إينزا فريدي
أكدت مجموعة من الدراسات الاقتصادية أن المهاجرين في ألمانيا يتوجهون بدرجة أكبر إلى الأعمال الحرة مقارنة مع السكان الأصليين. فهل ينطبق الأمر على اللاجئين السوريين، الذين وصلوا إلى ألمانيا خلال العام الماضي؟
بعد موجة اللاجئين إلى ألمانيا خلال العام الماضي يُطرح سؤال مفاده: هل ستترتب عن هذا المد موجة تأسيس الشركات الخاصة؟. العديد من الدراسات التي اهتمت بالموضوع تبعث على الأمل. فقد قارن المرصد العالمي لمراقبة الأعمال (GEM)، أنشطة تأسيس الشركات في حوالي 60 بلداً أوروبيا، وخرج بنتيجة “مستقرة جدا”. ولا تنطبق هذه النتيجة على ألمانيا فقط بل تشمل معظم الدول الأوروبية. في هذا الصدد يقول رولف ستيرنبرغ، أستاذ الجغرافيا الاقتصادية في جامعة هانوفر ومدير معهد “GEM” في مقابلة مع DW: “الأشخاص الذين يهاجرون إلى بلد جديد يكون معدل المبادرة لتأسيس الشركات لديهم، أكبر من الناس الذين عاشوا لفترة طويلة في نفس البلد، أو ولدوا فيه”.
وبدوره أكد المرصد التابع للمصرف الألماني “KfW” أن “المهاجرين في ألمانيا يجرؤون بصورة متزايدة على الاتجاه نحو العمل الحر، ويشغلّون عددا أكبر من العمال مقارنة مع أصحاب الأعمال الحرة المولودين في ألمانيا. فحوالي واحد من كل خمسة من مؤسسي الشركات في ألمانيا لهم أصول أجنبية أو لديهم جنسية أجنبية”.
هل النتائج قابلة للتعميم؟
رغم هذه النتائج الإيجابية يجب أن نسأل أولا إن كانت مثل هذه الدراسات قابلة للتعميم على اللاجئين الذين وصلوا مؤخرا إلى ألمانيا. وينصح الخبير رولف ستيرنبرغ بالحذر من هذه النتائج. “يجب النظر بعناية إلى العوامل التي تؤثر على احتمال تأسيس الأشخاص للشركات”. ومن بين تلك العوامل ـ يضيف الخبير الألماني ـ “التعليم، الذي استفاد منه اللاجئون في بلدانهم، وهل سبق لهم أو لآبائهم أن أسسوا شركات في بلدانهم، إضافة إلى معارفهم باللغة الألمانية”. فالعديد من اللاجئين لا يتوفرون على المعارفة اللغوية، على الأقل في البداية. ولهذا السبب “يجب أن تكون نتائج الدراسات حول توجه المهاجرين للأعمال الحرة ولتأسيس الشركات مقيدة فيما يخص اللاجيئن الوافدين مؤخرا، والذين يشكلون جزءا من المهاجرين”.
من جانبه يقول الباحث في علم الإجتماع رينيه لايشت من جامعة مانهايم، إن المهاجرين في ألمانيا ينحدرون من جنسيات وأصول مختلة، ويتنوعون بين القادمين من الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الأسكندنافية، وبريطانيا أو فرنسا. “خمس البريطانيين الذين يعملون في ألمانيا لديهم أعمال حرة، ونفس الشييء بالنسبة للأميركيين”. وعلى العموم فربع المهاجرين الذين يمتهنون أعمالا حرة جاؤوا من البلدان الصناعية الغربية. وبطبيعة الحال، فخلفية هؤلاء مختلفة عن اللاجئين القادمين من سوريا أو العراق أو أفغانستان.
وحتى إذا تم إسقاط نتائج الدراسات حول المهاجرين على اللاجئين، فإنها توضح أنه “رغم أن المهاجرين أكثر توجها لتأسيس الشركات، إلا أن احتمال فشلهم أكبر”. يقول رينيه لايشت، الذي يضيف، أن معدلات التوظيف الذاتي بين المهاجرين والألمان في نفس الدرجة.
غياب معلومات موثوق بها حول كفاءات اللاجئين
ومن بين المعيقات التي تحول دون تعميم نتائج دراسة المعاهد المذكورة على اللاجئين، هي أن أكثر من مليون لاجئ الذين قدموا إلى ألمانيا في عام 2015، لا تتوفر حولهم معلومات موثوق بها حول مستوى التعليم والتدريب المهني. رغم أن غالبية اللاجئين السوريين لديهم مستوى تعليمي أفضل مقارنة باللاجئين من عدة دول أخرى، “لكنا لا نعرف إذا كان الذين غادروا بلدهم لديهم مستوى تعليمي أفضل أم الذين يتوفرون على فرص أقل”، يقول رينيه لايشت.
معهد الأبحاث حول العمالة (IAB)، الذي يشرف عليه مكتب العمل الاتحادي، يرى أن موجة اللاجئين سيترتب عنها توجه كبير إلى تأسيس الشركات. في هذا السياق يقول هربرت بروكر رئيس قسم بحوث المقارنات الدولية والتكامل الأوروبي في المعهد: “أتوقع نسبة 10 بالمئة على الأقل إلى 15 بالمئة من اللاجئين سيتوجهون إلى الأعمال الحرة”. غير أنه يضيف أن تلك الخلاصات مبنية أساسا حول التجارب السابقة تجاه المهاجرين أو اللاجئين الذين قدموا إلى ألمانيا في الماضي. وفي الوقت الحالي يصعب إعطاء بيانات وتوقعات فعلية.
في المقابل يقول هربرت بروكر: “نحن لا نزال نتحدث عن 1.1 مليون لاجئ قدموا في العام الماضي إلى ألمانيا، ولايزال حوالي 800 ألف منهم هنا. وفي العام الحالي يصل عدد الأشخاص المؤهلين للعمل والذين تم قبول طلب لجوئهم إلى 400 شخص”.
وحسب التقديرات فالعدد مرجح لأن يرتفع خلال العام الجاري إلى 150 ألف لاجئ سيكونون رهن إشارة سوق العمل، سواء كمستخدمين أو أصحاب أعمال حرة. بيد أن هذه الأرقام تبقى ضيئلة جدا، يقول هربرت بروكر. أما بخصوص المهارات اللغوية، فيبدو بروكر متفائلاً، لأن الأعمال الحرة لا تشترط اتقان اللغة الألمانية على حد قوله.
ومع ذلك، فالخبراء متفقون على أن اندماج اللاجئين الجدد في سوق الشغل لن يحدث بوثيرة سريعة. كما أن آلاف اللاجئين لن يبدؤا في المستقبل القريب في العمل على حسابهم الخاص. ورغم أهمية العمل إلا أن بيتر شنيبر، نائب الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة بمدينة غيلسنكيرشن (ولاية شمال الراين وستفاليا)، يرى أن هناك قضايا أخرى أكثر أهمية، مثل الاندماج من خلال التعليم والتوجيه المهني وخاصة الاندماج في المجتمع.