Site icon IMLebanon

“الفابيت” وليس “غوغل” من سيبقى ويتمدد

googlealphabet

حسن يحي

لا يُمكن انكار حجم التطور الذي وصلت إليه شركة “الفابيت”، أو “غوغل” سابقاً، في السنوات القليلة الماضية، وذلك بسرعة قياسية من مشروع جامعي إلى الشركة الأكثر ثراءً في العالم.
ولكن هذا التطور المذهل في كل المقاييس الاقتصادية، ليس مصدر القلق الوحيد للشركات العالمية المنافسة. اذ تعمل الشركة على تطوير منتجاتها وخدماتها بصورة مستمرة، بالاضافة إلى الاستثمار في مجالات “صناعة المستقبل”، لتكون الشركة في المستقبل القريب، احدى أهم شركات صناعة المستقبل وواحدة من اللاعبين الرئيسيين في هذه الصناعة.
بمعنى آخر، فإن الاستثمارات الجانبية التي تقوم بها الشركة والتي ترتب اكلافاً كبيرة على الشركة بشكل فاضح حتى الساعة، ستكون الخطر الأبرز الذي سيهدد الشركات العالمية المنافسة، وسيمكّن الشركة من تطوير نفسها وارباحها بشكل خيالي وغير مسبوق بعيداً من كل منتجات “غوغل” التي نستعملها يومياً. أي في السنوات القريبة المقبلة، سنرى الوجه الحقيقي للشركة، وسنلاحظ مدى قوة وضخامة هذه الشركة بعيداً من محركات البحث والاعلانات.
فمنذ اللحظة الأولى التي أبصر فيها مشروع جامعي في جامعة كاليفورنيا- “غوغل”- النور، اتجهت الأنظار نحو هذه الشركة التي استطاعت في وقت قياسي أن تزيح شركة “آبل” عن عرش أكثر شركات العالم ثراءً، والذي تربعت عليه لسنوات. كما تمكنت الشركة تحت ادارة الرئيس التنفيذي لاري بيج وصديقه سيرجي برينت من الحصول على لقب أفضل شركة للعمل فيها ضمن قائمة مجلة “فورتشيون” التي تنافس فيها 100 من أهم شركات العالم.
ورغم صغر عمر شركة “الفابيت” وهي الشركة الأم لـ”غوغل” بالاضافة الى شركات ومنتجات اخرى، الا أنه لا يمكن انكار مستقبل هذه الشركة كواحدة من أكبر شركات العالم حاضراً ومستقبلاً. اذ تستثمر الشركة بشكل مكثف في الأبحاث والمشاريع طويلة الأمد التي تراها “مهمة” في عملية “صناعة المستقبل”.
ولهذه الغاية، لا بد من ملاحظة بعض الأمور الأساسية بشأن اللغط بين “غوغل” و”الفابيت”، اذ لا تزال شركة “غوغل” تحتفظ وتدير أكثر المنتجات مردوداً حتى الساعة في الشركة، فمحرك البحث الأشهر في العالم والتطبيقات التي نستعملها في حياتنا اليومية (جي ميل، مابس، هانغ اوت، كروم، وغيرها) بادارة الرئيس التنفيذي سوندار بيشاي.
أما “الفابيت” فتتحكم بالمشاريع الجانبية والاستثمارات طويلة الأمد سواء على صعيد الذكاء الاصطناعي أو الرجال الآليين أو تزويد الكرة الأرضية بانترنت سريع ومجاني، أو مشاريع “موون شوت”، والمشاريع الخيرية التي تقوم بها الشركة سنوياً.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، استثمرت “الفابيت” مبالغ طائلة في الذكاء الاصطناعي. اذ لا تزال الصفقة التي أبرمتها مع شركة “ديب مايند” البريطانية للذكاء الاصطناعي الأعلى على الاطلاق في تاريخ عالم التكنولوجيا. ودفعت “غوغل” آنذاك، 400 مليون دولار أميركي ثمناً للاستحواذ على الشركة.
اضافة الى ذلك، صبت الشركة جلّ تركيزها على تقنية “تعليم الآلات”، مستخدمة الذكاء الاصطناعي والحواسيب الكمّية. ودعت الشركة لاختبار حاسوبها المزود بذكاء اصطناعي “لي سيدول”، بطل العالم في لعبة “غو” أكثر الألعالب الذهنية تعقيداً، لتحدي الحاسوب. ووضعت جائزة وصلت الى مليون دولار في حال فوزه. على المقلب الآخر، أعلنت كلّ من الوكالة الدولية للفضاء “ناسا” و”غوغل” اخيراً عن نجاح الاختبارات على الحاسوب الكمّي المخصص لأبحاث الفضاء.
