كتبت لينا فخر الدين في صحيفة “السفير”:
هو إنجاز جديد تضيفه المديريّة العامّة للأمن العام إلى إنجازاتها. هذه المرّة، لم يكن الإرهابي الجديد الذي سقط في كمينها شخصاً يبايع تنظيماً إرهابياً أو مكلّفاً بتنفيذ عمليّة أمنيّة في الدّاخل اللبنانيّ، وإنّما فقد استطاع الأمن العام إسقاط خليّة بأكملها مؤلّفة من خمسة سوريين هم: (هـ.م)، (م.م)، (ا.س)، (ر.م) و(م.ع).
والأهمّ من ذلك، أنّ رأس الخليّة هو أحد قياديي «جبهة النّصرة» ومسؤولها الشرعي في منطقة عرسال، ولهذا فإن اعترافاته أكثر من مهمّة، لا سيّما لتنقّله في أكثر من مهمّة قياديّة ومشاركته في عمليّات تصفية استهدفت عسكريين ومدنيين سوريين. ابن القصير شارك أيضاً في معركة عرسال واقتحم مع مجموعته العسكريّة عدداً من الحواجز العسكريّة اللبنانيّة… وكان واحداً من أهمّ الشهود على عمليّة خطف العسكريين اللبنانيين ثم إعدام اثنين منهم.
وتعدّ اعترافاته خزاناً من الأسرار، وأهمّها إزاحة السّتار عن قرارٍ لدى “النّصرة” بالعودة إلى استهداف السّاحة اللبنانيّة بعد أكثر من عامين على غيابها إثر تنفيذ آخر عمليّة في 21 كانون الثاني 2014 برعاية الإرهابي الموقوف نعيم عباس، حينما قاد الانتحاري السوري الملقّب بـ “أبو حسن” السيارة المفخّخة من نوع “كيا سبورتاج” إلى “الشارع العريض” في حارة حريك وفشل عملية استهداف الانتحاري “أبو سيف” قناة “المنار” (في بئر حسن) ليفجّر نفسه بحافلة نقل للركاب في الشويفات بتاريخ 3 شباط 2014.
ظنّ البعض أنّ “النّصرة” تركت “الساحة” لتنظيم “داعش”، إلا أنّ إفادة (هـ. م.) الملقّب بـ “أبو البراء” قلبت المقاييس. إذ إنّ ابن الـ26 عاماً الذي يحمل بيانات مزوّرة باسم آخر بايع أمير “النصرة” في القلمون أبو مالك التلي في حزيران 2014 بعدما ترك مسؤوليته الشرعية في “كتائب أحفاد الرسول” بسبب خلاف مالي مع قائدها “أبو خالد”، يؤكّد أنّ “النصرة” وتحديداً المسؤول الأمني فيها الملقّب بـ “أبو عبد الرّحمن” أبلغ المعنيين بالقرار المتّخذ: سيارتان مفخختان يقودهما انتحاريان ستتجهان إلى لبنان.
وعلى هذه الأساس، بدأت التحضيرات لتفخيخ السيارتين في شهر أيلول 2015. فتمّ اختيارهما من نوع “كيا” الأولى بيضاء اللون تمّ تغيير لونها الأساسي ليصبح كحليا قاتما بهدف تفجيرها في مركز الأمن العام في سرايا طرابلس، والثانية سوداء اللون لاستخدامها في استهداف تجمّع سكاني في الضاحية الجنوبيّة لبيروت بهدف إيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر في صفوف المدنيين.
وسرعان ما تمّ نقل السيارتين إلى داخل مخيّم “أحنف الحوراني” الكائن في محلّة “البابين” في جرود عرسال، حيث قام “أبو البراء” ومعه السوريون “أبو الوليد” و “أبو إسلام” و “أبو ساجد” بتصنيع المواد المتفجّرة التي وضعت في قالب خشبي ليصار لاحقاً إلى تثبيتها تحت المقاعد الخلفيّة للسيارتين.
أما مهمّة التوصيل، فكانت موكلة إلى واحد من أهم المفخخين اللبنانيين وهو محمّد الحجيري الملقّب بـ “كهروب” (أوقفته مخابرات الجيش في تشرين الثاني الماضي)، الذي عمل فعلاً على توصيل المتفجّرات بالكهرباء وبمفتاح التّفجير.
وهكذا، تمّ تجهيز الـ “كيا ريو” الأولى بـ8 كلغ من المواد المفجّرة بالإضافة إلى نصف كيلو من بودرة الألمنيوم على شكل حبيبات سوداء اللون وزيت سيارات لون أخضر ومواد أخرى، تمّ وضعها تحت المقعد الخلفي للسيارة وإيصالها بمفتاح أسود (on – off) بالقرب من المقود.
وتمّ تجهيز السيارة الثانية بـ20 كلغ من المتفجّرات وإضافة المواد نفسها تقريباً.
