IMLebanon

عودة «التوأم السام» إلى القطاع المالي الأوروبي

مصرف يونيكريدت الذي يعد واحدا من مصارف منطقة اليورو التي باتت تملك مستوى أقل من الرفع المالي
مصرف يونيكريدت الذي يعد واحدا من مصارف منطقة اليورو التي باتت تملك مستوى أقل من الرفع المالي

فولفجانج مونشاو

الاضطراب في الأسواق المالية الأوروبية في الآنة الأخيرة كان حدثاً فاصلاً. ما شهدناه لم يكُن بالضرورة بدايات سوق هابطة في الأسهم، أو نذيرا غير مؤكد بحدوث ركود في المستقبل. ما شهدناه – على الأقل هنا في أوروبا – هو عودة الأزمة المالية.

في بعض النواحي، النسخة الثانية من أزمة منطقة اليورو قد تبدو أقل إثارة للخوف من الأصلية، لكنها أسوأ في نواح أخرى. عوائد السندات ليست مرتفعة للغاية بقدر ما كانت في ذلك الحين. ومنطقة اليورو الآن تملك مظلة إنقاذ. والمصارف تملك مستويات أقل من الرفع المالي.

لكن النظام المصرفي لم يتم تنظيفه بعد، فهناك كثير من المُقرضين الذين على وشك الإفلاس ـ وعلى عكس عام 2010 نحن في بيئة انكماشية. فالبنك المركزي الأوروبي لم يُحقق هدفه الخاص بالتضخم منذ أربعة أعوام ومن المرجح ألا يفعل لأعوام مقبلة.

الأسواق تُرسل لنا أربع رسائل مُحدّدة. الأولى والأكثر أهمية هي عودة التوأم السام: التفاعل بين المصارف والأوراق المالية الخاصة بها sovereigns. الانخفاض الذي حدث أخيرا في أسعار أسهم المصارف تزامن مع زيادة في عوائد السندات في منطقة اليورو الطرفية. النمط مماثل لما حدث خلال فترة 2010-2012. عوائد السندات السيادية لم تصل تماماً إلى الارتفاعات المُذهلة نفسها، على الرغم من أن عوائد السندات التي مدتها عشرة أعوام في البرتغال بلغت 4 في المائة تقريباً.

ومن الواضح أن الجمع بين عوائد السندات المرتفعة، والسياسات المالية التوسّعية، وديون القطاعين العام والخاص المرتفعة باستمرار، ومعدلات النمو المنخفضة يعد أمرا غير مُستدام. قد يكون موقف إيطاليا أفضل من موقف البرتغال، لكنه لا يزال غير مُستدام. ارتفعت العوائد على السندات الإيطالية التي مدتها عشرة أعوام أكثر من 1.7 في المائة، بينما ارتفعت العوائد على السندات الألمانية أكثر من 0.2 في المائة بقليل. وتعد الفجوة، أو الهامش، مقياسا للضغط في النظام ـ وهو آخذ في الارتفاع مرة أخرى.

الأسواق المالية تُخبرنا أنها تفقد الثقة بتعهّد ماريو دراجي عام 2012 عندما وعد بفعل “بكل ما يلزم” للدفاع عن الدول الأعضاء في منطقة اليورو ضد أي هجوم مُضاربة. مع ذلك الوعد، أنهى رئيس البنك المركزي الأوروبي المرحلة الأولى من أزمة منطقة اليورو، لكنه فعل ذلك مقابل ثمن، هو أن الحاجة المُلحّة لحل المشكلات الهيكلية الكامنة اختفت فجأة.

الرسالة الثانية هي أن الاتحاد المصرفي في أوروبا قد فشل. الاتحاد المصرفي الذي انتهى إليه الاتحاد الأوروبي كان بمثابة تسوية سيئة: الرقابة المصرفية المشتركة ونظام القرار المشترك، لكن بدون تأمين على الودائع وبدون مساندة حكومية لإنقاذ المصارف المُتعثّرة.

