IMLebanon

المخاطر الخارجية تُقلق المصارف اللبنانية

associations-lebanese-banks
محمد وهبة

يركّز المصرفيون في هذه الأيام على المخاطر الخارجية. يرون ان ساحة عملهم المحلية محميّة بالهندسات المالية التي ينفذها مصرف لبنان. وهي هندسات تسعى الى جذب العملات الأجنبية اللازمة لتكوين احتياطات تعينه في سياسة تثبيت سعر صرف الليرة، الا انها تحمي ربحية المصارف، عمداً أو صدفة.

في الأسواق الخارجية يختلف الامر تماماً، إذ تبدو هذه المخاطر مرتبطة بظروف خارجة عن السيطرة، على الرغم من كل التدابير المفروضة محلياً لتجنّبها. أبرز مصدرين لهذه المخاطر يأتيان من الولايات المتحدة الأميركية، ومن المصارف العالمية التي تتدهور أوضاعها، بحسب ما ورد في اللقاء الشهري الأخير بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومجلس إدارة جمعية المصارف ولجنة الرقابة على المصارف.
اللقاء الشهري المنعقد في 12 شباط 2016. تضمّن 5 نقاط أساسية، وهي جميعها متصلة بعلاقات المصارف مع الخارج وانعكاس التطورات الخارجية عليها. في البداية تطرّق سلامة إلى «التقلبات الحادة التي تشهدها الأسواق العالمية، والتي تعود إلى تباطؤ النمو، وخصوصاً في الصين، وإلى انخفاض أسعار المواد الأولية، ولا سيما البترول، واستمرار معدلات الفوائد السلبية». ثم أوضح أن هذه المخاطر أدّت إلى تراجع نتائج المصارف المنتشرة في العالم، لكن «في لبنان، المصارف محيّدة عن بعض هذا الأثر لكونها تلتزم التعاميم القاضية بعدم التوظيف في الخارج لأكثر من 50% من رؤوس أموالها، وفي دول ذات درجة تصنيف تعادل أو تفوق درجة الاستثمار، وعليها أيضاً احترام سقف تسليف نسبته 50% من قيمة محفظة الأسهم والسندات المفترض الاحتفاظ بها وإداراتها في حسابات مستقلة».
هذه الحماية أمّنت للمصارف عازلاً عن الأزمة المالية التي انفجرت في نهاية عام 2008، إلا أنها تبقي انكشاف المصارف على الخارج مفتوحاً. حتى الآن، تبيّن للجنة الرقابة على المصارف أن انكشاف المصارف على أزمة «دويتشه بنك» (راجع التقرير الذي نشرته الأخبار عن أزمة دويتشه بنك على الرابط الآتي: http://www.al-akhbar.com/node/252168) لا يزيد على 400 مليون دولار، أي إنه رقم صغير قياساً على موجودات المصارف التي تزيد على 185 مليار دولار.

