سلوى بعلبكي
أثار التحقيق الذي نشرته “النهار” أول من أمس عن الوكالات الحصرية والدعوات الى إلغاء حماية الدولة عنها وتحرير الاستيراد، ردوداً من اصحاب هذه الوكالات على اعتبار أن السير في هذا الاتجاه سيدخل البلاد في مشكلات عدة، اهمها التزوير وتقليد الماركات في ظل غياب مؤسسات تقنية تضمن مراقبة الجودة.
يجمع العديد من التجار واصحاب الوكالات الحصرية على ان الحصرية لا تعني الاحتكار، وتاليا لا تسبب في ارتفاع الاسعار. فـ”الحصرية مرتبطة بماركة لا بسلعة، ولأن للسلعة الواحدة مئات من الماركات المتنافسة، بنوعيات مختلفة ومستويات اسعار لجميع الميزانيات، فيما المنافسة ليست حرّة فحسب بل شرِسة”. وكان لافتاً ان هؤلاء تلقفوا الموقف الذي أطلقه وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم عبر “النهار”، بأن المحتكر هو من يتحكم بالاسعار، معتبرين أنه أنصفهم أمام الكمّ الهائل من الانتقادات ضدهم. فهذه المقاربة الاقتصادية كانت مبرراً لرئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس ليدافع عن التجار بالقول “ان التجار لا يتحكمون بالاسعار بل الاسعار هي التي تتحكم بهم”. فعوامل الاحتكار برأيه غير متوافرة في المواد الاساسية في لبنان، فيما القول ان الاسعار لن تتراجع توازياًَ مع انخفاض سعر المحروقات قول خاطئ. ويستند الى تقارير ادارة الاحصاء المركزي التي تشير الى تراجع مؤشر الغذاء بشكل مطرد منذ أواخر 2014، مع الاشارة الى ان هذا التراجع بلغ %4 سنة 2015. وهذه النسبة تعتبر كبيرة قياساً بالتراجع الذي سجلته دول اخرى، فلم تتجاوز النسب في الخارج نصف أو واحد في المئة.
وبالعودة الى الوكالات الحصرية، يثني شماس على قول وزير الاقتصاد “أن المنافسة يجب أن تلعب دورها داخل القطاع (Intrasector) وليس ضمن الماركة الواحدة (Intra brand)”، ويؤكد ان للوكيل “دوراً في المحافظة على جودة السلعة والسلامة العامة وخدمة ما بعد البيع فضلاً عن أن مستورد واحد بكميات أكبر يحصل على حسومات أعلى مما تحصل عليها مجموعة من المستوردين لكميات محدودة، وهذا ما يعرف بـ”وفورات الحجم”. في مطلق الاحوال وبسبب الركود الاقتصادي المستحكم منذ اعوام، خرجت القدرة التسعيرية (Pricing power) من يد التجار بدليل الحسومات التي تطبق في مختلف القطاعات التجارية.
ليس سهلاً أن يحصل الوكلاء على وكالة حصرية، فالمصانع الرائدة تضع شروطاً قاسية عليهم، ومعظمها يأتي في مصلحة المستهلك. ووفق ما يؤكد بعض أصحاب الوكالات التجارية “ان يكون لدى الوكيل محل تجاري ومستودع لتأمين الاستيراد باستمرار، وان يشتري قطع التبديل الاصلية وبنسبة مئوية من استيراده، وان يتعهد توزيع الماركة في كل المناطق ضمن وكالته، وان يوفر الصيانة المجانية والخدمة في عقد البيع لمدة تراوح بين 3 الى 10 سنوات، وان ينفق مبالغ طائلة على التسويق والدعاية لترويج الماركة.
