IMLebanon

ترحيل النفايات يفضح “الفساد اللبناني المعولم”

waste-5

 

 

كتب ايلي الفرزلي في صحيفة السفير”: 

لم يسبق أن أهانت سلطة ناسها كما تهين السلطة اللبنانية شعبها. الإهانة لا تقتصر على الاستخفاف بالقانون والدستور، أو الإمعان بتخطي إرادة الناس من خلال ضرب مبدأ دورية الانتخابات، أو من خلال تثبيت الفراغ في رئاسة الجمهورية، أو من خلال ضرب الإدارة وتفريغها. هذا كله يهون أمام الإصرار على قتل الناس ببطء، بعد إذلالهم، لا لشيء إلا لتثبيت صفقات في النفايات، حيث باتت روائح الفساد اللبناني «المعولم» تعبق أبعد من الحدود.. ولا من سائل أو من مجيب.

ظنّت الحكومة أن تصدير النفايات يوازي في «فرادته» تصدير الحرف الى العالم، فسعت جهدها لإنجاحه، لكنها لم تنجح سوى في تصدير روائح فسادها، فيما روائح النفايات تستوطن بيروت والضاحية وبعبدا والمتن وكسروان، وكل التقارير الطبية تربط بين ارتفاع نسب بعض الأمراض والفيروسات وبين النفايات المتكدسة أو تلك التي طمرت قرب الأنهار ومصادر المياه، حتى أن أحد الخبراء جزم بأن مياه الاستخدام في العاصمة والضواحي باتت ملوثة من دون الحاجة لعرض أية عيّنة منها على المختبرات.

وكما ترحيل النفايات إلى سيراليون تحول إلى فضيحة، ها هو الترحيل إلى روسيا يلقى المصير نفسه، فيما يسارع لبنان إلى الاكتفاء برفع المسؤولية عن كاهله من دون تحرك أي جهة رقابية أو قضائية، فضلا عن تحول «الحراك المدني» الى فولكلور لا يستحق خبرا صغيرا في الاعلام اللبناني!

منذ البداية، بدا خيار الترحيل خرافياً. التلزيم واختيار الشركة والتسعير وكذلك التساهل مع شركة «شينوك» والسماح لها بتخطي كل المهل، ورفض النظر بأي عرض جديد مهما كان أفضل. برغم ذلك كله، ظل الوزير أكرم شهيب مصراً على أن الترحيل لم يستبعد كليا، داعياً إلى انتظار انتهاء مهلة العاشرة من صباح اليوم، بالرغم من أن مجلس الوزراء كان قد عاد أمس إلى مناقشة حل المطامر، كما فعلت طاولة الحوار أمس الأول.

ولان جدية الحكومة والتزامها القانون صارا مضرب مثل، فإن القرار لن يؤخذ إلا بعد انتهاء المهلة اليوم، حيث تقرر أن تجتمع اللجنة الوزارية المعنية بملف النفايات يوم غد السبت، لإقرار التوجه الجديد، وقال شهيب لـ «السفير» أنه مهما كانت النتيجة اليوم، فقد أبلغ مجلس الوزراء، أمس، إعفاءه من متابعة المهمة، مشيراً إلى أنه قام بواجبه و «ضميري مرتاح»، في اشارة ضمنية الى قرار «اشتراكي» بالابتعاد عن الملف، بعدما أثيرت علامات استفهام حول وجود مستفيدين «اشتراكيين» من الترحيل!

وفيما لا تزال الحكومة تضع نفسها في خانة الساعي إلى الحلول، برغم عجزها المستمر وتخبطها بالخطط والقرارات التي أثبتت فشلها كلها، من المناقصات إلى المطامر فالترحيل، فان العودة إلى المطامر ستعيد معها كل التشنج الذي خلّفه هذا الملف قبلاً وأدى إلى إفشاله، علماً أن شهيب عبّر عن خوفه من أن تتعطل خطة المطامر ثانية، بما سيؤدي إلى أن «تأكلنا النفايات»، خصوصا أن التجربة في التنقل بين الحلول أثبتت أن شبكة واسعة من المصالح والعشوائية تتحكم بمفاصل الملف، وهي شبكة لا تستثني أحداً، لا من مؤيدي الترحيل ولا من مؤيدي المطامر ولا من معارضي الحلين.

باختصار، كل ذلك يقود إلى أمر واحد. الحكومة فشلت، وهي تكرس أن طاولة الحوار، باتت هي الحكومة الفعلية التي اتفق أعضاؤها على المطامر ثم الترحيل قبل أن يقرروا، أمس الأول، العودة إلى المطامر.

وفيما ظلت «شينوك» ومديرها فراس الزلط غائبة عن الصورة، كما عادتها منذ تكليفها، كان لافتاً للانتباه، أمس، إعلان وكيل الشركة المحامي زياد الخازن التراجع عن وكالته عن الشركة، «انسجاماً مع قناعاتي المبدئية ومسيرتي المهنية.. بعد اللغط الكبير حول الوثيقة المزعوم صدورها عن وزارة البيئة الاتحادية الروسية».

وقال الخازن لـ «السفير» ان انسحابه أسبابه شخصية، رافضاً الخوض في أي نقاش يتعلق بموكله، التزاماً بسرية التوكيل. أما رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة محمد شقير الذي تردد أنه أحد وكلاء الشركة البريطانية، فقد أنكر لـ «السفير» أي علاقة له بها، فيما أشار شهيب إلى الأمر نفسه، إلا أنه أعلن أن شقير هو الذي عرّفه على الشركة قبيل التعاقد معها!

العامل الجديد الذي استجد منذ إقفال مطمر الناعمة في 16 تموز الماضي هو عودة الرئيس سعد الحريري إلى البلاد. ولا شك أن الأخير لاحظ في جولاته المكوكية آثار النفايات في الطرقات.. وعلى أهمية محاولته فتح هوة في جدار الفراغ الرئاسي، إلا أنه سيكون مطالبا بتعديل خططه، في ضوء ترنح ملف الترحيل، وبالتالي إعطاء الأولوية لملف طمر النفايات في لبنان!