كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”:
يطلب الرئيس سعد الحريري من فريق 14 آذار القيام “بمراجعات نقدية داخلية”، فيلجأ مستقلو هذا الفريق إلى “لقاء سيدة الجبل” بغية تنظيم خلوة جديدة نهاية الشهر الجاري في فتقا، والهدف: “إعادة تحديد الخيارات”. أما بالنسبة إلى احتفال 14 آذار فـ”بعد بكير”، وفق معلومات تتحدث عن صعوبات عدّة تُرافق تنظيم احتفال شعبيّ في ظل التباينات التي تحكم علاقة الأطراف.
تُشبه حالة منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد الصورة المعلقة على حائط مكتبه في الأشرفية. في الصورة المعروضة إلى جانب أخريات تُخلّد ذكريات “ثورة الأرز”، يتوسط سعيد الرئيس فؤاد السنيورة ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
يبسط يديه، بينما الرجلان يتبادلان الحديث. كثيرة هي المرّات التي حاول فيها نائب جبيل السابق لعب دور الوسيط بين مكوّنات فريقه، محاولاً الحفاظ على الحدّ الأدنى من الروابط التي تجمع بينها. أراد التأكيد بأنّ الأساس هو “فكرة 14 آذار والشعارات والمبادئ التي تؤمن بها”، تلك الشعارات التي تنازل عنها المؤتمنون عليها ما إن عادوا إلى السلطة. لقاءات كثيرة عُقدت وخلوات نُظمت إلا أنها اصطدمت بعدم رغبة الأحزاب في إعطاء دور للمستقلين أو تعزيز موقعهم. على هذه القاعدة، أُجهض إطلاق المجلس الوطني لهذه القوى واستعيض عنه بالمجلس الوطني للمستقلين، الذي تعثر بدوره. الحفاظ على الوحدة السياسية فشل. وباستثناء العداء لحزب الله ومعارضة النظام السوري، لا شيء يجمع بين “الآذاريين”. إلا أنّ سعيد، ثابر على لعب دوره والمداومة في الأمانة العامة. كان الوحيد الذي شارك في الاجتماعات الثنائية التي عُقدت في بيت الوسط والتي جمعت السنيورة وممثل جعجع النائب جورج عدوان. كما أنّ معلومات عدّة سرت عن كونه أحد العاملين على تهيئة الأجواء لزيارة الرئيس سعد الحريري إلى معراب الاثنين الماضي.
“باستثناء الصورة الجامعة على المسرح يوم الأحد، لا توجد رؤية ولا مشروع سياسي لأي حزب”، يقول أحد اليساريين السابقين الذين اعتادوا زيارة الأمانة العامة. المشكلة اليوم “أننا لا نزال نتحدث في مسائل تقليدية، في حين على بعد كيلومترات قليلة تدور حرب عالميّة”. اليأس والأسف يسيطران على كلام السياسي العلماني “لأن ما بحياتنا كنّا هيك”. لذلك، يبدو أنّ الأساس حالياً هو “تحديد الدور الذي يجب أن نلعبه وهو منع الفتنة السنية ـ الشيعية من خلال تعزيز التواصل مع مسيحيي الشرق”. ويوضح أنّ “استقالة مسيحييّ لبنان ستكون لها ارتدادات سلبيّة على الجميع”.
وأي منبر أفضل من دير سيّدة الجبل، حتى يُطلّ منه مستقلو الأمانة العامة؟ فقد علمت “الأخبار” أنّه ستُنظم خلوة لهذا اللقاء في 28 شباط من أجل “إعادة تحديد الخيارات”. لماذا لا يكون الاجتماع لقوى 14 آذار، خاصة أننا عشية ذكرى “ثورتها”؟ السبب هو أنّ “جمع هؤلاء حالياً صعب وفي حاجة إلى موافقة الجميع”.
ظروف إنشاء لقاء سيّدة الجبل والصراع بين مكونات لقاء قرنة شهوان في حينه، تُشبه الصراعات العلنية والخفية بين مكونات فريق 14 آذار. يُخبر أحد الذين واكبوا تأسيس “سيّدة الجبل” إنّ هذا التجمع كان النتيجة “الطبيعية والمتوقعة” لصراع الأحزاب والشخصيات المستقلة التي كانت تجتمع زمن الوصاية السورية وبرعاية البطريركية المارونية. تماماً كما هو حاصل اليوم، قلّلت الأحزاب من قيمة المستقلين معتبرةً أن لا وزن سياسياً لهم خارج أي تنظيم. فشكلّت خلوات سيدة الجبل السنوية “فسحة أمل” لهؤلاء الذين يحاولون، بشتى الطرق، إثبات وجودهم. التاريخ يعيد نفسه مع سعيد ورفاقه، وكلّما ضاق الخناق أكثر، كلّما باتت العودة إلى دير فتقا أساسية. الخلوة هي “لقاء مسيحي له رؤية وطنية لأن اللقاء حمل دائماً لغة الانفتاح والحوار”، إلا أن المشاركة ستنحصر بالشخصيات المسيحية. وعلى رغم أن معظم البيانات التي صدرت عن هؤلاء انتهت في الأدراج وكثير من الأعضاء لم يقرأها حتى، إلا أن المنظمين لا ييأسون: “المميز هذا العام هو المتابعة للمقررات من قبل لجنة”.
خلال كلمته في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أعطى الرئيس سعد الحريري جرعة دعمٍ كبيرة لسعيد، عبر دعوة “قوى 14 آذار وفي طليعتها تيار المستقبل للقيام بمراجعاتٍ نقدية داخلية يمكن أن تتولّى الأمانة العامة تحريكها والعمل عليها”. إلا أنّ الآمال لا تبدو مرتفعة: “يتهم المثقفون والسياسيون بعضهم بأنهم انتهازيون. نحن نريد الجمع بين الاثنين”. الإصرار هو “على الوحدة الداخلية، فهذا هو الخيار الوحيد. علينا إعادة صياغتها وفق قواعد وخيارات واضحة”. لا تُنكر المصادر أنّ لقاءات الحريري مع الشخصيات الأخرى في اليومين الأخيرين “ساعدتنا، فنحن نُقدر ونبارك هذه الجهود، ولكن للأسف، هفوة الحريري (الإيحاء بأن جعجع مسؤول عن جرائم الحرب) عادت بنا 40 سنة إلى الوراء. العودة إلى المربعات الطائفية قاتلة”.
في كلّ سنة تنطوي من عمر “14 آذار” تفقد عنصراً جديداً من مقومات حياتها. مشهد “احتضارها” يبدو مؤلماً لمن واكبها “وخاصة الجماهير التي خذلناها”، كما يقول اليساري السابق. المصالح التي جمعت بين الأضداد انتفت اليوم، ولكن كان لافتاً أن مخصصات الأمانة العامة لم تنقطع يوماً رغم الأزمة المالية لتيار المستقبل. “قرّبت 14 آذار. صار لازم نفكر شو بدنا نعمل”، تقول إحدى أعضاء الأمانة العامة، فيأتيها الجواب: “بعد بكير”.