IMLebanon

محمصاني: الجهل والخوف من الشفافية أضعفا أسواق المال

ghalebmahmasani

عزة الحاج حسن

لا تلقى ثقافة الأسواق المالية والبورصات وتداولات الأسهم الإهتمام الكافي في المجتمع اللبناني، سواء بين المثقفين أو غير المثقفين، ولا الإقبال من قبل القيّمين على الشركات والمؤسسات عموماً، فلا تختلف كثيراً نظرة العموم من جهة، عن غالبية رجال الأعمال وأصحاب الشركات اللبنانية لاسيما العائلية منها، من جهة أخرى، إذ يتفق الطرفان على أن التداول في البورصة أمر معقّد ويستلزم الكثير من الشروط والمعايير، وتجمعهم ثقافة المصارف لجهة التعامل والإقتراض.

استمرار القطيعة بين مجتمع الأعمال وعموم المواطنين من ناحية، وبين الثقافة المالية وثقافة التداول والأسهم من ناحية ثانية، جعل من السوق المالية (البورصة) سوقاً رجعية وضعيفة، ليضاف هذا الواقع الى الأوضاع الأمنية والسياسية المتردية التي بدورها تكاد تقضي نهائياً على نشاط البورصة.
رئيس بورصة بيروت بالإنابة غالب محمصاني، في لقائه مع “المدن”، قيّم أداء بورصة بيروت وبحث في الأسباب الحقيقية وراء ضعفها. وفي ما يلي نص الحوار:

* كيف تقيّمون أداء بورصة بيروت حالياً؟

البورصة جزء من الحياة الإقتصادية ولا يمكن فصلهما عن بعضهما، وهي كسائر القطاعات تتأثر بالوضع الأمني العام الذي يتأثر بالوضع السياسي، فبورصة بيروت من أقدم البورصات في العالم العربي لكنّها شلّت خلال سنوات الحرب ثم عادت الى العمل بعد الحرب وفي مرحلة اعادة الإعمار، وكان نشاطها مقبولاً نسبة الى حجم بلد كلبنان. وفي العام 2008 بدأت تتأثر بالأزمة المالية العالمية إذ اضطر المستثمرون العرب الى التخفيف من نشاطهم في لبنان، وبدأوا ينسحبون من التداول في البورصة، وتزامن ذلك مع الشلل السياسي الذي حال دون تأليف حكومات بشكل سريع، ناهيك عن أن الحكومات بعد تشكيلها تبقى مشلولة لأسباب سياسية، كل هذه الأجواء من شأنها أن تشل نشاط البورصة وتداولاتها كافة.
والحال اليوم لا تختلف كثيراً عن السنوات السابقة، فالفراغ الرئاسي وشبه الشلل في مجلسي النواب والوزراء، كبحا حركة التداول وأضعفا قطاع الإستثمار نتيجة ضعف الثقة بلبنان.

* إذا كانت الأوضاع الأمنية والسياسية وراء ضعف التداول في البورصة، ماذا عن اقتصار الإدراج على عدد محدود جداً من الشركات؟

إن السبب الرئيسي لعدم نمو البورصة وأسواق الاسهم عموماً، إذا استثنينا الأوضاع الأمنية والسياسية، هو غياب ثقافة التداول لدى اللبنانيين، وجهلهم التام لأسواق المال.
بين عامي 2008 و2009 أجرت شركة فرنسية بالتعاون مع وزارة المال اللبنانية بحثاً حول بورصة بيروت واسباب ضعفها ووسائل تنشيطها ووضعت تقريرها. ومفاد التقرير أن الاسواق المالية تعاني فقدان ثقافة الجمهور في مقابل تنامي ثقافة المصارف التي تملك سيولة كبيرة وتعمل على توظيفها عبر تشجيع الاقراض، وهذا ما يُبعد الافراد والشركات عن السوق المالية، والسبب الأكثر خطورة هو ان اقتراض الشركات من المصارف يكون سهلاً في مقابل تعدد الشروط المطلوب تأمينها في حال ادراج الشركة اسهمها في البورصة، وهذا يطرح تساؤلاً حول مدى استعداد الشركات لاسيما العائلية الى تقديم وثائق ومستندات وتلبية شروط التداول في البورصة والتزامها معايير الشفافية.

