسسات الدولة. وأخيراً بذل الرئيس سعد الحريري جهوداً لعقد جلسة لمجلس النواب ولو واحدة لإقرار المشاريع الملحة، على الرغم من كل الهجمات في كل الاتجاهات.
بعد 11 سنة على الاغتيال، ترى مصادر ديبلوماسية، أن المحكمة الخاصة بلبنان خطت خطوات متقدمة، بمعنى القضاء الدولي، ولو كان البعض يعتبر أن الفترة طويلة، إلا أن المحاكمات التي نشهدها تؤكد على مسار قضائي سليم للتوصل إلى نتائج تدل على المتهمين والمتورطين، والمحكمة هي المؤسسة القضائية ذات الصلاحية في إعلان المجرم الحقيقي والمشتركين والمتورطين والمخططين لارتكابها. المسار القضائي بات في منتصف الطريق، وسيأتي اليوم الذي ستُكشف فيه الحقائق كاملة من خلال عمل المحكمة الرصين والقضائي البحت، والصارم، والتدقيق العلمي والمنهجي. وفي الانتظار، ستصدر قرارات اتهامية جديدة حول المخططين والمحرّضين، ومن يُحاكم الآن هي المجموعة المنفّذة.
إن مسار “حزب الله” في عملية الامتناع عن تسليم المتهمين وعدم قبول التحقيق في القضية من أصلها، وعدم الذهاب إلى القضاء، يقيناً منه أنها ستصل إلى الحقيقة. وعندما وصلت إلى جزء منها، من خلال المتهمين الأربعة، جاء موقف الحزب ليقول إنهم “قدّيسون”. وهذا يؤكد صحّة أن الحزب منذ البداية هو ضد المحكمة، لسبب أنه يريد قضاءً مماثلاً لتعامل القضاء العسكري مع جرائم الوزير السابق ميشال سماحة.