كتب رولان خاطر
“هي ليست مسألة شخصية، بل مجرد أعمال”. إذا كانت هذه حال الجرائم الكبرى أو المجرمين الكبار في التاريخ، أكانوا سياسيين أو عسكريين أو رجال مال وسلطة… فإنّ جرائم أخرى تبدو احياناً غير مبرّرة لا في الزمان ولا في المكان، تُرتكب تحت كنف “الدولة المهترئة”، دولة وطن اسمه لبنان.
في 6 تشرين الأول 2009، دخلت مجموعة من “الزعران” إلى عين الرمانة، فقتلت شاباً في ربيع العمر على قارعة الطريق تحت منزله، بطعنات سكاكين خطفت حياته إلى اللانهاية.
في 16 شباط 2016، طُعن مارسيلينو زاماطا على قارعة الطريق في الأشرفية، بسكاكين “زعران” خطفت الحياة عنوة من ابن الـ27 عاماً.
والده بكى حتى الدم، شقيقته احترقت حزناً ووجعاً، والدته هيأت له أحضانها من جديد، لتمنحه دفئاً وحباً وحناناً ودموعاً حرم منها الشاب الطموح، وغابت عن الوالدة منذ 24 عاماً.
لكن هذا كلّه، لا يعكس إلا مرارة، مِن أمنٍ لا يُؤتمن، ومن حُكم لا يُحتكم. يعكس طمأنينة غائبة، وثقة مفقودة، بكل جهاز أمني أو عسكري او سياسي وحتى قضائي. فالعدالة في لبنان تتحقق فقط بين سطور القوانين وكتب التشريعات، أمّا على الأرض، فمجرمون “فالتون” و”متفلّتون”. ألم تجعل المحكمة العسكرية من الفاتح رحيما، ومن المستبد ميشال سماحة بطلاً؟.
مارسيلينو زاماطا قتلته يد “الزعران”. فالفلسطيني احمد سعد لم يطعنه من أجل “العودة”، ومن أجل حدود فلسطين، ومن اجل القضية الفلسطينية. واللبناني حسن فقيه، لم يعتد عليه، بسبب مشروع “حزب الله” في لبنان وسوريا والدول العربية، أو لأنه ممّن يرسلون العبوات المتفجرة إلى الضاحية. هما قتلاه لأنهما من بيئة متفلّتة أخلاقياً، وتربوياً، وعقائدياً، وسياسياً.
قتلاه، ليشبعا غريزة الحياة عندهم القائمة على مشاهد الدماء، وعلى شرب الدماء.
قتلاه، لأنهما يستخفّان يهيبة الدولة، ويحتقران أجهزة الدولة، ويصادران قرار الدولة، ويكفران بربّ أرباب هذه الدولة.
أول الكلام، يوجّه إلى الدولة لتتحمّل مسؤولياتها. الوالد توعد المجرمين إن تخاذلت الدولة. لكنّ السؤال المهم هنا:
هل أنّ دولة حدودها مسيّبة للقتلة، مؤسساتها مهترئة، قرارها مصادر، أجهزتها الأمنية متقاعسة، ساستها ثعالب، وأركانها مقسّمون إلى اجزاء وكل جزء يحسب نفسه أمّة، ستحقق العدالة لمارسيلينو ولأبنائنا؟
هل أنّ دولة حكامها مشعوذون، حكماؤها خرس، قيادييوها متخاذلون، أناسها مطبّلون، ستضيء مشعال العدالة في قضية مارسيلينو؟
نعم، هذه الدولة هي فتحت “شهية” المجرمين على القتل، والقتلة على سفك الدماء، والدماء أن تسيل أنهاراً في الساحات وفي الطرقات، لغياب المساءلة والملاحقة والعقاب. ولانحناء العدالة امام أقواس السياسة.
كنا نعتبر أن هذه التجاوزات وهذه الجرائم لن نراها إلاّ في أفلام هوليوود، لكنّ دولتنا حوّلت كل ساحات لبنان إلى مسرح جرائم، والإنسان في لبنان إلى ضحية يكتب بدمه حكايات وطن يهجره الإيمان، وجمهورية شرّعت فيها القوى الخارجة عن الشرعية سياسة الغاب، وسياسة القوي.
سمعنا بالأمس القريب، ونسمع عند كل جريمة تطال دماء أبرياء، مطالبات بعودة قوى “الأمر الواقع” لتحكم، بسبب فقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها.
من هنا، الدعوة، لكلّ المسؤولين، والقيّمين على مقدّرات هذا الوطن، أنتم من اوكل إليكم أن تحلّوا مشكلة الوطن، فلا تكونوا سبب المشكلة.
لا تسمحوا بأن تتراكم قضايا الغبن والظلم بحق الأبرياء، في أيّ منطقة من لبنان، أكان في بشامون، أو في جبيل والبترون، أو في الضاحية أو في زحلة وعين الرمانة والأشرفية.
لا تجعلوا من وطننا مسلسل رعب نعيش أحداثه كل ليلة، وننتظر تطوراته كل مساء.
لا توقظوا مشاعر “الأمن الذاتي” لدى شبابنا. ولا تدفعوا إلى خلق “عرّاب” (نسبة إلى فيلم العرّاب) في هذا الحيّ وفي تلك المنطقة.
إضبطوا ساعة الأمن والعدل على توقيت الدولة وليس على عقارب الدويلة. إضربوا بيد من حديد، فالأمن هو أساس الثقة والالتزام بمشيئة الدولة.
فإذا استمرت الأمور هكذا، نحن نطالب بإطلاق سراح هذا “السعد” وذلك “الفقيه”. نعم أطلقوا سراحهما، لكي نأخذ “تارنا” بيدنا، ونحقّق العدالة بيدنا. ونعلّق لهم المشانق بيدنا.
“لا تجربوا أهلنا، ولا تستفزوا شبابنا”. هم لا يريدون العودة إلى الماضي، ولا إلى الأمن الذاتي، ولا إلى السلاح. لكنهم لن يقبلوا بحكم يتلاشى ويتفرجون، وبعدالة تنحني ويسكتون، وبدولة تسقط ويتفرّجون. سيكونون كما دائماً، نواطير ساهرة على الجمهورية، وعلى وطن اسمه لبنان.