كتب سركيس نعوم في صحيفة “النهار”: لا تزال “القوات اللبنانية” متمسكة بترشيح “حليفها” الجديد العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية رغم علاقته العضوية مع خصمها السياسي الأول “حزب الله”. ولا يزال “تيار المستقبل” متمسكاً بترشيح “صديقه” الجديد نائب زغرتا سليمان فرنجية رغم كونه فرداً من عائلة الأسد “وواحداً من حزب الله” على ما قال أمينه العام السيد حسن نصرالله في أحد لقاءاته الأخيرة معه. والصدمتان اللتان تلقاهما “التيار” و”القوات” وهما حليفان، بفشل كل منهما في توفير ظروف وصول مرشحه إلى قصر بعبدا، لم تدفعهما إلى إعادة النظر في خياريهما. ولا يزال كل منهما يعتقد أن المستقبل القريب أو المتوسط سيمكنه من تحقيق هدفه.
هل “التفاؤل الرئاسي” عند المُرشِّحيْن والمُرشَّحيْن في محله؟
المعلومات المتوافرة عند جهات سياسية لبنانية واسعة الاطلاع، على صلة بغالبية الأطراف المؤثرين في البلاد، تشير إلى أن الانتخابات الرئاسية في لبنان عادت إلى المربّع رقم واحد، وإلى أن الفراغ الرئاسي الذي بدأ يقارب الـ20 شهراً لم يؤثِّر على الوضع الداخلي ولا على استقراره الأمني والسياسي رغم هشاشتهما. وهو وضع يَحسُد اللبنانيين عليه أهل المنطقة وخصوصاً أهل دول الجوار الذين يعيش بعضهم حرباً شرسة متنوّعة الأهداف، والذين يخشى بعضهم الآخر الوقوع في الحروب. علماً أن هؤلاء، باستثناء سوريا طبعاً واليمن وحتى العراق، يحكمهم رؤساء أو ملوك أو أمراء أو شيوخ ولديهم حكومات بعضها منتج جداً وبعضها الآخر فاشل، وعندهم مجالس نيابية شكلية واستقرار سياسي وأمني تساهم في تعزيزه أجهزة المخابرات والأمن والمؤسسات العسكرية. وتشير المعلومات نفسها أيضاً إلى أن انتخاب رئيس اليوم للجمهورية اللبنانية لن يغيّر إلى الأحسن أوضاعها التعيسة فعلاً والمقبولة شكلاً بالمقارنة مع أوضاع الجوار. وربما يدفعها إلى الأسوأ وهو ما تحاول “شعوبها” تلافيه لأنها عاشت نيّفاً و15 سنة من الحروب، ولأن المجتمع الدولي بزعامة أميركا ينصح زعماءها وقادتها بعدم الانجرار إلى الحرب والفتنة لإنها إذا وقعت في أي منهما لن يبادر أحد إلى “لمّها”.
وتشير المعلومات نفسها ثالثاً إلى أن أوساطاً عدة في لبنان تعتقد أن حسم معركة حلب وربما جوارها، من قبل نظام الأسد بمساعدة عسكرية مباشرة روسية وإيرانية ولبنانية، سيدفع مجلس النواب اللبناني إلى انتخاب رئيس جديد بعد شغور طويل. لكن هذا الاعتقاد غير صحيح على الإطلاق. ذلك أن استعادة حلب لن تغيّر شيئاً في صورة جذرية أو بالأحرى لن تكون نهاية الحرب المفتوحة منذ سنوات. فضلاً عن أن الوضع النهائي للبنان يرتبط بصورة وثيقة بالوضع النهائي الذي سترسو عليه سوريا. أي هل سيستعيد الأسد ونظامه السلطة على كامل الجغرافيا السوريا؟ أو هل سيقتصر حكمه على “سوريا المفيدة”؟ أو هل تبقى سوريا المفيدة على حالها أم تتقلص؟ وماذا عن “السوريا أو السوريات” الأخرى؟ هل تكون “السوريا” السنّية “عيّيشه” من دون منفذ بحري ومن دون العاصمة دمشق ومن دون مدن كبرى؟ أو هل يتوصل السوريون بمساعدة دولية وعربية الى تسوية تقضي بإقامة نظام فيديرالي فيه ولايات “شبه مستقلة” للسنّة والأكراد والعلويين والمسيحيين وسائر الأقليات؟ أو هل يمكن تصوّر سوريا مقسَّمة؟ والأجوبة عن هذه الأسئلة وعن أخرى غيرها كثيرة يلزمها وقت طويل، ولا يمكن توقع حل للبنان قبل الحصول عليها.
طبعاً، تستدرك الجهات السياسية الواسعة الإطلاع إياها، لا يعني ذلك أن انتخاب رئيس جديد يجب أن ينتظر سنوات وسنوات. فهو يمكن أن يحصل فور بدء الإشارات والخطوات العملية للتفاهم على تسوية سورية ولبدء تطبيقها. لكن هل تعود الرئاسة إلى المرشحين عون وفرنجية؟ الجواب عند غالبية الأطراف اللبنانيين ومنهم من يؤيدهما هو أن الأول لن يتمكن من الحصول على تأييد رافضيه المحليين ورعاتهم الإقليميين، وأن الثاني أثار حفيظة حلفائه بأخطاء مؤذية. ولذلك فإن الرئيس – التسوية لا بد أن يتقدم الصفوف عندما تنضج الظروف. وهذا يعني استبعاد الأقطاب الموارنة الأربعة، وعودة الأسماء “التوافقية” التي كانت مطروحة وأخرى غيرها. علماً أن بعضها قد تبعده حاجته الى تعديل دستوري للوصول إلى قصر بعبدا. وفي كل الأحوال لا بد أن ينتبه اللبنانيون إلى أن على الرئيس الجديد، سواء كان نتيجة تسوية فعلية أو موقتة بين “شعوب” لبنان، أن يستعد للبحث في أجوبة عن أسئلة مهمة مثل: هل هناك حاجة إلى نائب لرئيس الجمهورية، وإلى تحديد “هوية” قائد المؤسسة العسكرية؟ وما هو القانون الجديد للانتخاب؟