كتب عبدالله بارودي في صحيفة “الجمهورية”:
عادت الروح مجدداً الى قوى «14 آذار»، واستعادت جهوزيتها وعافيتها في لحظة تاريخية وعصيبة يعيشها لبنان، بعد قرار المملكة العربية السعودية وقف هبتها لتسليح الجيش اللبناني والقوى الأمنية.لعلّ ما صدر أمس عن اجتماع مجلس الوزراء السعودي، باستعماله عبارة «وقف» وليس «إلغاء» الهبة، والبيان الصادر عن وزارة الدفاع الفرنسية بمتابعة إجراءات الصفقة العسكرية على رغم القرار السعودي، قد أعطى الفرصة لقوى «14 آذار» تحت قيادة الرئيس سعد الحريري، للقيام بكلّ الوسائل المُتاحة، والخطوات الضرورية، أملاً في إعادة الأمور الى نصابها من خلال تصحيح العلاقة التاريخية مع المملكة، ومن ثمّ إقناع المسؤولين السعوديين باستمرار الهبة الضرورية والملحّة للجيش اللبناني والقوى الأمنية في ظلّ المواجهة المحتدمة ضدّ الإرهاب.
ويقول النائب أحمد فتفت لـ«الجمهورية»: «للأسف وصلت العلاقات اللبنانية – السعودية الى وضع أسوء ممّا كنا نتخيّل، بسبب رعونة البعض في اطلاق المواقف السياسية.
المشكلة أنّ البعض يصرّ على جرّ لبنان الى موقف عدائي تجاه المملكة العربية السعودية، ويحاول فرض سيطرته كحزب شموليّ على كلّ البلد، بما في ذلك السياسة الخارجية. والمؤسف أنّ وزارة الخارجية أصبحت ملحقة بـ»حزب الله» سياسياً وديبلوماسياً، ما وضع العلاقات اللبنانية – العربية، وليس فقط العلاقات اللبنانية – السعودية في مكان خطر جداً».
ويوضح فتفت: «المشكلة ليست في مؤشر توقف الهبة السعودية للجيش اللبناني والقوى الأمنية، بل سبق ذلك انسحاب البنك الأهلي السعودي من لبنان، وخطوات إعلامية سعودية كانت تنذر بالشرّ المستطير، لكن للأسف لم تحصل أيّ مبادرة لتجنّب ما حصل لاحقاً. والآن ما لم يتم تصحيح الأمور، أعتقد أننا مقبلون على خطوات تصعيدية من الجانب السعودي ستؤثر لا محال في الوضع الاقتصادي في لبنان».
ويأسف فتفت «لأنّ «حزب الله» يُظهر بأنه غير معني بمصلحة اللبنانيين، ومصلحة الاقتصاد الوطني. بحيث بدأت في الفترة الأخيرة اتهامات الحزب للدول العربية تصل الى حدود العمالة لإسرائيل، في حين أنّ الجميع يعلم اليوم مدى الترابط والتنسيق القائم بين الحزب وإيران وروسيا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى لمنع إسقاط النظام السوري.
هذا يعني أنّ «حزب الله» خرج تماماً من منطق العروبة، وانضمّ الى المشروع الفارسي في المنطقة، وبالتالي من الطبيعي أن نسير الى مواجهة خطيرة اذا لم ننصرف كلبنانيين بحكمة وسرعة، تُعيد تصويب الأمور من خلال القول لـ»حزب الله» إننا لن نسمح لك بالسيطرة على البلد».
«14 آذار» بدّدت الفرص
وعما يُحكى عن عتب سعودي على رئيس الحكومة تمام سلام، يقول فتفت: «الرئيس سلام ترأس هذه الحكومة لهدف محدّد، وهو التحضير لانتخابات رئاسة الجمهورية. لذا، فحكومته غير مؤهلة لتسيير شؤون البلاد والعباد طوال هذه الفترة.
من هنا، يجب أنْ لا نلوم الرئيس سلام كثيراً ونحمّله المسؤولية الكاملة في اعتباره يحاول قدر الإمكان في ظلّ ما تعيشه البلاد من وضع صعب الحفاظ على أكبر مقدار ممكن من التوازن بين جميع الأفرقاء اللبنانيين، وإن كنا نطالبه باتخاذ قراراتٍ أكثر صرامة وشدة، لأنّ استمرار سياسة غضّ النظر أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم وهو أمر لم يعد مقبولاً».
وعن تفهّم المملكة للتوازنات اللبنانية، يؤكد فتفت «أنّ التفهّم لا يمكن أن يكون من طرف واحد، فحين تدعم السعودية الاقتصاد اللبناني دائماً، وتعيد إعمار الضاحية الجنوبية والقرى الجنوبية عقب العدوان الاسرائيلي على لبنان في مختلف محطاته، لا يمكن أن تقبل أيضاً بأنْ لا يتفهّم اللبنانيون مصالحها الاستراتيجية، بل على العكس، يتخذ «حزب الله» ووزير الخارجية جبران باسيل، المواقف العدوانية في ظلّ ما تخوضه المملكة من معارك عدة في المنطقة».
ويُبدي فتفت ارتياحه الى صدور القرار السعودي، اثناء وجود الحريري في البلد، ويسأل: «كيف سيكون الوضع لو صدر هذا القرار والرئيس الحريري خارج لبنان؟ في طبيعة الحال، الأمر سيكون أصعب بكثير، خصوصاً لجهة معالجته».
ويضيف: «علمت من بعض المصادر أنّ الرئيس الحريري كان على علم مسبق بما سيجري، فأسرع الى لبنان لإنقاذ الموقف وتكوين جبهة داخلية تستطيع أن تصمد في وجه المخاطر التي تجتاحنا من كلّ الجهات في هذه المرحلة».
وعن المطلوب في الفترة المقبلة، يؤكد فتفت: «علينا فعل المستحيل لتهيئة الظروف الملائمة التي تجعل المملكة تعيد النظر في قرارها، من خلال الكتل النيابية، وجودنا داخل الحكومة، التنسيق مع قوى «14 آذار»، والحملات الإعلامية. كلّ هذه الوسائل مُتاحة أمامنا ونحن نحتاجها لأنّ هناك مخاطر كبيرة تحدق بالبلد.
وأعتقد أنّ قوى «14 آذار» أخطأت عندما لم يكن موقفها حازماً في مواجهة «حزب الله»، بحيث إننا دائماً كنا نقوم بتسويات مرحلية. للأسف «14 آذار» بدّدت الفرص، وفشلت في طريقة تعاطيها، واختلفت على سلطة لا تملكها، لأنّ بعض القوى المنضوية تحت لوائها لديه أولويات تكتيكية على حساب الأولويات الاستراتيجية في المجابهة السياسية.
فإنّ سألتها اليوم عن أبرز الموضوعات السياسية سيكون الجواب الانتخابات الرئاسية أو الوضع الاقتصادي أو حتى الانتخابات البلدية، في حين أنّ المشكلة الرئيسة هي وجود «حزب الله» كطرف مسلّح داخل لبنان».