كتب عماد مرمل في صحيفة “السفير”:
أغلب الظن، ان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع نادم على مشاركته الشخصية في احتفال «البيال» بذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري، بعدما كان مرجحا ان يتمثل بزوجته ستريدا جعجع.
بالتأكيد، لم يتوقع جعجع عندما اتخذ قراره بالحضور ان يخصه الرئيس سعد الحريري بمفاجأة غير سارة في أحد سطور خطابه، محملاً إياه تبعات الصراع الحاد بين المسيحيين على مدى أكثر من عقدين من الزمن، ومتعمدا «تقزيم» قرار حليفه الافتراضي بترشيح العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية ووضعه حصرا في سياق رد الفعل على ترشيح النائب سليمان فرنجية.
كان واضحا ان أنصار «القوات» بوغتوا بوعاء الماء البارد الذي تلقاه قائدهم قبل ان تجف القبل التي زرعها رئيس «تيار المستقبل» على خده. والارجح، ان توضيحات الحريري وزيارته ليلاً لمعراب لا تتعدى حدود تنظيف سطح الجرح الذي بات أعمق من ان يداويه «مرهم أزرق»، نتيجة إصابته المتكررة بالالتهاب السياسي.
والمفارقة ان الحريري لم يكتف بالرسالة اللفظية، بل مضى في إغاظة جعجع من خلال إحاطة أمين وسامي الجميل بفائض من التكريم والدلال، ملمحا بذلك الى ان ترتيب رئيس «القوات» يمكن ان يهبط في لحظة من مرتبة الحليف الاول، الى «الوصيف» في الساحة المسيحية.
لكن العارفين بجعجع، يؤكدون ان الرجل لا ينام على ضيم، وانه يجيد طهو أطباق «الانتقام البارد» والتي كان أحدثها طبق ترشيح عون وترسيخ المصالحة معه.
وعلى إيقاع تفاهم معراب، يواصل جعجع تثبيت قواعد المرحلة الجديدة التي انتقلت اليها العلاقة مع عون، ولعله أصبح أشد اقتناعا في هذه اللحظة بان تطوير تحالفه مع الجنرال بات ضروريا أكثر من أي وقت مضى، في مواجهة غدرات الزمن.
وفي سياق «تسييل» اتفاق معراب وإعلان النيات، التقى جعجع قبل أيام عددا من كوادر «القوات»، ضمن لقاء داخلي مغلق، أكد خلاله امام المحازبين ضرورة تفعيل المصالحة بين «القوات» و«التيار الوطني الحر»، وتوسيع مداها ومفعولها من القيادة الى القاعدة، مشددا على وجوب ترجمتها عمليا من خلال مد جسور التواصل مع كوادر التيار في البلدات والقرى التي تضم وجودا مشتركا للطرفين، ومشيرا الى ان المصالحة التي تمت ليست تكتيكية او ظرفية، ويجب الانطلاق منها لطي صفحة الماضي نهائيا.
أما على مستوى الاستحقاق الرئاسي، فان هناك من يعتبر ان خيارات عون ضاقت كثيرا بعد خطاب الحريري الذي أوحى بانه ليس واردا حتى إشعار آخر، ان تمر طريق الجنرال الى قصر بعبدا عبر بيت الوسط. ما يعني، وفق أوساط سياسية في «14 آذار»، ان الجنرال سيكون مضطرا الى استخدام «الخط العسكري» من خلال الضغط على «حزب الله» لاقناع الرئيس نبيه بري بانتخابه، بعدما أصبح هذا الخيار هو الأمل الاخير له.
وتعتبر الاوساط ان الايجابية الوحيدة التي يمكن لعون ان يستخرجها من خطاب الحريري تكمن في تأكيد رئيس «المستقبل» استعداده للنزول الى المجلس النيابي في كل الاحوال وخوض الانتخابات بطريقة ديموقراطية وصولا الى تهنئة من يفوز بالرئاسة أيا يكن، ما يوحي بان الحريري ألزم نفسه مسبقا وعلنا بعدم مقاطعة اي جلسة انتخابية، حتى لو كانت ستفضي الى انتخاب الجنرال.
وبهذا المعنى، فان أقصى ما يستطيع عون ان يأخذه «نظريا» من الحريري هو الحضور، لا أصوات كتلته، وإن يكن رئيس «المستقبل» يراهن ضمنا على متانة التقاطع الذي جمعه مع بري والنائب وليد جنبلاط حول خيار فرنجية، مفترضا ان الجنرال لن يستطيع في ظل الاصطفاف الحالي تأمين الاكثرية المطلوبة لفوزه في أي جلسة مكتملة النصاب.
وما يزيد اطمئنان الحريري ثبات فرنجية على ترشيحه، علما ان متحمسين لرئيس «تيار المردة» أكدوا بعد خطاب رئيس «المستقبل» ان فرنجية ليس بوارد الانسحاب من المعركة الرئاسية، وان أمرا واحدا فقط سيدفعه الى التراجع عن ترشيحه وهو امتناع بري والحريري عن الاستمرار في دعمه.
في المقابل، يبدو عون مطمئنا بدوره الى المسار العام الذي تسلكه التطورات الداخلية والاقليمية، وهو يعتقد ان خياره الاستراتيجي يجمع المكاسب التي لا بد من ان تتخذ عاجلا أم آجلا الشكل الرئاسي في لبنان.