لوسي بارسخيان
يقف إقتصاد البقاع على عتبة سنة كاملة من جمود حركة التصدير البري الى الدول العربية، بعد إقفال معبر نصيب الأردني مع الحدود السورية، محملاً بمؤشرات سلبية حول حجم الصادرات الزراعية والصناعية، تكشفها شهادات المنشأ الصادرة عن غرفة التجارة والصناعة والزراعة في البقاع.
وفقاً للتقرير السنوي للغرفة، والذي لم ينشر بعد، فقد سجلت الصادرات تراجعاً “تراجيدياً” في حجم الصادرات الزراعية في سنة 2015، حيث بلغت قيمتها حوالي 210 مليارات ليرة، مقابل 310 مليارات ليرة في سنة 2014، وكذلك تراجعت الصادرات الصناعية بقيمة 30 مليار ليرة فبلغ حجمها 132 مليار و365 مليون ليرة في سنة 2015، مقابل 162 مليار في سنة 2014.
يشرح مدير الغرفة يوسف جحا لـ”المدن”، ان أسباباً عديدة أدت الى هذا التراجع في حجم الصادرات، واولها توقف الشحن البري للمنتجات بعد إغلاق معبر نصيب نهائياً في نيسان الماضي، وما سبقه من تدهور امني في سوريا التي تقلص حجم استيرادها بسبب أزماتها، وارتفعت كلفة شحن الترانزيت عبرها، وصولا الى البلبلة التي رافقت إقفال الحدود، والتأخر بإقرار آلية الدعم البحري ورصد المبالغ اللازمة له مدة 77 يوماً، ما أخر وصول الفاكهة والخضار الى الأسواق العربية في فترات ذروة الإنتاج.
النكبة الأساسية التي منيت بها صادرات البقاع، هي في أسواق الأردن والعراق وسوريا، التي كانت تستورد نصف الإنتاج اللبناني الزراعي عموما. فتراجعت الصادرات الزراعية الى الأردن الى 32 مليار ليرة مقابل 58 مليار ليرة في سنة 2014، والصناعية الى 11 مليار ليرة بمقابل 13 مليار في العام السابق. وكذلك تراجع حجم الصادرات الزراعية الى العراق من 20 مليار ليرة الى 8 مليارات ليرة، والصادرات الصناعية من 13 مليار الى حوالى 9 مليارات ونصف. وانخفضت قيمة الصادرات الزراعية الى سوريا نحو 34 مليار ليرة فبلغت 24 مليار ليرة في سنة 2015 بمقابل 58 مليار ليرة في سنة 2014، وكذلك تراجعت الصادرات الصناعية من 38 مليار ليرة في سنة 2014 الى 19 مليار في سنة 2015.
في السياق نفسه، يعتبر رئيس تجمع مزارعي البقاع وفلاحيه ابرهيم الترشيشي ان “الوضع الأمني في سوريا سبب رئيسي لتدمير القطاع الزراعي في لبنان”. متحدثا عن “واقع كارثي، يمكن خلاله التمييز بين مرحلة ما قبل 1 نيسان 2015 تاريخ إقفال معبر نصيب نهائيا، وما بعده.”
وبحسب ما يقوله الترشيشي لـ”المدن”، فإن الجسر البحري الذي دعمته الحكومة عبر مؤسسة إيدال “ليس سوى بديل لا يمكن ان يعوض خسائر الشحن البري، خصوصا ان الخطة التي وضعت لدعم فرق كلفة الشحن بين البر والبحر لم تؤد الى النتائج التي اردناها، ومنها تحسين سعر المنتج والحفاظ على اسواقنا في الخارج وتشغيل شاحناتنا، وتأمين التنافس بين شركات الشحن لخفض الأسعار”، متحدثا عن “شركة واحدة إحتكرت الخط البحري، خصوصا ان حجم الانتاج المصدّر لم يشجع شركات أخرى على تقديم عروضاتها”.
ويشرح ترشيشي ان الأسواق الأقرب الى لبنان، اي العراق والاردن، صارت أبعد نتيجة لإغلاق الحدود البرية. وأصبحت الرحلة الى الاردن، التي تعتبر ثاني اقرب بلد الينا تمر عبر مرفأ الإسكندرية ومن ثم ضبا، وصولا الى الأردن. وكذلك ارتبط تصدير المنتجات الى العراق بالجسر البحري الممتد الى مرفأ مرسين في تركيا، مع ما يعنيه ذلك من زيادة في اكلاف التصدير، وتأخير وصول المنتجات الى الأسواق في الأوقات المحددة، والزامية تحميل البضائع دفعة واحدة ما يؤدي الى إغراق الأسواق الخارجية بالمنتجات وبالتالي خفض أسعارها.
