Site icon IMLebanon

هل تنجح طرابلس بإعادة تموضعها كبيئة جاذبة للاستثمار؟

رائد الخطيب

تحاول طرابلس جاهدةً الخروج من كبوتها الاقتصادية التي باتت ملحوظة ومتداولة في الأروقة السياسية والاقتصادية، ومع ارتفاع صرخات الحراك المدني فيها. فمعظم المؤشرات التي تخرج بين الفينة والأخرى سواء منها الرسمية أو غير الرسمية، بمعظمها سالبة، ومن شأنها أن تنذر بكارثة تحيط فيها. يكفي مثلاً ان يعطي مؤشر البطالة دلالةً على عمق الأزمة، وهو ما يتشكل معهُ خط طويل من الفقر المنتشر كالفطريات في أرجاء المدينة بعدما كان منحصراً في أحزمة البؤس التقليدية المحيطة بالعاصمة الثانية، والذي يزيد عن نصف سكان المدينة. وأضيف الى هذه الأزمة عامل آخر، والمتمثل بتدفق النازحيين السوريين الى المدينة، والذين يقدرون بالآلاف.

تبدو طرابلس بيئة طاردة للاستثمار مقارنة مع المناطق الأخرى، رغم استراتيجية موقع العاصمة الثانية، والموارد البشرية التي تختزنها. فعدم وجود بنية تحتية مشجعة لإجتذاب رؤوس الأموال، والتكلفة المرتفعة نتيجة انقطاع الكهرباء، وتكاليف الضمان والضرائب، التي لا تشجع المستثمر على التوظيف في مشاريع انتاجية محلية، وعدم التوافق السياسي لانتاج خطة انقاذ اقتصادية، والذي يفرض نفسه على ايقاع المجالس البلدية، بالاضافة الى جملة أسباب يتسع المجال لتعدادها، كل هذا جعل طرابلس تبتعد عن دائرة الضوء الاقتصادية. فنسبة الإيداعات الشمالية في المصارف اللبنانية هي 5.5 في المئة من مجمل الإيداعات، كما أن نسبة التسليف المصرفي لمشاريع القطاع الخاص في الشمال لا تتعدى 3,5 في المئة.

من هنا، تتجدد المطالب باعادة تشغيل مطار الشهيد رينه معوض الذي يوفر ما يقارب 5 الاف فرصة عمل، وتطوير وتشغيل منشآت النفط في طرابلس والتي توفر ما يقارب 3 الاف فرصة عمل، وتجهيز وتحديث مرفأ طرابلس أسوة بمرفأ بيروت والذي يوفر 3000 فرصة عمل، وتأهيل وتشغيل معرض الشهيد رشيد كرامي الدولي والذي يوفر ما يقارب 10 الاف فرصة عمل.

قبل سنتين، حققت طرابلس جزءاً من سلة مطالبها، وهي سكة الحديد، وانشاء مشروع المنطقة الاقتصادية بالاضافة الى مرأب التل. إلا ان التقدم على المشاريع الأخيرة بطيء بسبب الاحداث السورية ان بالنسبة الى سكة الحديد، أو بالنسبة الى العراقيل التي تواجه المنطقة الاقتصادية أو على صعيد مرأب التل.

إزاء هذه الصورة التي تميل الى السوداوية، تحاول لجنة متابعة انماء طرابلس، اعادة التموضع بالنسبة للترتيبات المطلوبة، لاعادة اطلاق عجلة النمو الاقتصادي سواء بالتعاون مع نقابة المهندسين في الشمال أو غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال أو المؤسسات الرسمية والخاصة ومن ضمنها المصارف. وهي لهذه الغاية، عقدت مؤتمراً مهماً في حزيران 2014، لاطلاق صرختها للحد من انتشار البطالة واستنهاض الاقتصاد الطرابلسي النائم. ورغم الأزمة السياسية والاقتصادية التي تشل البلاد، ومن ضمنها طرابلس، إلا ان عمل اللجنة لم يفتُر ولم يصل الى حائط مسدود، بل إنها تشد الرحال الى عقد مؤتمر استنهاضي في 27 الشهر الجاري في طرابلس، برعاية الرئيس ميشال سليمان، عن «التحديات والفرص الانمائية في طرابلس»، في محاولة لاعادة ضخ الجاذبية الاستثمارية نحو العاصمة الثانية.

ربى دالاتي نائب نقيب المهندسين في الشمال ورئيسة فرع المهندسين الموظفين، والمشرفة على المؤتمر، تشير الى أن لجنة متابعة انماء طرابلس التي تضم، بالاضافة الى المهندسين الموظفين وشرائح واسعة من المجتمع المدني، تعمل منذ انطلاقتها على انماء العاصمة الثانية، خصوصاً وان طرابلس تعاني كثيراً من مشكلات اجتماعية، يأتي في طليعتها الفقر والتسرب المدرسي وما الى ذلك. وبالتالي، فإن مؤتمر «نحو التنمية الاستراتيجية لمدينة طرابلس»، الذي انعقد في حزيران 2014، «ركزنا فيه على أهمية الفكرة التشاركية، أي اشراك جميع المتخصصين وجماعة المجتمع المدني، بالآراء للوصول الى نتيجة ترضي الجميع، وتم التواصل مع صندوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، الخبراء في هذا المجال. واجرينا دورتين للتدريب على المراحل المهمة للتخطيط الاستراتيجي الشامل، من متطوعين ممن أرادوا التعاون لاحقاً مع البلدية وصندوق التنمية، لوضع مخطط توجيهي شامل للمدينة عبر الطريقة التشاركية. وكان من توصيات المؤتمر آنذاك تشكيل لجنة متابعة، لجنة متابعة الانماء، وتضم موظفين ومهندسين من مختلف الاختصاصات وناشطين من المجتمع المدني. ووضعت اللجنة خطة بشكل تشاركي، أمنت احصاءات عن أوضاع مدينة طرابلس، وتحديد المشكلات والحلول المطلوبة، وتم تحديد موعد لمؤتمر ينعقد اواخر الشهر الجاري».

