كتب هيثم الطبش في دولة الدويلة لم يعد ممكناً الحديث عن أننا نسير على حافة المهوار، لبنان الآن ينحدر وبسرعة إلى القعر. في اليومين الماضيين إنشغل الرأي العام بقرار وقف الهبة السعودية والقرار بالمراجعة الشاملة للعلاقة مع لبنان وبالدعم الخليجي الكامل لقرار المملكة إلى أن جاءت إستقالة وزير العدل أشرف ريفي لتخطف أضواء المشهد السياسي الداخلي وتحاكي بدويّها الخطوة السعودية.
ضرب اللواء ريفي يده على الطاولة… قدّم إستقالته للشعب اللبناني أولاً… رمى كل الحسابات وراء ظهره قلم يستشر ولم ينسّق لتأتي هذه الخطوة قوية ولترفع السقف بما يضع كل القوى، المحسوبة على المملكة مباشرة أو على هامش التحالفات، أمام اختبار لا يقبل القسمة على اثنين.
المطلوب اليوم أفعال لا أقوال، جاءت الترجمة من أشرف ريفي بامتياز وتقدم خطوات إلى الأمام ليترك للناس أولاً وللقيادات الخليجية عموماً والسعودية خصوصاً تقييم المفاعيل المترتبة على ذلك.
في زمن المواجهة العربية المعلنة مع “حزب الله” يجدر بالقيادات الخليجية البحث عن أطراف تجرؤ على التصدي لهيمنة الحزب وعلى قول “لا” واضحة لا تحتمل التأويل والإلتباس في التفسير، وعلى إطلاق مواقف لا تحابي لمصالح ضيقة هنا أو هناك تقاس بالمال، وتستطيع في الوقت ذاته التواجد بقوة سواء من داخل المؤسسات الرسمية أو من خارجها.
الحكومة المترنحة في بلد الفراغ، ضربت موعداً لاجتماع استثنائي بتأخير 24 ساعة، فأي خطوات ستتخذها؟ هل يجرؤ رئيسها على الاستقالة ليعطي المملكة العربية السعودية، ومن خلفها العرب، سبباً واحداً يثنيها عن قرار سحب يدها من البلد؟ أو أن الخوف سيكون سيد الموقف؟ المؤشرات المتوافرة لا تشي بأن أي إجراءات ملموسة قد تتخذ، بل إن أعلى التقديرات لبا تتجاوز الموقف الكلامي، إن أتيح حتى اتخاذه.
أضعف من الحكومة ظهرت قوى “14 آذار” التي أبلغتنا أن المسؤول عما وصلت إليه الأمور هو “حزب الله” وكأن أحرار اللبنانيين لا يعرفون هذه الحقيقة. وإذ جاءت مطالبتها للحكومة باتخاذ إجراءات تدل على احترامها الدستور وصيانة العلاقات اللبنانية بالدول العربية، فإن أي إشارات عملية غابت عن مقررات اجتماعها. فهل ترضى “14 آذار” ببيان سيكون مصيره مصير “إعلان بعبدا”؟
قد لا تكون هذه السطور المكان الصالح لنكتب ما يتوجب على دول الخليج أن تفعله تجاه لبنان في زمن المواجهة المفتوحة، لكننا حتماً يمكن أن نتحدث عما يمكن أن تفعله القوى السياسية، والذي ليس أقله الاستقالة لوضع “حزب الله” أمام مسؤولية الحفاظ على البلد أو أن يكون سبباً فعلياً في تدهور الأمور إلى أسوأ السيناريوهات. وإذا كان الحزب يتلطى وراء بعض صغاره لاستغلال الظرف وتسويق طرح المؤتمر التأسيسي في هذا التوقيت بالذات، فإن عليه وعلى أبواقه أن يعوا أن الأمور لن تكون بالسهولة التي يتصورونها.
التحدي الفعلي رسم اللواء أشرف ريفي حده الأدنى وعلى القوى السياسية السيادية أن تلاقيه بخطوات لا تقل أهيمة لتستعيد قرارها المُصادر وتستحق ثقة الناس أولاً. على الفرقاء التحرر من العبثية السياسية التي أسرهم فيها “حزب الله” وسط جو كامل من الفراغ في السلطة وفي تطبيق القانون.
المسألة اليوم ليست محصورة في هبة سعودية قرر الواهب منعها عن البلد بل في أن ذلك يجب أن يفتح عيون الجميع على خطورة الذي أوصلنا إليه السكوت وغض النظر عن ممارسات “حزب الله”، والذي تحول تدريجاً إلى قوة تخطت بُعدها اللبناني لتستجر على البلد التدخل الخارجي ولتدفع بنا جميعاً إلى هاوية سحيقة، وللأسف اليوم نحن نفتقد الرجال القادرين على التصدي بالموقف أو بالتحرّك لا بالبيانات والتغريدات.