IMLebanon

النفايات: فشل الترحيل والتلويح بالمطامر… خطوة نحو طمر البحر

Bourj Hamoud Waste
خضر حسان

بكل سهولة تتنقل الحكومة بين خيار وآخر لحل أزمة النفايات، دون إعارة أي انتباه للقوانين وللرأي العام. لم تتبنَ الحكومة رسمياً أي حل وأي اجراء، وهذا ما سمح لها بالتملّص من مسؤولياتها حيال الفشل الذي يبدو واضحاً. ولا تجد الحكومة حرجاً في إعلان فشلها وتنصيب نفسها لإيجاد حلول جديدة مستخدمة المعطيات القديمة نفسها.

أوصلت المماطلة الرسمية ملف النفايات الى خيار الترحيل، وتوافقت جميع القوى السياسية على ضرورة الترحيل، واصفة هذا الحل بأنه “أبغض الحلال”، والخيار الأنسب في المرحلة الحالية، بعد إنسداد سبل الحل في المطامر والمحارق وغيرها. والمشكلة الأكبر، هي نفي المسؤولين عن ملف النفايات معرفتهم بـ”فضيحة” سيراليون، ولاحقاً نفى هؤلاء إمكانية ان يكون الترحيل الى روسيا “فضيحة” جديدة. حتى ان الحكومة قررت تحويل 50 مليار ليرة لمجلس الانماء والإعمار لتسيير عملية الترحيل، وفق ما رسمته الحكومة التي قررت أيضاً ان شركة “شينوك” هي خشبة الخلاص، والناجي الوحيد من صراع البقاء بين الشركات التي تقدمت لإجراء مناقصات الترحيل.

المحادثات التي وصلت الى مرحلة متقدمة بين المجلس والشركة، كادت تنتهي وفق مشيئة الحكومة لولا اعلان وزارة البيئة الروسية بأن بلادها لم توافق على استقبال نفايات لبنان، علماً ان رئيس مجلس الانماء والإعمار نبيل الجسر، كان قد أكد لـ”المدن” عدم وجود خلل في العملية، وان الوجهة الروسية لا تشبه السيراليونية، ما يعني ان شروط التعامل مع “شينوك” لا شبهة فيها، هذا إذا تغاضينا عن الطريقة غير القانونية التي تمت بها عملية تلزيم “شينوك”.
قبل يوم واحد، كان المجلس ووزير الزراعة أكرم شهيب وبعض السياسيين المتحمسين للترحيل، “غافلين” عن إمكانية وجود ثغرات قانونية وأخلاقية في عملية الترحيل، وهو ما نبّهت منه “المدن” في أكثر من مناسبة، مرجّحة إمكانية تعطيل الترحيل لإعادة طرح خيار المطامر، وهو ما كان واضحاً من خلال عدم التعاطي الجدّي، قانونياً وسياسياً مع خيار الترحيل. وعليه، بدأت الحكومة فعلياً منذ مساء أمس الأربعاء، الإعتراف بفشل خيار الترحيل، وبدأ السياسيون يعلنون أسباب الفشل ويطلقون دعوات للمحاسبة، والعودة الى خيار المطامر.

يوم الخميس كان يوم إعلان انهيار الترحيل، فالجسر أكد لـ”المدن” على ان “الورقة التي كانت جاهزة لدي، هي نسخة عن القرار الصادر عن وزارة البيئة الروسية، فإستدعيت “شينوك”، طالباً إظهار الورقة الأصلية. وفي حال عدم حصول ذلك، “على الدنيا السلام”، فنحن لا نقبل نسخاً، بل اوراقاً أصلية مصدقة”، وللمفارقة، كانت الأمور قبل انكشاف اللعبة، تسير بهدوء، ولم يطلب المجلس أوراقاً أصلية، ولم تلتفت الحكومة لأي خلل يمكن ان يشوب الملف، فكيف كانت الأمور تسير دون التدقيق بالأوراق؟، علماً ان العقد الذي كان بين يدي الجسر – وضمناً الحكومة – لم يحدد وجهة الترحيل، بل حددت الوجهة في “ورقة جانبية”. أما نسخة الموافقة الروسية التي كان يتداولها المجلس والحكومة و”شينوك”، فستُدعّم بالورقة الأصلية، التي “ستُرسل في الحقيبة الدبلوماسية الى السفارة الروسية في لبنان”، وفق ما قاله لـ”المدن” المحامي زياد الخازن الذي يلعب دور الوسيط بين “شينوك” ومجلس الانماء للاعمار، قبل ان يعلن الخميس انه لم يعد وكيلاً للشركة، ولم يعد له اي علاقة في الموضوع، وذلك “إعتراضاً على المغالطات التي حصلت”.

وصول ملف الترحيل الى هذا المستوى الفضائحي، دفع بوزير الإعلام رمزي جريج الى الإعلان بعد إنتهاء جلسة مجلس الوزراء اليوم، بأن مجلس الوزراء قد توافق على أنه “في حال سقوط قرار ترحيل النفايات لا بد من العودة الى خيار المطامر الصحية”، وأيّد وزير الإتصالات بطرس حرب هذا الخيار بالقول انه “في حال تبين أن شركة “شينوك” غير قادرة على الترحيل ستتخذ اللجنة الوزارية التي ستعقد السبت المقبل، التدابير القانونية وسنلجأ الى موضوع المطامر”، وكذلك فعل وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي أكد على ان الحديث داخل مجلس الوزراء “دار حول العودة إلى المطامر”. اما النائب محمد الصفدي فإستغرب “عدم تحريك الحكومة النيابة العامة”. هذا الإستغراب مردود على كافة النواب والوزراء، إذ كيف لم يستغرب 158 مسؤولاً في البلاد وصول الملف الى هذا الحد دون السؤال عن الآليات القانونية للملف؟. وفي حال تمرير عدم التساؤل قبل اليوم، فهل سيدفع النواب والوزراء بالنيابة العامة الى التحرك الفعلي لكشف حقيقة ما حصل؟.

العودة الى المطامر هو ما يلوح به من فشل في إدارة ملف النفايات في أكثر من محطة. وفي ظل غياب خطة واضحة لإعتماد المطامر، ينزلق لبنان الى ما دون الصفر، خاصة وان شركة “سوكلين” أعلمت محافظ بيروت زياد شبيب قرار توقفها عن إزالة النفايات من الحاويات في بيروت، بعد 24 شباط الجاري، لأن المكب في الكرنتينا لم يعد يتسع لكميات اضافية، وفق ما قالته لـ”المدن” المسؤولة الإعلامية في “سوكلين” باسكال نصار. على ان تستكمل الازالة بشكل طبيعي في حال تم تأمين عقار بديل.

ما مرّت به أزمة النفايات حتى اليوم لم يعد مسألة بحث عن طريقة للتخلص من النفايات، بل أصبح سبباً لقلب الطاولة على متعهّدي الحلول الفاشلة. أما العودة الى المطامر، فسيكون خطوة للعودة الى الوراء أكثر، وليس مستغرباً الوصول الى طرح جدّي لطمر النفايات في البحر، وخلق “زيتونة باي” إضافية في أكثر من منطقة، بحسب المحاصصة الطائفية – السياسية.