وفي هذا الاطار، يؤكد النقيب الفخري لجمعية مستوردي السيارات سمير حمصي أهمية الوكالات الحصرية للسيارات، للمحافظة على سلامة المستهلك من الاستيراد العشوائي الذي يقوم به مستوردو السيارات غير الوكلاء الحصريين لمصانع السيارات. فأصحاب وكالات السيارات يتابعون اي عيب أو عطل يمكن ان يحصل للسيارة من الشركة الام “recall campaign”، وهذا لن يحصل مع التجار العاديين، علما أن مصانع السيارات العالمية تلزم الوكلاء تدريب تقنييهم على تصليح السيارات وأن تتوافر لديهم عدّة الكترونية لكل طراز سيارة. وإذ يؤكد أن المنشأ يتابع الوكيل ويراقب حسن معاملته مع زبائنه، يدحض “الادعاءات” بأن اصحاب الوكالات يتحكمون بالاسعار، بدليل أن فواتير المنشأ التي تقدمها الشركات المستوردة واضحة لدى مصلحة الجمارك ومصلحة تسجيل السيارات، لافتاً الى أن نسب الارباح التي يتقاضاها مستوردو السيارات هي التي يحددها القانون.
وفيما تجمع الآراء على أهمية قرار الغاء الوكالات الحصرية على الادوية والمواد الغذائية، يؤكد نقيب مستوردي الأدوية أرمان فارس أن الدولة لا تعطي الحماية للتمثيل التجاري الحصري في قطاع الأدوية والأغذية مع أنها تحبّذ وجود تلك الحصرية، لما فيها من حصر للمسؤوليات وضمان للجودة والمساءلة. وبخلاف ما يعتقده البعض، يوضح فارس أن منظمة التجارة الدولية لا تفرض على أعضائها أي شرط يتعلّق برفع الحماية عن الوكالات الحصرية، بدليل استمرار اكثر من بلد عربي، بعد انضمامه الى المنظمة، باعتماد نظام حماية الدولة للتمثيل التجاري الحصري.
وبرأيه، انه لولا المنافع الاقتصادية والاجتماعية (حماية المستهلك) الكبيرة، لما استمر نظام حماية التمثيل التجاري الحصري في لبنان، لا سيما للاسباب الآتية:
– المحافظة على نوعية السلع والبضائع ومطابقتها للشروط والمواصفات المرعية الإجراء.
– حماية المستهلك من المستوردين الطفيليين (Parasites) العابرين وغير المحترفين الذين قد يروّجون بضاعة غير مكفولة أو غير محدّدة المصدر أو لا تتوافر لها قطع الغيار.
– تحديد المسؤولية الملقاة على عاتق المستورد في حال ظهرت عيوب في البضاعة المستوردة، أو تبيّن أنها غير مطابقة للمواصفات المرعية الإجراء (Traceability)، مع واجب تصليح أو استرجاع أي بضاعة من الأسواق (Product Recall) و/ أو باستبدالها والتعويض عنها وفقاً للأصول التجارية العالمية المألوفة ولقانون حماية المستهلك.
– تركيب وتوفير خدمات ما بعد البيع (After Sales Service) من صيانة وتصليح وقطع الغيار للسيارات والأدوات المنزلية والتجهيزات على اختلافها.
– تشجيع استثمارات القطاع التجاري على المدى الطويل وحماية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في مقابل “جبابرة” أصحاب العلامات الفارقة العالمية.
من هنا، يدعو فارس الوزارات المعنية والهيئات الاقتصادية والمجتمع المدني والاختصاصيين الى عدم تضييع الوقت في مناحرات غير مجدية والبحث بجدية عن وسائل واقعية وفاعلة لتعزيز الاقتصاد ودفع عجلة النمو لدى القطاع الخاص حيث تكمن الثروة الوطنية الحقيقية والقدرة على توفير فرص عمل مجدية، لا سيما أن القطاع العام يعيش في ظل شلل رهيب يعجز من جرّائه عن انجاز اي اصلاح مالي او اقتصادي او اجتماعي.
وأخيراً، ثمة اجماع على ان الارتجال في الغاء الوكالات الحصرية لن يؤدي مطلقاً الى خفض الاسعار، ولا الى استعادة لبنان عصره الذهبي كمركز تسويقي في المنطقة، لأن الازمة الخانقة مرتبطة حصراً بالاهدار المخيف في مرافق الدولة.