وتمتلك “الفابيت” أيضاً قسماً خاصاً بأبحاث الفضاء يندرج تحت ما تسميه الشركة “موون شوت”. ويعتبر “مون شوت” مجموعة من المشاريع الاستثمارية المتوسطة والطويلة الأمد. اذ يضم على سبيل المثال لا الحصر مشروع السيارات من دون سائق، ومشروع “لوون” لتزويد العالم بانترنت مجاني وسريع، بالاضافة الى قسم الفضاء.
ولتكتمل صورة المستقبل بالنسبة الى “الفابيت”، بدأت مؤخراً الاستثمار في علم الروبوتات والرجال الآليين، اذ تضم جعبتها ما يزيد عن 5 روبوتات بخصائص مختلفة أبرزها “بيت مان” وهو رجل آلي مصمم بشكل الانسان، و”شيتاه” وهو أسرع روبوت على الاطلاق.
الى ذلك، لا يمكن انكار حاضر “الفابيت” وتأثيرها في صناعة قطاع التكولوجيا، اذ تعتبر الشركة الأكبر من دون منازع في سوق المستخدمين. وتمتلك “غوغل” سبعة من أبرز التطبيقات التي يفوق عدد مستخدمي كل واحدة منها البليون مستخدم (جي ميل، متصفح كروم، غوغل مابس، نظام تشغيل اندرويد، يوتيوب، متجر غوغل، محرك البحث غوغل).
اما على صعيد محرك البحث الذي هو أساس الشركة وعمودها الفقري، فإن “غوغل” تستحوذ اليوم على 70% من سوق محركات البحث تاركة 30% لمجمل المحركات الاخرى من ضمنها “بينغ” من مايكروسوفت” و”ياهو”.
هذه النتائج المبهرة نسبة لشركة تأسست في العام 1994 وطرحت أسهمها على الاكتتاب العام في العام 2004 برأسمال وصل إلى 1.67 بليون دولار، عوّضت خسارتها في المشاريع الجانبية التي تقوم بها الشركة ومنها “موون شوت”. اذ أعلنت الشركة أنها استثمرت نحو 3.6 بليون دولار في العام 2015، في حين تحرص على تغييب احصاءات الايرادات. واكتفت الشركة بالقول ان هذه المشاريع ادرت أرباحاً بقيمة 450 مليون دولار من دون تحديد مصدرها.
وبرغم ضخامة هذه الأرقام، وخصوصاً اذا ما قورنت مع المداخيل التي تنتجها، الا أن الأرباح التي نتجت عن خدمات غوغل” عوضّت هذه الخسارة. وسجلت الشركة أرباحاً من “يوتيوب” بنحو 5 بلايين دولار في العام 2015، في حين ادخلت الاعلانات ارباحاً بقيمة 69 بليون دولار في العام نفسه وفق موقع “ستاتيستا” المتخصص بالاحصاءات.
اضافة الى ذلك، تمتلك الشركة نظام تشغيل “اندرويد” الذي استحوذت عليه في العام 2005 بنحو 50 مليون دولار، وأصبح اليوم أكثر نظام تشغيل للهواتف الذكية انتشاراً في العالم. كما استحوذت على أكثر من 180 شركة في مسيرتها، كان أضخمها “موتورولا موبيليتي” التي استحوذت عليها بكلفة وصلت الى 12.5 بليون دولار.
هذه الاستحواذات وتطور الخدمات المقدمة ساهما في تطور الايرادات على مدار السنوات السابقة، اذ سجلت الشركة ايرادات وصلت الى 65 بليون دولار في العام 2014، في حين سجلت في العام 2013 نحو 57 بليون دولار.
ويمكن الاستخلاص من تطور كهذا أن الشركة ماضية قدماً في تحقيق النجاحات المتتالية، وسيكون أقربها الانترنت المجاني الذي ستبدأ تجربته في اندونيسيا خلال السنة الجارية، اضافة الى السيارات من دون سائق التي تتوقع التقارير بأن يصل عدد العاملة منها في العالم الى 20 مليون بحلول العام 2025. وهو الأمر الذي سيدر أرباحاً طائلة على “الفابيت” خصوصاً أنها احد اوائل وأكثر المستثمرين في هذا المشروع، بالاضافة الى قرب انتهاء فترات التجربة لسياراتها على الطرقات الأميركية وندرة الحوادث التي تسببت بها.
بضم هذه المشاريع سوية، سيصبح من الصعب تجاهل طريقة تفكير “الفابيت” وصناعتها للمستقبل. فكما يستعمل العالم بأسره منتجاتها بشكل يومي سواء أدرك ذلك أو لم يدرك، سيكون المستقبل مليئاً بهذا الشعار الذي استطاع أن يستحوذ على جزء بيّن من حياتنا اليومية.