Site icon IMLebanon

اللبنانيون ممنوعون من نعمة تراجع النفط

باسكال صوما – ساندي الحايك

في بلد اللا منطق، لا غرابة في أن تنخفض أسعار المحروقات عموماً أكثر من 60 في المئة، مقابل استمرار غلاء الأسعار الروتينيّ على ما هو عليه. في بلد اللا منطق أيضاً، لا أحد يسأل ماذا استفاد المواطن أو ماذا يفعل المواطن أو كيف يقسّم المواطن راتبه على مصاريف أكبر منه بكثير. فليس في الحكومة المشلولة من يتحدّث مثلاً في خفض أسعار النقل البري والتجاري، والسلع الإنتاجية الزراعية والصناعية. وفيما أصبح سعر ليتر البنزين أقلّ من 1000 ليرة، ما يزال ليتر الماء يُباع بـ5000 ليرة في المقاهي والمطاعم والفنادق، وما تزال الكهرباء على تقنينها القاتل، وأصحاب المولدات على أسعارهم العشوائية. وكان «يد السوق الخفية» تمسك برقبة أسعار السلة الغذائية فتمنعها من التراجع لتمعن في إرهاق كاهل المواطن في بلد يعاني نحو ثلث سكانه من البطالة.
بحسب مؤشر أسعار السلع والخدمات الأساسية للفصل الرابع من العام 2015 يظهر أنه بالرغم من تراجع أسعار النفط واليورو تستمر أسعار السلع الأساسية للعائلات في الارتفاع. ففي مقارنة بين الفصل الرابع من العام 2015 والفصل الثالث منه، يتضح أن انخفاض أسعار المحروقات قارب ما نسبته 8.37 في المئة، مقابل ارتفاع أسعار كل من الخضار 17.09 في المئة، واللحوم 0.24 في المئة، والألبان والأجبان 2.61 في المئة، والمواد المنزلية والشخصية 0.15 في المئة، والمعلبات والزيتون والحبوب 1.72 في المئة.
أما مقارنة الفصل الرابع من العام 2015 مع الفصل الرابع من العام 2014، فتُظهر أن أسعار المحروقات انخفضت بنسبة 26.89 في المئة، مقابل ارتفاع أسعار الخضار 9.61 في المئة، والألبان والأجبان 2.07 في المئة، والمواد المنزلية والشخصية 1.31 في المئة، والمعلبات وزيت الزيتون والحبوب 2.46 في المئة. في حين، انخفضت أسعار اللحوم بنسبة 5.16 في المئة.
وفي مقارنة لمعدل ارتفاع الأسعار في مقارنة الفصل الرابع من العام 2015 مع الفصل الثالث من العام نفسه، الذي بلغ 2.77 في المئة، مع معدل ارتفاع الأسعار في مقارنة الفصل الرابع من العام 2015 مع الفصل الرابع من العام 2014، الذي بلغ 1.71 في المئة، يظهر أن تدني القدرة الشرائية لدى المواطنين يزداد من فصل إلى آخر عوضاً عن تعزيزها مع انخفاض أسعار المحروقات لاسيما في العام 2015.
وبالتالي، لم يُسجّل اللبنانيون في ميزان ربحهم سوى 50 غراماً إضافياً على زنة ربطة الخبز.
في هذا الإطار، يرى رئيس «جمعية حماية المستهلك» زهير برو أن «الشعب اللبناني يسمع شعراً في الاقتصاد الحر منذ عقود طويلة، لكننا في الحقيقة في بلد معلّب تتحكم فيه الاحتكارات الاقتصادية – السياسية التي ترفض الضوابط أو وضع حدود لجشعها، ومنها رفضها حتى اليوم صدور قانون للمنافسة من جهة، وعدم تطبيق القرار الرقم 196/1 الذي يحدد نسب أرباح مجموع التجار (جملة ونصف جملة ومفرق بـ30 في المئة) من جهة ثانية».
ويؤكد برو لـ «السفير» أن «السلة الاستهلاكية للمواطنين لم تختلف بل على العكس استمر ارتفاع أسعار السلع على الرغم من انخفاض أسعار المحروقات»، مشيراً إلى أنه «من دون إقرار سياسة اقتصادية شاملة سيكون مسار أسعار السلع موجّهاً دائماً نحو الارتفاع».

