كتب عبد الكافي الصمد في صحيفة “الأخبار”:
تغيّرت طرابلس كثيراً بين آخر زيارة قام بها الرئيس سعد الحريري إليها خلال انتخابات 2009، وزيارته الخاطفة لها أمس. تبين بوضوح أن معطيات كثيرة تبدلت خلال هذه السنوات، يبدو أن الحريري كان آخر من تنبّه لها.
وبرغم أن الزيارة كانت غير معلنة، ولم يكشف عنها إلا قبل ساعات قليلة من موعد وصوله إليها، فإن طرابلس لم تستقبل الحريري كما اعتادت أن تفعل في السابق، إذ لم تحضر اللافتات والصور، كما غابت التجمعات الجماهيرية التي كانت تتجمع لاستقباله، باستثناء بعض عشرات من الشبان هتفوا له على نحو خجول، ما عكس مزاجاً مستجداً في المدينة يستحق التوقف عنده.
فقبل دقائق من وصول الحريري إلى جامع الصديق قرب سرايا طرابلس لأداء صلاة الجمعة فيه، حضر مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار لاستقباله مع عدد محدود من المشايخ والمواطنين، وسط إجراءات أمنية مشدّدة مثلت دافعاً لعزوف كثير من المصلين عن الحضور. هذه الإجراءات لم تكن تمنع الجماهير سابقاً من التقاطر لاستقبال “الشيخ سعد”، وخصوصاً عندما كان ينزل في فندق كواليتي إن في طرابلس، حيث كان يحتشد مئات المواطنين أمام الفندق وهم يمنون النفس بمقابلته.
ولم يمثّل غياب الجمهور عن استقبال الحريري، وتحديداً جمهور التيار الأزرق، مفاجأة وحيدة، بل جاء أيضاً غياب وزير العدل أشرف ريفي عن الحضور لاستقبال الحريري، سواء في المسجد أو مشاركته في حفل الغداء الذي أقامه المفتي الشعار على شرف ضيفه، ليطرح أسئلة كثيرة حول حقيقة لقاء غسل القلوب الذي عقد بين “الشيخ” والوزير أخيراً، برغم أن أوساط ريفي برّرت غيابه “بانشغاله بالإعداد لمؤتمره الصحافي الذي عقده أمس والمتعلق بقضية الوزير السابق ميشال سماحة”. وغاب أيضاً عن استقبال الحريري نواب المدينة والشخصيات السياسية الأخرى، واقتصر الحضور على نواب التيار الأزرق لا غير، ما أعطى انطباعاً بأن الهوّة بينه وبين القوى السياسية الأخرى في طرابلس لم تردم بعد.
وعلمت “الأخبار” في هذا السياق أن المفتي الشعار، لكونه صاحب دعوة الحريري لزيارة طرابلس، قد إتصل بالرئيس نجيب ميقاتي داعياً إياه، لكن الأخير إعتذر نظراً لوجوده خارج طرابلس، وتحديداً في مدينة صيدا التي أدى فيها صلاة الجمعة، الأمر الذي مثّل مفارقة لافتة توقف عندها كثيرون. أما الوزير السابق فيصل كرامي، فلم يتصل به الشعار لدعوته نظراً لقطيعة بين الرجلين تعود إلى سنوات، كما أن الحريري لم يخطره مسبقاً بزيارة طرابلس، برغم التقارب الذي شهدته العلاقة بينهما خلال السنوات الأخيرة.
وفي الوقت الذي سُجّل فيه غياب واسع للمشايخ وعدم تلبيتهم دعوة المفتي الشعار، نظراً للتباعد بينه وبينهم منذ انتخابات المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في العام الماضي، فإن أوساطاً في تيار المستقبل أبدت عدم ارتياحها لزيارة الحريري إلى طرابلس بهذا الشكل، وتمنّت لو أنها لم تحصل.
ورأت الأوساط الزرقاء أن الحريري “كان يفترض أن تقوم طرابلس ولا تقعد بزيارته لها بعد كل هذه السنوات من الغياب عنها، لأن زيارته لها بهذا الشكل الخاطف ظهرت وكأنها “تهريبة”، لا زيارة زعيم إلى مدينة تعد قلعة سياسية وشعبية بالنسبة إليه”. ورأت أن “الزيارة كان ينقصها برنامج عمل واضح، وأن يحمل الحريري معه فيها مشروعاً ما يقدمه لمدينة تنتظر منه الكثير بعدما أعطته ما لم تعطِ أحداً سواه، وأن يدخلها من بابها الواسع لا الضيق”.
وفي مقابل ذلك، أشارت مصادر سياسية معارضة لتيار المستقبل إلى أن “الزيارة كانت استعراضية، وأن الحريري أراد من ورائها شد عصب جمهوره وقاعدته الشعبية بعدما ظهرت تصدعات كثيرة فيها، بعد التباين بينه وبين كل من ريفي والنائب خالد ضاهر تحديداً، ولمواجهة خصومه السياسيين في الإستحقاقات المقبلة، وتحديداً الإنتخابات البلدية في حال حصولها”.
كما لاقت الزيارة ردود فعل عديدة على وسائل التواصل الإجتماعي، بينها المرحب، وبينها السائل عن المشاريع التي وعد الحريري بها طرابلس منذ 7 سنوات.