سلامة دعا المصارف إلى عدم القلق، الا ان تطميناته لم تمنع المصارف من الاستفسار عن انعكاسات أزمة دويتشه بنك وغيره من المصارف العالمية على لبنان. وبحسب التعميم الداخلي الموزّع على ادارات المصارف، الذي يلخّص محضر اللقاء الشهري، ورد ما يلي: «أثارت الجمعية تساؤلاً عن الانعكاسات الممكنة علينا من جراء تدهور قيمة أسهم وسندات بعض المصارف العالمية كدويتشه بنك وغيره (أسعار السوق 30% من قيمتها الدفترية). فرأى الحاكم أنها (أي تدهور قيمة الاسهم والسندات) واقعة بين ارتفاع أعباء التحقق والالتزام لديها من جهة، وضرورة تحقيق أرباح من جهة ثانية، ويراقب المستثمرون كيف ومن أين ستحقق هذه المصارف أرباحها، متوقعاً أن تغيّر هذه المصارف من أنماط ونماذج عملها».
انكشاف لبنان على الخارج ستكون له تداعيات كبيرة على تحويلات المغتربين اللبنانيين. فقد قال سلامة إن «تراجع أسعار النقد (في الدول) ينعكس حكماً على حجم التحويلات، ولكنه في المقابل يوفر على خزينة الدولة مبالغ كبيرة ساعدت على ضبط العجز عند حدود مقبولة». المقصود بهذا الأمر، أن الدول التي تعتمد على صادرات النفط لتمويل موازناتها، أصبحت الآن في وضع مختلف بعد تدني سعر برميل النفط إلى أقل من 35 دولاراً مقارنة بـ100 دولاراً قبل نحو سنتين، وهذا الأمر انعكس سلباً على إنفاقها الاستثماري، واثّر سلباً في أسعار بعض العملات، وبالتالي فإن مجمل هذا الوضع انعكس سلباً على تحويلات المغتربين العاملين في تلك البلدان، لكن انخفاض اسعار النفط أثّر إيجاباً في الفاتورة النفطية التي تموَّل من جيوب اللبنانيين ومن الخزينة العامة.
قاد النقاش في هذا الأمر نحو موضوع آخر طرحته المصارف على طاولة اللقاء الشهري، يتعلق بالزيارة المرتقبة من مؤسسات التصنيف الدولية إلى لبنان. المصارف سألت عن مصير «درجة التصنيف السيادية»، ولا سيما أنه «على الرغم من تراجع أسعار المحروقات وانخفاض تحويلات الخزينة إلى مؤسسة الكهرباء، يستمرّ عجز المالية العامة وعدم انجاز الاصلاحات المطلوبة». سلامة علّق على الأمر مستبعداً «لجوء مؤسسات التصنيف إلى خفض التصنيف، إذ لم تتدهور الأوضاع المالية على الرغم من عدم إقرار الاصلاحات»، ولفت إلى التوقعات عن أسعار البترول للفترة المقبلة، التي تراوح بين الانخفاض إلى ما دون مستواها الحالي، أو الارتفاع إلى حدّ أقصى يبلغ 50 دولاراً للبرميل، «أي إنه ليست هناك عودة إلى المستويات السابقة، لكن يمكن تجنّب ارتفاع فاتورة المحروقات من خلال إنجاز عقود تسليم طويلة الأجل حالياً».
أيضاً، كانت هناك مخاطر خارجية إضافية نوقشت في اللقاء الشهري. فقد طلبت جمعية المصارف توضيح المادة الثانية من قرار مصرف لبنان الاساسي الرقم 136 الصادر في 22/12/2015. هذا القرار يلزم المصارف مراقبة لوائح الأسماء الواردة على اللائحة السوداء لمجلس الأمن، وتجميد الحسابات الواردة على هذه اللائحة وإبلاغ هيئة التحقيق الخاصة عنهم، وتشير المادة الثانية منه على أنه يطبق هذا القرار على الفروع والمؤسسات الشقيقة أو التابعة للمصارف خارج لبنان. لذلك سألت المصارف: «إن التشريعات والنظم المعمول بها في بعض الدول، حيث تعمل المصارف اللبنانية، تمنع أعطاء أسماء أو معلومات عن عمليات وأسماء الزبائن في دولها». فردّ سلامة بأن التعميم 136 لا يطلب إليهم تبليغ هيئة التحقيق في لبنان عن عملاء لهم في الخارج أدرجت أسماؤهم على لوائح عقوبات الأمم المتحدة، بل إبلاغها للسلطات المعنية في الدول التي هم فيها».

الاتصالات مع واشنطن

قال رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه إنه تلقى كتاباً من القنصل العام ونائب الرئيس التنفيذي للبنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي ـــ نيويورك، توماس باكستر، يتمنى فيه على جمعية مصارف لبنان، أن ترعى، جنباً إلى جنب مع اتحاد المصارف العربية، المؤتمر الذي سيعقد في 18 نيسان 2016. وبحسب طربيه، فإن الجمعية ستستكمل بعد مؤتمر نيويورك زيارتها إلى واشنطن، التي كانت قد تأجلت في مطلع كانون الثاني بسبب الطقس.
طلب حاكم مصر لبنان رياض سلامة من المصارف تكثيف تحرّكاتها في اتجاه المصارف المراسلة، وتحديداً مع مسؤولي الالتزام لديها (Compliance Officers)، نظراً لأهمية موقعهم، في ما خصّ استمرار العلاقة، وتجنب الـــ De Risking. يأتي هذا الطلب بعدما أقرّت الولايات المتحدة قانوناً لمكافحة تمويل حزب الله حول العالم.