الكهرباء: التقنين مستمرّ
يبدو من البديهي السؤال عن أحوال التقنين، بعدما تراجع عجز الكهرباء 1.3 مليار دولار. ومن حيث الأرقام يفترض أن تكون موازنة الكهرباء للعام 2016 قد تراجعت مقارنة بالعامين الماضيين أكثر من 1200 مليون دولار، منها حوالي 700 مليون دولار في العام 2015، مقارنة بالعام 2014، إلا أن كل هذه التراجعات اللافتة للانتباه لم تنعكس تحسّناً في التغذية، ولم ترحم اللبنانيين من مصير التقنين المحتّم من مختلف المناطق اللبنانية وتعدّد فواتير المولدات.
فقد تراجع سعر طنّ المازوت في أقل من سنتين من حوالي 900 دولار للطن إلى حوالي 250 دولاراً حالياً، كما تراجع سعر طن الفيول أويل من حوالي 500 دولار إلى حوالي 150 و200 دولار، وبالتالي فإن موازنة كهرباء لبنان تراجعت بالنسبة للمحروقات فقط من حوالي 3000 مليار ليرة إلى ما دون 1600 مليار ليرة، ما يعني خفض 60 في المئة من العجز خلال أقل من سنة ونصف السنة.
لا ساعات التقنين قصّرت ولا الأسعار والتعرفات انخفضت. وما زال المواطن يئنّ تحت رحمة أصحاب المولّدات الذين ما زالوا لا يلتزمون بالتعرفة الرسمية، وكأنّهم يعيشون في كوكبٍ آخر، ولم يخبرهم أحد بأن صفيحة المازوت باتت بأقل من 10 آلاف ليرة، بتراجع أكثر من 70 في المئة في أقلّ من سنتين.

الزراعة: الأسعار مرتفعة
في القطاع الزراعي، أتى انعكاس تراجع أسعار المحروقات منذ حزيران 2014، على سعر المنتجات الزراعية أقلّ من المطلوب. ويعود ذلك بحسب رئيس «تجمّع مزارعي وفلاحي البقاع» ابراهيم الترشيشي «لكون المعابر البرية مقفلة، علماً أنّ لبنان في هذه الفترة من العام يستورد كميات كبيرة من الخضر من الأردن، بالاضافة إلى موجة الصقيع التي ضربت لبنان قبل 20 يوماً تقريباً، وقضت على قسم كبير من الخيم البلاستيكية».
في المقابل، يشرح الترشيشي لـ «السفير» كيف انعكس تراجع المحروقات على كلفة الإنتاج الزراعي، مشيراً إلى أنّ «انخفاض أسعار النفط، سمح ببدء إعادة تموضع الأسعار والتكلفة، إذ انخفضت الكلفة بالنسبة للمزارعين على أصعدة عدة: كلفة الفلاحة، كلفة الجرّار الزراعي، كلفة الريّ والكهرباء، أجرة النقل من السهل إلى محطات التوضيب ومنها إلى الخارج أو إلى الأسواق الداخلية». ويفيد بأن «المازوت كان يشكّل بين 15 و16 في المئة من كلفة الإنتاج الزراعي، اليوم انخفضت هذه النسبة إلى حوالي 10 في المئة، وهذا تراجع غير كافٍ، مقارنة بالتراجع الكبير الذي لحق بأسعار المحروقات على أنواعها». ويوضح الترشيشي أن «كلفة النقل من المرفأ إلى البقاع كانت في السنة الماضية 12 دولاراً للطنّ الواحد، أصبحت اليوم 9 دولارات»، مطالباً بأن «يراعي تراجع كلفة الإنتاج الزراعي التراجع العالمي لأسعار النفط»، متوقعاً من جهةٍ أخرى أن «تنخفض أسعار المنتجات الزراعية في وقتٍ لاحق، تماشياً مع الانخفاض العالمي الذي يلحق بكل السلع».