وعليه، يطالب الترشيشي بإعادة النظر بخطة دعم الشحن البحري لجهة دعم التصدير بواسطة الحاويات اسوة بالبرادات، على ان يصل الدعم الى المصدر بدلا من البراد مباشرة. في المقابل فإن نائب رئيس مجلس ادارة غرفة التجارة، وأحد مشغلي بواخر نقل البضائع اللبنانية، منير التيني، لا يرى مانعا في ذلك، شرط ان يسدد المصدر كامل كلفة الشحن مسبقا، خصوصا ان “ردّيات” ايدال لا تدفع مباشرة، وشركات الشحن تتحمل الأمر على عاتقها حاليا وهي لا تثق بقدرة المصدّر على تحمّل هذا التأخير في تسديد كلفة الدعم. ويصوب التيني من وجهة نظر إحدى شركتي الشحن البحري العاملتين على خط تصدير الإنتاج اللبناني، بعض ما قيل عن معوقات الشحن البحري. مستندا الى أرقام غرفة التجارة عن إعداد شهادات المنشأ الصادرة بين مرحلتي إقفال الحدود البرية وإطلاق “الجسر البحري” ابتداء من 5 آب 2015.
وفقا لتلك الأرقام، يتدنى عدد شهادات المنشأ منذ بداية عام 2015 على الشكل التالي: 844 شهادة في شهر كانون الأول، 632 شهادة في شهر شباط، 653 في آذار، ليسجل العدد الأقل من الشهادات عند توقف الحدود البرية نهائيا في شهر نيسان، فبلغ عددها 468 شهادة، و650 شهادة في أيار، و922 شهادة في حزيران، و699 شهادة في تموز، علماً ان هذه الأشهر تعتبر الأهم بالنسبة لتصدير الفاكهة، ويعود الرقم ويرتفع الى 943 شهادة في آب، 1043 شهادة في ايلول مع إنطلاق دعم الشحن البحري، و1068 شهادة في تشرين الاول، ليعاود الانخفاض إلى 814 شهادة في تشرين الثاني، و804 شهادات في كانون الأول.
في المقابل ينفي التيني اي إحتكار للتصدير البحري، لأن “مجال المنافسة مفتوح للجميع، ولكن معوقاته هي في حجم التصدير الذي يتراجع كثيرا في مثل هذه الفترة من السنة”، ويوضح ان هناك ثلاث بواخر تعمل حاليا على خط الشحن البحري، واحدة باسم “بقاع درييم Bekaa dream” ملكيتها مشتركة بينه وبين عادل التيني ومحمد عبد الفتاح، وأخرى “أزوف AZOV” مستأجرة للمشغلين أنفسهم، وهناك باخرة “ميد بريدج Med bridge” يشغّلها محمد يوسف من طرابلس. ويشير التيني الى ان البواخر عدّلت مسارها بما يتناسب مع حاجة المصدر، وصارت كل باخرة تتجه الى مرفأ ضبا في السعودية تعرّج أيضا على مرفأ العقبة في الأردن الذي ارتفع عدد البواخر المتجهة اليه بعد أن وافقت “ايدال” أخيرا على دعم الشحن البحري اليه بمبلغ إضافي قدره ألف دولار. ويؤكد أن “كلفة الشحن البحري على المصدر حاليا هي أدنى من المستويات التي وصلت اليها كلفة الشحن البري نتيجة لأوضاع سوريا المتأزمة”. ويلفت في المقابل “الى تراجع كبير في تسيير البواخر بإتجاه مرفأ مرسين في تركيا، وذلك نتيجة فرض التأشيرات على السائقين السوريين، علما ان وجهة البضائع المرسلة الى هذا المرفأ كانت نحو روسيا واوكرانيا، وقد تأثرت بتوتر العلاقات بين تركيا وروسيا”. ويؤكد التيني “ان لبنان لم يخسر سوق العراق بسبب أزمة الشحن البري، بل لكون العراق اصبح يعتمد على إيران في تأمين المنتجات الشبيهة الى حد بعيد بالمنتجات اللبنانية”.