* اذاً، المصارف اللبنانية ستكون من المتضررين في حال انفتاح البورصة للعموم؟

نعم لا شك أن المصارف اللبنانية تفضل ان تبقي على كثافة الاقراض ولا تحبّذ توسع البورصة، رغم أنها لم تعارض توسع بورصة بيروت وانفتاحها للعموم، ولكن توسع البورصة وخصخصتها لا يكفي إذ بات من الضرورة العمل على تنمية ثقافة التداول وثقافة اسواق المال، وهنا تقع المسؤولية على الجميع من المصرف المركزي الى الغرف التجارية الى الجمعيات وغيرها.
ورغم ان التداول في البورصة يمنح اطاراً اوسع للشركات الصغيرة للتوسع، كما ويمنح التمويل للعازمين على إقامة مشاريع بدل الاقتراض من المصارف، ويمكن ان يزيد ارباح المؤسسات والاشخاص، إلا أن اللبنانيين مازالوا يتمسكون بالشركات العائلية التي تتجنب إدخال اي شركاء أو مساهمين فيها خوفاً من المساءلة وتحاشياً لإجراءات الشفافية التي يعتبرونها “معقدة”، ويلجأون بالتالي الى المصارف للاقتراض وتوسيع أعمالهم.

* ماذا ستقدم الخصخصة للبورصة؟

إن خصخصة البورصة تعطي دفعاً كبيرا لثقة المستثمر، فبالاضافة الى تعزيز حركة التداول والبيع والشراء يصبح بإمكان الشركات ادراج منتجات مالية عدة (اصدارات، سندات، شهادات إيداع، منتجات شركات، وأسهم وغيرها) وهو ما لا يحصل اليوم، كما أن عملية الادراج والتداول تفتح آفاق التمويل للشركات بدلاً من اللجوء الى الاقتراض ولكن مع الاسف اللبناني لا يملك ثقافة التداول والمنافع الناجمة عن الدخول الى اسواق الاسهم.

* لماذا لم يُبت أمر الخصخصة حتى اللحظة؟

موضوع الخصخصة ليس مشروع حل لضعف البورصة فحسب، بل هو إجراء منصوص عنه في قانون الأسواق المالية التي تأسست عام 2011 على اساس أن تحوّل بعد عام بورصة بيروت من مؤسسة عامة تابعة لوزارة المالية، الى شركة مساهمة مملوكة من الدولة كمرحلة اولية، وخلال العام الثاني تتم خصخصتها وبيعها الى القطاع الخاص، وتستلزم هذه العملية قراراً من مجلس الوزراء، ليشكل الهيئة التأسيسية للشركة المساهمة وهي عبارة عن تسمية 3 اشخاص فقط، وهو أمر شكلي كي تباشر عملية الخصخصة وهذا ما لم يحصل حتى اللحظة رغم كل المساعي، واعتقد أن غياب النية والقرار السياسي يعرقل خصخصة البورصة والسبب في ذلك عدم اهتمام السياسيين بها وعدم اعارتهم اي اهتمام للأسواق المالية.

* ألا ترون أنه من المجحف بدء البحث بتأسيس منصة الكترونية قبل خصخصة بورصة بيروت؟

لا بد من تحريك الأسواق المالية وإشراك الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وفتح المجال لتمويل افكار المشاريع والمشاريع المبتدئة، وهذا ما لا يمكن تنفيذه عبر بورصة بيروت اليوم لانها مازالت مؤسسة عامة وتختلف بأهدافها عن المنصة المنوي تأسيسها، كما أن هناك شروطاً قاسية تجعل من ادراج شركات جديدة في البورصة امراً صعباً، لاسيما الشركات الجديدة، بينما في المنصة يمكن ان تدرج فوراً.