«اللبناني القبضاي»
كما هي العادة، لم يفوّت بعض اللبنانيين فرصة «التذاكي» للاستفادة من انخفاض أسعار المحروقات قدر المستطاع. إذ تخلت إحدى السيدات في منطقة زغرتا عن خدمات «الأوتوكار» (الباص المدرسي) التي تؤمنها المدرسة لطفليها. وأكدت لـ «السفير» أن «تكلفة نقل كل طفل في الباص المدرسي تصل إلى 700 ألف ليرة عن تسعة أشهر دراسية، أي مليون و400 الف ليرة عن الطفلين معاً. بينما مع انخفاض أسعار المحروقات لا أتكبّد أنا إن قررت نقل أطفالي بسيارتي نصف المبلغ الأصلي المطلوب».
من جهته، أقدم أحد أصحاب المولدات شمالاً على الاستغناء عن خدمات شركة الكهرباء، عبر تأمين التغذية الكهربائية المطلوبة لمنزله من مولداته الخاصة، نظراً لأن التكلفة المادية بالنسبة له باتت أقل بكثير مع انخفاض أسعار المازوت.

أسعار الحديد
مع انخفاض أسعار النفط عالمياً، انخفض أيضاً سعر طن الحديد. إذ تراجعت الأسعار بنسبة 23 في المئة، وتدنت لتتراوح بين 320 و300 دولار.
انخفاض أسعار الحديد لا ينعكس مباشرة على السوق المحلية، إلا أنه قد يؤدي إلى تراجع في أسعار العقارات المقرر بناؤها حديثاً. علماً أن سوق العقارات كان سجل تراجعاً أواخر العام 2015 وصل إلى حدود 8 في المئة.

هل تعود أسعار المحروقات إلى الإرتفاع؟
إذاً، على عكس معظم دول العالم، لم يستفد لبنان من الانخفاض الحاد في أسعار المحروقات عالمياً، بشكل مباشر. فكيف سيُترجم «الاتّفاق الرباعي» بين كل من السعوديّة وروسيا وقطر وفنزويلا، بعد اتخاذها قراراً يقضي بتجميد إنتاجها من النفط عند مستويات شهر كانون الثاني الماضي القياسيّة، بدلاً من خفضه؟ وهل تعود أسعار النفط ومشتقاته إلى الارتفاع؟
بحسب ما يوضح رئيس «تجمع الشركات المستوردة للنفط» مارون شماس فإنه «من الصعب أن تبقى أسعار المحروقات على ما هي عليه حالياً، فعودتها إلى الارتفاع أمر حتمي نظراً لكون ميزانيات الدول الكبرى في العالم قائمة بالدرجة الأولى على إنتاجها النفطي»، مشيراً إلى أن «ارتفاع الأسعار أو أقله عودتها إلى ما كانت عليه لن يتم بصورة مفاجئة بل على مراحل».

رسوم صفيحة البنزين
إن ثمن صفيحة البنزين 95 أوكتان اليوم هو 19400 ليرة منها 6824 ليرة رسم استهلاك (ضريبة + رسم القيمة المضافة) تعود مباشرة إلى خزينة الدولة، وهي تشكل ما نسبته 50 في المئة من ثمن المادة. وفي حال زيادة الرسم الجديد المطروح من قبل الحكومة، أي مبلغ 5 آلاف ليرة، سيكون مجموع الضريبة 12 ألف ليرة، أي ما يشكل 92 في المئة من السعر الحالي للصفيحة. ليكون بذلك المواطن يشتري «صفيحة ضريبة» وليس «صفيحة بنزين».