كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:
لم تكن عن عبث إشارة وزارة الداخلية الخطية عبر بيان مكتوب، الى «صدور مرسوم بفتح اعتماد قدره 31 مليار ليرة لبنانية بهدف تغطية نفقات إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في جميع المناطق اللبنانية، العام 2016، والانتخابات النيابية الفرعية في قضاء جزين»، ذلك لأنّ السلطة برمتها تدرك أنّ تأكيداتها الموثقة بالصوت والصورة على اجراء الاستحقاق البلدي في موعده، ليست كافية ليصدّق اللبنانيون أنّ صناديق الاقتراع ستفتح من جديد.
ولهذا يصرّ الوزير نهاد المشنوق على تقديم الاثبات تلو الآخر على أنّه يقوم بواجبه على أكمل وجه، وأنّ «أمّ الوزارات» جاهزة لمواكبة هذا الاستحقاق بكل ما يستلزم من تحضيرات لوجستية وادارية وأمنية لتجديد عروق المجالس البلدية والاختيارية بحقن المقويات الديموقراطية كي لا تنضمّ بدورها الى قافلة المؤسسات «المطعون بشرعيتها».
لا حاجة لتذكير الممسكين بعنق القرار الرسمي أنّ المرة الأخيرة التي احترم فيها لبنان مبدأ تداول السلطة والديموقراطية الانتخابية كانت في العام 2010، يعني قبل ست سنوات. وقد تكون هذه المدّة هي الأطول في تاريخ لبنان الحديث، اذا ما استثنينا مرحلة الحرب الأهلية التي حالت دون اتمام الواجبات الدستورية.
وعليه، فإنّ اعادة الروح الى «حُكم» الورقة الاقتراعية صارت بديهياً ولا نقاش حولها، وأكثر من ذلك، لا مبررات منطقية أو حجج مقنعة قد يكون بمقدور الطبقة السياسية اللجوء اليها لتقديمها على طبق الضرورات التي تبيح المحظورات.
حتى أنّ النقاش بعقل بارد والذي يأخذ بالاعتبار مصالح القوى السياسية، قد يرفع منسوب الاعتقاد بأنّ السلطة قد تفعلها وتطلق حلبات المنافسة المحلية خلال الربيع المقبل لتكون «بروفا» تحضيرية لما سيأتي من بعدها، أي الاستحقاق النيابي، وهو سيحصل عاجلاً أم آجلاً مهما تعاظمت ارادة التمديديين، إذ إن مقاربة بسيطة بين الدوافع المشجعة لخوض غمار هذا الاستحقاق وبين تلك المتحمسة لدفنه تحت تراب التمديد، تظهر بوضوح أنّ الكفة قد تميل للأولى عبر دفع القوى السياسية الى التعامل مع الانتخابات البلدية على قاعدة شرّ لا بدّ منه، خصوصاً أنّها تسبق بالزمن الاستحقاق النيابي، وهذا عامل مساعد، وذلك للأسباب الآتية:
– تحتاج الأحزاب والتيارات السياسية الى «تزييت» ماكيناتها الانتخابية التي مضى عليها سبع سنوات نائمة على حرير التمديد، لا سيما أنّ بعضها أدخل دماً جديداً من الكوادر الشبابية ولا بدّ من «تمرينها» على الأرض أمام صناديق الاقتراع.
وما يزيد من حماسة هذه القوى لاستخدام مسرح الانتخابات البلدية (1013 بلدية) لتحسين أداء ماكيناتها، هو الهامش المتاح أمامها للتخفيف من ثقل الخسارة في حال وقعت تحت عنوان «عدم تدخلها» في الزواريب المحلية، ما يساعدها على «اللعب عن بعد» ومن دون حرق أصابعها.
وبالعكس، يمكن لها الاستفادة من هذه الجولة للتعلّم من الأخطاء التي ستقع خلالها ومن الثغرات التنظيمية التي ستواجهها، لكي تكون بكامل لياقتها البدنية خلال الاستحقاق النيابي المنتظر منذ سبع سنوات.
