كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
يفترض ان تنسحب «الأجواء الإيجابية»، التي تؤكّد أوساط «القوات اللبنانية» أنها سادت لقاء المصارحة بين الرئيس سعد الحريري وسمير جعجع في معراب، على قواعد الطرفين، حتّى لو بقيت الالتزامات الرئاسية المتناقضة على حالها.
اعتراف رئيس حزب «القوات» نفسه بالأوضاع «الخربانة» التي تلت «ملاحظة» الحريري القاسية بحق حليفه المسيحي، والتي تورّط فيها بعض مسؤولي «القوات» الحزبيين على مواقع التواصل الاجتماعي، يدلّل على حجم الضغط الذي مارسته معراب لاحقاً من أجل خفض سقف الاستنفار وإعادة الامور، أقلّه الى ما قبل «خطيئة البيال». أهمّ أدلّة الطمأنة جاءت عبر الترويج أن ما تفوّه به الحريري في إطار «التمريك» غير الديبلوماسي على جعجع مباشرة لم يرد حرفياً في النص المكتوب المعدّ سلفا بل أتى ضمن اجتهاد اللحظة.
انفرد جعجع علناً في المرحلة الماضية من دون غيره من قيادات «14 آذار» بدعوة الحريري بإلحاح للعودة الى لبنان، لكن ذلك أتى قبل إعلان الترشيحات من باريس ثم من معراب وتوتر الاجواء «عن بعد» بين الحليفين.
اليوم يقرّ القواتيون بأن التواصل عن قرب قد يسهم أكثر في ايضاح ما يجب ايضاحه والنقاش فيه والبناء عليه، ومن هذا المنطلق تحديدا أتت القراءة الايجابية لمضمون الخطاب نفسه بمعزل عن ارتدادات الخطأ الذي ارتكبه الحريري بحق جعجع في ذكرى 14 شباط، وبمنأى عن التوتّر الذي شاب العلاقة طوال الفترة الماضية، وبغضّ النظر عن الالتزام الواضح والثابت حتى اليوم بالمرشح فرنجية.
وفيما بدا لافتاً إعلان رئيس حزب «القوات» أثناء زيارة الرئيس الحريري له أنه لم يعُد لدى فريق «8 آذار» أيّ مبرّر، في حال كان يَعتبر عون مرشّحه الأوّل، ولو أنّ سعد الحريري لا يريد التصويت له، من حجّة للتغيُّب عن الجلسة، فإن أوساط «القوات» لا تربط هذا الكلام بتوقيت معين أو بتاثير مباشر من الحريري على جعجع، مؤكّدة «ان هذا الكلام كرّرناه في السابق لكنه خفت قليلا خلال مرحلة التفاهم مع ميشال عون في الفترة الماضية، وهذه قناعاتنا من الاساس، وبالتالي لا حجّة فعلا اليوم لدى هذا الفريق، وتحديداً حزب الله وعون في التغيّب عن الجلسات».
ولا تصنّف معراب «النزول» الى مجلس النواب، بعد إعلان جعجع تأييد ترشيح عون للرئاسة، ضمن إطار التفاهمات المسبقة مع الرابية، لأن المشاركة في الجلسات هي من البديهيات الدستورية في قاموس جعجع والتي لا تخضع للأخذ والردّ، مسلّمة بأنه «ليس اصلاً من طموح العونيين منعنا من النزول الى مجلس النواب للمشاركة في جلسات الانتخاب حتّى لو كان النصاب مفقوداً سلفاً».
لكن «القوات» لا توافق الحريري على الرواية التي سَرَدها حول التوافق على حصر الترشيحات في بكركي بالقادة الموارنة الاربعة، «فهذا الامر لم يحصل، بل توافقوا على أنهم الاقوى وتعاهدوا على ان من يصل منهم الى الرئاسة يتمّ دعمه والتعاون معه من قبل الآخرين. حصر الترشيحات هو خطأ شائع لدى بعض القوى السياسية من بينها الرئيس الحريري».
وفي هذا السياق تقول الأوساط القواتية إنه «بعد الجلسة الاولى لانتخاب رئيس الجمهورية في نيسان في العام 2014 وتطيير النصاب في الدورة الثانية، أعلن جعجع بشكل صريح أنه جاهز للتفاهم مع ميشال عون على مرشح ثالث يرضي الطرفين لكن الأخير بقي متمسّكا بموقفه. اليوم، وأمام المأزق الرئاسي، في حال طرح الحريري مرشّحاً آخر يلقى تجاوباً من قبل الأفرقاء السياسيين لا مانع لدينا من السير بهذا الاقتراح».
ربما هذا الواقع ما قاد بعض المسؤولين القواتيين الى قراءة خطاب الحريري بـ «المقلوب» للوصول الى لبّ الموضوع، فقول رئيس «تيار المستقبل» إن استنفاد الترشيحات المتوافق عليها كافة في بكركي قاده الى تبنّي خيار فرنجية، لا يعني حقيقة سوى إمكانية قول الحريري لاحقاً إن الترشيحات الاربعة (بعد سقوط خيار فرنجية) قد اصبحت فاقدة الصلاحية وما علينا سوى السير بخيار من خارج «نادي القادة الاقوياء»، أي المرشح التوافقي.
لكن معراب التي تؤكّد ان عودة الرئيس الحريري حرّكت الركود الذي ساد بعد فورة الترشيحات المتبادلة، لا ترى أن الاقامة الطويلة للحريري في لبنان قد تؤدي الى تغيير الستاتيكو القائم في حال أصرّ «المستقبل»، ومعه «القوات» وباقي المكوّنات السياسية، في الدعوة الى الاحتكام الى مجلس النواب في مقابل إصرار «حزب الله» وعون على المقاطعة «فعندها لن يكون هناك جلسة قريبة لانتخاب رئيس للجمهورية».
يبقى السؤال عن قدرات الحريري الفعلية في الضغط على «حزب الله»، كما قال، للمشاركة في جلسة الانتخاب في وقت لا يعترف فيه الأخير بمفهوم الضغط على حلفائه اصلاً!
وأمام ارتسام مشهد واضح المعالم قوامه مثلث الرئيس نبيه بري، وليد جنبلاط والرئيس الحريري الداعي لجلسة «يربح فيها من يربح» من بين المرشّحين الثلاثة، تحمّل «القوات» هذه المرة المسؤولية لرئيس المجلس «المعني الاول بتأمين النصاب، بإقناع من يقاطعون بضرورة الحضور الى مجلس النواب والمشاركة في انتخاب رئيس الجمهورية، لأن الضرر لم يعد يقتصر على شلل أو قلّة انتاجية المؤسسات الدستورية، بل هناك بشائر أزمة اقتصادية كبيرة وخطيرة في المدى المنظور».