بعد أعوام حيث كان النفط بسعر 100 دولار هو القاعدة، أصبحت أسعار خام برنت الآن نحو ثلث تلك القيمة. لنفترض للحظة أن جهود المنتجين الرئيسيين لرفع السعر مرة أخرى فشلت، فهل النفط بسعر 30 دولارا سيغير العالم؟ الجواب نعم، بالطبع. كل شيء مرتبط بكل شيء آخر في الاقتصادات، وهذا صحيح بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالنفط. ومع كل الحديث عن الاقتصاد عديم الأوزان (البرمجيات، وقواعد البيانات، والذكاء الاصطناعي)، نحن لسنا تماما في مرحلة ما بعد الثورة الصناعية لنكون قادرين على تجاهل تكلفة الطاقة. لأن النفط متعدد الاستعمالات وسهل النقل، بالتالي يبقى المادة الأساسية لنظام الطاقة في العالم.
حكم التجربة دائما ما كان أنه في حين أن أسعار النفط المنخفضة سيئة للكوكب، إلا أنها جيدة للاقتصاد. العام الماضي، قدر تقرير صادر عن شركة برايس ووترهاوس كوبرز أن انخفاضا دائما في سعر النفط بمقدار 50 دولارا من شأنه تعزيز حجم الاقتصاد البريطاني بنحو 1 في المائة على مدى خمسة أعوام، لأن الفوائد – بالنسبة لمعظم القطاعات ولا سيما الصناعات الثقيلة والزراعة والسفر الجوي – قد تتفوق على تكاليف صناعة إنتاج النفط نفسها.
وهذا يمثل الرأي السائد، فضلا عن التجربة التاريخية. لقد كان النفط رخيصا طوال أعوام أمريكا الذهبية في الخمسينيات والستينيات، وجاءت الصدمات النفطية في السبعينيات مع ألم اقتصادي خطير. وكان الفضل في طفرة التسعينيات يعود لشبكة الإنترنت، لكن أسعار النفط كانت منخفضة جدا وارتفعت إلى مستويات قياسية في الفترة التي سبقت الكساد العظيم. يمكننا مناقشة إلى أي مدى كانت تقلبات أسعار النفط مهمة، لكن الصلة بين الأوقات الجيدة والنفط الرخيص ليست مصادفة.
يستهلك العالم ما يقارب 100 برميل يوميا من النفط، تكلف عشرة مليارات دولار يوميا – 3.5 تريليون دولار سنويا – بسعر 100 دولار الذي أصبحنا معتادين عليه. الانخفاض المستمر في أسعار النفط من شأنه إزالة أكثر من تريليوني دولار من الفاتورة – مقابل ناتج اقتصادي عالمي يبلغ نحو 80 تريليون دولار، وهذا أبعد من أن يكون أمرا تافها. إنه عملية نقل كبيرة من الموارد المالية لمنتجي النفط إلى أولئك الذين يستهلكون النفط.
مثل هذه التقلبات الكبيرة في القوة الشرائية دائما ما كانت تعزز النمو، لأنه في حين أن المنتجين كانوا يدخرون الأرباح من الأسعار المرتفعة، كان المستهلكون يميلون إلى إنفاق المكاسب المفاجئة من الأسعار المنخفضة. واحد من المخاوف بشأن الأسعار المنخفضة اليوم هو أن المواقف قد تنعكس: الفائزون الكبار؛ المستهلكون الأمريكيون، يستخدمون النقود الفائضة لسداد الديون. وفي الوقت نفسه، الخاسرون، مثل روسيا، يقلصون الاستثمارات والإنفاق العام بشكل حاد. لكن عند تجاوز الحد، هذا قد يعني تباطؤا كينزيا جيدا قديم الطراز في الاقتصاد العالمي الذي يحاول الإنفاق أقل والادخار أكثر. والنتيجة الأكثر ترجيحا لهذا هي أن أسعار النفط المنخفضة ستفشل في منحنا الدفعة التي نأمل فيها.
من المثير للاهتمام التفكير في بعض الآثار الأقل وضوحا. تشارلز كورتيمانش، مختص اقتصاد الصحة في جامعة جورجيا الحكومية، وجد علاقة بين أسعار البنزين المنخفضة وارتفاع معدلات البدانة في الولايات المتحدة. وهذا جزئيا لأنه عندما تكون أسعار النفط مرتفعة، قد يخرج الناس من سياراتهم ويمشون، أو يركبون دراجة هوائية، أو يستخدمون المواصلات العامة. من ناحية أخرى، البنزين الرخيص يضع الدخل القابل للصرف في جيوب العائلات التي من المحتمل أن تنفقه على تناول الطعام في الخارج.
هناك احتمال محبط آخر هو أن أسعار النفط المنخفضة ستعمل على تباطؤ معدل الابتكار في قطاع الطاقة النظيفة. كلما كان النفط أرخص، كان هناك حافز أقل لابتكار طرق لتوفيره. هناك أدلة واضحة على هذا على المدى الطويل جدا. في أواخر العقد الأول من القرن الثامن عشر ـ أقرب وقت ـ كان الخزافون البريطانيون يستخدمون تكنولوجيا العصر البرونزي المسرفة في أفرانهم. السبب؟ الطاقة كانت رخيصة. لكن الأجور، في المقابل، كانت عالية – ولهذا السبب كانت الثورة الصناعية تتعلق بتوفير العمال، وليس توفير الطاقة.
في الآونة الأخيرة، ألقى ديفيد بوب، مختص الاقتصاد في جامعة سيراكوز، نظرة على تأثير صدمات أسعار النفط في السبعينيات، ووجد أن المبتكرين خرجوا من الأعمال الخشبية لتقديم طلبات للحصول على براءات اختراع في توفير النفط في مجالات من المضخات الحرارية إلى الألواح الشمسية. من الممكن دائما ألا يؤثر انخفاض أسعار النفط كثيرا على بعض التحولات التكنولوجية الكبيرة في سوق الطاقة. ربما تم تقليص حجم إنتاج النفط من التكسير الهيدروليكي في الولايات المتحدة، لكن القفزة التكنولوجية الكبيرة حدثت بالفعل. بحسب تعليق كبير مختصي الاقتصاد في “بريتش بتروليوم”، سبنسر ديل، التكسير يبدو بدرجة أقل مثل مشاريع التنقيب عن النفط الضخمة طويلة الأجل، وبدرجة أكبر مثل مشاريع التصنيع: رخيصة، قابلة للإحلال، وقابلة للتطوير. وأسعار النفط المنخفضة لا يمكنها أن تؤدي إلى تراجع ذلك، والفاعلية يمكن أن تستمر أيضا. كذلك يمكن أن نأمل في الحصول على طاقة شمسية أرخص بكثير: الخلايا الضوئية لا تتنافس بشكل وثيق مع النفط، وقد نستمر في رؤية مزيد من التجهيزات الخاصة بها ومزيد الانخفاض في أسعارها. هذا يعني، أنه عندما يكون الوقود الأحفوري رخيصا، سيجد الناس طرقا لحرقه، وهذه أنباء قاتمة بالنسبة لإمكانية الحد من ظاهرة التغير المناخي. لا يمكننا الاعتماد على أسعار النفط والفحم المرتفعة للحد من الاستهلاك: العالم يحتاج – مثلما كان منذ عقود – إلى ضريبة موثوقة منسقة عالميا على الكربون.