وكان من المفترض أن يتولّى سوريان وامرأة لبنانيّة نقل السيارتين من عرسال إلى محلّة دوار الصيّاد في الحازمية ـ طريق الشّام حتى يتسلمها هناك عناصر تابعة لـ “النصرة” ونقلها مع الانتحاريين الاثنين إلى طرابلس والضاحية الجنوبيّة، إلا أن الأمر لم ينجح بسبب الإجراءات التي تضربها الأجهزة الأمنيّة في محيط عرسال.
ومع ذلك، فإنّ “النّصرة” كانت تحاول حتى تاريخه إيجاد ولو ثغرة يمكن الاستفادة منها لنقل السيارتين وتنفيذ مخططها.
وإذا كانت اعترافات الخليّة بشأن السيارتين المفخختين تعدّ من أخطر الإفادات، إلا أنّ ذلك لا يقلّل من أهميّة إفادة رئيس الخليّة “أبو البراء” الذي صادق على الفتوى الشرعيّة بإعدام الجنديين محمد حمية وعلي البزال وتصويره لعملية إعدام الجندي حمية التي نفذها الموقوف السوري علي اللقيس الملقّب بـ “أبو عائشة الشرعي” (أوقفته مخابرات الجيش في تشرين الثاني 2015).
وكان “أبو البراء” من المشاركين الأساسيين في الاجتماع الذي عقد في مسجد عرسال بمشاركة إمامه مصطفى الحجيري “أبو طاقية” إثر توقيف السوري عماد جمعة. حينها، تلقّى الرّجل أمراً من “أبو الوليد” مرسلاً من أبي مالك التلي بضرورة المشاركة في الاجتماع إلى جانب القياديين في “النصرة” (بينهم التلي) و “داعش” و “الجيش السوري الحرّ”.
طرح التلّي فكرة تنفيذ عمليّة عسكريّة على حاجز وادي الحصن حصراً كون عناصره هم من اعتقلوا جمعة بهدف أسر عسكريين لبنانيين ليتمّ التفاوض على مبادلتهم مع جمعة، فوافق “أبو طاقية” على ذلك، إلا أنّ مسؤولي “داعش” أصرّوا على الهجوم على كل المراكز العسكريّة.
ولأنه كان لرأي “داعش” الأرجحية، شاركت “النّصرة” عبر مجموعتين مسلحتين (الأولى بقيادة أبو البراء والثانية برئاسة الإيراني أبو عبدالله الأهوازي)، بالإضافة إلى مجموعات للتغطية عبر إطلاق النّار باقتحام حاجز وادي الحصن وحاجز رأس السرج، حيث تمّ خطف 10 عسكريين فيما قتل الأهوازي وشقيق زوجته مهنّد الفاضل.
وبعد ساعات قليلة، نقل أسرى الجيش إلى الرحبة قرب مدينة الملاهي ليتمّ وضعهم في غرفة منفردة قبل نقلهم إلى جرود عرسال، حيث احتجزوا في مغارة هي أشبه بسجن لـ “النصرة”. وهناك قام “أبو البراء” ومعه “أبو عائشة الشرعي” و”أبو مسلم التونسي” والشيخ أحمد الملقّب بـ “الكويتي” بإعطاء دروسٍ دينيّة للعسكريين عن التوحيد والعقيدة والقرآن.
لم تمس “النّصرة” بداية بحياة العسكريين باحثةً عن أي عمليّة قد تضغط على الحكومة اللبنانيّة لتنفيذ مطالبها بشأن العسكريين. ولذلك، دعا أبو مالك التلي في آب 2014 إلى اجتماع للهيئة الشرعيّة داخل مقرّها في منطقة وادي الخيل للتّشاور واتخاذ القرارات بهذا الشأن.
كان القرار جازماً: حكم الإعدام بعسكريين باقتراح تقدم به “أبو عائشة الشرعي” ثم صدّقت الهيئة الشرعيّة (بمشاركة أبو البراء) على الفتوى الشرعية بإعدام عسكريين شيعة ليقع الاختيار على محمّد حميّة وعلي البزّال.
وبدم بارد، اقترح “أبو عائشة” الأمر ثم نفّذه عندما أمسك مسدساً حربياً وأطلق رصاصة واحدة على رأس حميّة كانت كفيلةً بأن يرديه شهيداً. أمّا المفارقة فكانت أن عناصر التنظيم الإرهابي لم يكلّفوا أنفسهم عناء حفر حفرةٍ في الأرض لدفنه، وإنّما حميّة هو من حفرها بنفسه قبل قتله! ولم تسرّب «النصرة» فيديو الإعدام إلّا بعد مرور شهر على تنفيذ حكم الإعدام.
وكانت عمليّة قتل البزال مشابهة لعمليّة إعدام علي البزال التي نفّذها القيادي العسكريّ في “النصرة” الملقّب بـ “أبو محمّد الأنصاري”.
واعترف “أبو البراء” أنّه شارك أيضاً مع أعضاء الهيئة الشرعيّة بإصدار عدد من الفتاوى الشرعيّة التي قضت بإرسال سيارات مفخّخة وانتحاريين إلى جرود فليطا وجرود رأس المعرة، واللافت للانتباه أن معظم هذه السيارات، بحسب إفادة “أبو البراء”، تمّ تفخيخها في عرسال!