وليس من قبيل المصادفة أن أسعار أسهم المصارف انخفضت تماماً في الوقت الذي دخل فيه التوجيه الخاص بإنعاش وحل المصارف الأوروبية حيّز التنفيذ. وتُحدّد التعليمات آلية إنقاذ مشتركة لأي مصرف مُتعثّر. وقد طبّقت إيطاليا هذا القانون العام الماضي في إنقاذ أربعة مصارف إقليمية، الأمر الذي تسبب في خسائر لحاملي السندات. ويخشى المستثمرون في مصارف أخرى أن يتم إنقاذها، أيضاً. وأحد الأسباب التي جعلت المستثمرين في “دويتشه بانك” يصابون بالذعر الأسبوع الماضي هو الكمية الكبيرة من السندات القابلة للتحويل في الحالات الطارئة “كوكو” التي أصدرها المصرف. ففي حال واجه المصرف أي مشكلات، هذه السندات ستتحوّل إلى أسهم، وستتم إزالتها على الفور إذا تم البدء بإجراء الحل.

الرسالة الثالثة هي أن توقعات السوق للتضخم في المستقبل عانت تحوّلا دائما. البنك المركزي الأوروبي يأخذ على محمل الجد التقديرات الخاصة بالتضخم المستقبلي المبنية على تطورات السوق – ربما بشكل جاد للغاية. قياسه المفضل هو معدل التضخم لأفق يراوح بين خمسة إلى عشرة أعوام. وقد انخفض هذا القياس في الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوياته على الإطلاق بنسبة تزيد على 1.4 في المائة بقليل. وهذا يُخبرنا بأن الأسواق لم تعُد تُصدّق أن البنك المركزي الأوروبي سيُحقق هدفه للتضخم البالغ أقل من 2 في المائة حتى على المدى الطويل.

الرسالة الرابعة هي أن الأسواق تخشى أسعار الفائدة السلبية. وهذا لأن الغالبية العُظمى من المصارف الستة آلاف في أوروبا هي بمثابة وعاء مُدّخرات وقروض قديم الطراز: تأخذ الودائع وتُقرضها. وعادة ما تعمد المصارف إلى تعديل أسعار الفائدة التي تُقدّمها للمُدّخرين فيها تماشياً مع أسعار الفائدة التي يفرضها البنك المركزي الأوروبي عليها، والحفاظ على هامش ربح بين الاثنين. لكن إذا فرض البنك المركزي الأوروبي أسعار فائدة سلبية على المصارف، فهذا لن يكون ناجحاً بعد الآن. وإذا فرضت المصارف أسعار فائدة سلبية على حسابات الادّخار، فإن المُدّخرين الصغار سيأخذون أموالهم ويهربون. بالطبع، تستطيع المصارف تخفيض احتياطياتها في المصارف المركزية وإقراض الأموال بدلاً من ذلك. أو يُمكنها الاستثمار في الأوراق المالية المحفوفة بالمخاطر. لكن ذلك الاحتمال ليس بالضرورة أن يُطمئن المساهمين في المصارف أيضاً، خاصة إذا لم يروا فرص إقراض واستثمار جيدة.

وإذا نظرنا إلى الوراء، فالخطأ الجوهري الذي ارتكبته السلطات الأوروبية كان الفشل في عام 2008 في تنظيف نظامها المصرفي بعد انهيار “ليمان براذرز”. تلك كانت الخطيئة الأصلية. وعديد من الأخطاء الأخرى فاقمت المشكلة في وقت لاحق: سياسة التقشف المالي المُؤيدة للدورات الاقتصادية، وإخفاقات السياسة المتعددة للبنك المركزي الأوروبي، والفشل في إنشاء اتحاد مصرفي سليم. ومن المثير للاهتمام أن كل واحد من هذه القرارات كان في نهاية المطاف نتيجة الضغط الذي جلبه صنّاع السياسة في ألمانيا.