– كما تحتاج القوى السياسية الى اختبار شبكة علاقاتها السياسية، لا سيما في نسخاتها المتجددة، حيث يستعجل المتفاهمون الجدد على نقل «التقائهم السياسي» من الورق الى أرض الواقع لقياس مدى تفاعل الجمهور مع ما رسمته روما من فوق، ومدى تطابقه مع روما من تحت.
فالقوى المسيحية، على سبيل المثال، وتحديداً «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية»، ترفع من منسوب الضغط لإجراء الاستحقاق في موعده لأنّها تأمل في تحقيق نتائج مبهرة، على شاكلة «تسونامي» تجتاح الخارطة المسيحية على امتدادها، بفعل تكريس تفاهمها السياسي واستثماره انتخابياً.
في المقابل، يُنتظر كيف ستتعامل القوى السنية مع بعضها البعض ربطاً بموقف الرياض من البيت السني وما اذا كان هناك توجّه لنسج تفاهمات موضعية، قد تكون تمهيدا لـ «بروفا» الانتخابات النيابية وتكريس هذا التفاهم، أم أن الحلبة ستترك لتنافس أبناء الجمهور السني وقياداته. وفي كلتا الحالتين قد تكون هناك حاجة لاستخدام صندوقة البلديات للبريد الموثق بالورقة والقلم.
حتى أن العذر الأمني الذي اختبأت خلفه السلطة السياسية كي تبعد كأس الانتخابات النيابية عنها، يبدو هذه المرة غير ضاغط، على اعتبار أن الاستحقاق البلدي سيجري على مراحل ما يخفف من عبء التحدي الأمني والاستعانة بالقوى الأمنية لتغطية الاستحقاق على كامل الخريطة اللبنانية، كما يقول أحد المتابعين، لا سيما أنّ هذا الاستحقاق لا يفرض على القيادات السياسية القيام بجولات مناطقية تعبوية، وبالتالي إنّ الضغط الأمني أخف أيضاً.
هكذا، يصبح مفهوماً اصرار وزارة الداخلية على اتمام كل واجباتها الادارية واللوجستية لكي تكون حاضرة في الربيع المقبل، من خلال إعداد وتنقيح لوائح الشطب (تصدر اللوائح النهائية في نهاية شهر نيسان المقبل)، ولوائح الموظفين والأساتذة الذين سيتولون المهام اللوجستية في أيام الانتخابات، ومراكز الاقتراع وأقلام القيد، والى ما هنالك من ترتيبات عادة ما تحصل بشكل بديهي من دون أي تدخّل اداري.
وهنا، ينفي أحد المطلعين وجود أي عائق اداري بسبب تزامن موعد الامتحانات الرسمية في نهاية شهر أيار المقبل مع الاستحقاق الانتخابي، حيث يفترض أن تكون الانتخابات البلدية في محطاتها الأخيرة في هذا الوقت، ويمكن اتمام المهمتين.
وبالتالي، ليس من المنتظر خلال الأيام المقبلة، حصول أي تطور اداري من شأنه أن يقدم دليلاً حسياً على رغبة القوى السياسية في اجراء الاستحقاق في موعده، لانتفاء الحاجة الى قرارات حكومية تعالج مسألتي الاشراف الانتخابي والإنفاق المالي. كما أنّ دعوات الهيئات الناخبة، والتي ستحصل بشكل منفصل (قبل شهر من موعد الانتخابات في كل محطة)، فتصدر بقرارات موقعة من وزير الداخلية، ولن تتمّ في وقت قريب، لأن ثمة متسعاً من الوقت لها.
أما الانتخابات الفرعية في جزين فيفترض دعوة هيئاتها الناخبة بواسطة مرسوم يوقعه كل الوزراء وذلك قبل شهر أيضاً من موعدها، ومن المرجح أن تحصل يوم الانتخابات البلدية في محافظة الجنوب.
ومع ذلك، ينتظر اللبنانيون أن تكذب مياه السلطة، غطاس التشكيك.