وتقول دالاتي، «إننا فعلياً، وإزاء المؤشرات السالبة عن مدينتنا، أمام كوارث مجتمعية. والهدف من المؤتمر التوعية حول المشكلات التي نواجهها، وبالتالي حض الجميع على الوعي بها وبالتالي التفاعل، والخروج باقتراحات لحل المشكلات والانتقال من الاطار النظري الى الاطار التطبيقي. والمحور الاول الذي سيقوم عليه المؤتمر يتعلق بتحديد المشكلات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، والمشكلات السياسية والامنية التي اثرت على صورة المدينة ومدى آثارها السلبيىة، والتي غالباً ما يتم دفع ثمنها سواء في انعدام فرص العمل أو هجرة الشباب. اما المحور الثاني فيتعلق بالعملية التنفيذية، والتي تتعلق بالسياسات الانمائية، وقد قسمت على مرحلتين وتتعلق بالاستراتيجيات الانمائية بعيدة المدى واخرى قصيرة المدى. في ما يتعلق بالاستراتيجية بعيد المدى، نقول ان موجة من الفساد تسود البلد، وطرابلس مثلها مثل غيرها أيضاً فيها من الفساد، وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك نمو إلا بالحد من انتشار الفساد. واجرينا مجموعة من الابحاث عن الدول التي كافحت ظاهرة الفساد وكانت الافضل في هذا المجال سنغافورة، التي انتقلت من بلد يعشعش فيه الفساد بشكل كبير الى دولة شبه خالية منه الآن، وذلك من خلال ما شكلته الحكومة السنغافورية من لجنة لمكافحة الفساد، حيث تم اعتماد التطبيق الدولي، كوسيلة أدخلت في المؤسسات العامة كافة والوزرات وادخال المكننة لتأمين الشفافية، ومنعت الرشاوى. وبالتالي، سنبرز كل الوسائل التي اعتمدتها سنغافورة أو بقية الدول الشبيهة التي تخلصت من الفساد. واحدى السياسات بعيدة المدى وضع خطة لمكافحة الفساد، وطبعاً سيتطرق المؤتمر الى هذا الموضوع بشكل تفصيلي. وسيكون هناك ترشيد في القطاع المالي ولا سيما في الشق المصرفي منه، لتعليم الناس حول الافادة من برامج التحفيز والاستثمار وكل البرامج ذات الطابع الانمائي، بالاضافة الى المنطقة الاقتصادية الخاصة وكذلك المشاريع الانمائية المقترحة من قبل مجلس الانماء والاعمار ومدى الافادة منها خصوصاً، وان هذه المشاريع هي على المدى الطويل، والتي من شأنها تامين فرص عمل كثيرة.

وتلفت الى أنه في المحور الآخر المتعلق بالاستراتيجية قصيرة المدى، فسيتم التطرق الى السياسات قصيرة المدى التي من شانها تأمين فرص عمل، والتي ستتناول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. بالاضافة الى الاشخاص معدومي الدخل لتأمين فرص عمل سريعة لهم، وتشجيع الاستثمار السريع في المدينة، وذلك من خلال صندوق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، الذي لديه مكون خاص وهو خلق فرص العمل…»

وتقول دالاتي إن الهدف الاكبر للمؤتمر هو جذب الاستثمارات، ولا سيما على الصعيد التجاري والاقتصادي، أو على الصعيد السياحي حيث طرابلس هي المدينة الثانية بعد القاهرة لجهة الاثار المملوكية. بالاضافة الى مناطق الاصطياف والبحر المحيطة بطرابلس، وامكان الاستثمار في المجال التعليمي والذي من شأنه المساعدة في استقطاب تلامذة من الخارج الى طرابلس، وكل ذلك سيشكل رافداً مهما للعاصمة الثانية للتقليل من نسب الفقر وفتح أسواق العمل واستنهاض طرابلس اقتصادياً.

يبقى ان طرابلس التي تحتل موقع أفقر مدينة على البحر الابيض المتوسط، حيث عدد العاطلين من العمل يناهز الـ15000 شاب، رمى منهم الالاف خلال الاشهر الماضية في البحر، هرباً من الضائقة المالية والاقتصادية وتأمين مستقبل لا يمكن أن توفره الظروف الحالية لهم…فهل يفتح مؤتمر «التحديات» الباب للمواجهة ويواجه أزمة الغرق في مياه المتوسط؟