IMLebanon

الإقتصاد المنهك لا يقوى على قطيعة الخليج

NejmehSquare-BeirutDowntown

عزة الحاج حسن

ارتفعت وتيرة الخلاف اللبناني-السعودي على خلفية مواقف وزارة الخارجية اللبنانية، وأتت ترجمته بحرمان لبنان من المليارات الثلاثة التي وعدت بها المملكة لدعم الجيش اللبناني وسائر القوى الامنية (إضافة إلى باقي هبة المليار المخصصة للغرض نفسه)، ما رفع مستوى القلق في الأوساط الإقتصادية خوفاً من أن يتخذ الخلاف منحى تصاعدياً، فيبلغ حد القطيعة مع المملكة ومن بعدها دول الخليج العربي عموماً.

وفيما يقرأ البعض التباعد السعودي اللبناني كحالة ظرفية لا تتجاوز أبعادها حد المواقف السياسية، يذهب البعض الآخر الى اعتبار قطع العلاقات مع الرياض، الطلقة الأخيرة التي يمكن أن تودي بحياة لبنان الإقتصادية، وبين هذا وذاك وبعيداً عن السياسة، لا بد للأرقام أن تقول كلمتها وتقدّر الحجم الحقيقي للتوتر السعودي (الخليجي) – اللبناني وانعكاسه على الإقتصاد الوطني.

عند الحديث عن أزمة علاقات مع السعودية أو دول الخليج العربي عموماً، تتجه الأنظار بالدرجة الأولى الى سلة الودائع المصرفية التي تشكّل حصن القطاع المصرفي اللبناني بلا شك، والى مصير المغتربين اللبنانيين وما يحوّلون من أموال الى لبنان، فما هو حجم الودائع المالية السعودية والخليجية عموماً؟ والى أي مدى يتداخل الإقتصاد اللبناني باقتصادات الدول الخليجية؟

تلامس مجمل الودائع المالية في لبنان حدود 152 مليار دولار منها نحو 16 مليار دولار ودائع لغير المقيمين، أي أنها تتوزع على مجمل المودعين، عرباً وأجانب ولبنانيين مغتربين، وتقارب حصة المودعين العرب والخليجيين نحو الـ50% من الـ 16 مليار دولار، أي في حال حصول أسوأ السيناريوهات، وهو سحب مستوى الودائع السعودية والخليجية من المصارف اللبنانية، لا يمكن أن يشكّل ذلك أي خطر على القطاع المصرفي اللبناني الذي تفوق ودائع المقيمين فيه أضعاف غير المقيمين، لاسيما الخليجيين منهم.

وهنا يعلّق رئيس جمعية المصارف السابق فرانسوا باسيل في حديثه لـ “المدن” بالقول أن لا خوف على القطاع المصرفي من تدهور العلاقات السعودية اللبنانية، “ولكن لا يمكن تجاهل الخطر الذي يمكن أن يقع على التحويلات المالية من المغتربين اللبنانيين العاملين في الخليج والإستثمارات والأعمال التجارية، التي تتراوح سنوياً بين 4 و5 مليارات دولار، وإذا أضفناها الى تحويلات المغتربين فتصل بمجملها الى نحو 10 مليارات دولار سنوياً”.
موقف باسيل لا يختلف مع موقف الخبير الإقتصادي ايلي يشوعي الذي يرى أن مستوى الودائع من غير المقيمين، ليس بالأرقام الكبيرة نسبة الى حجم الودائع الإجمالية، “وتالياً فإن سحب ودائع خليجية من مصارف لبنان لن يشكل كارثة اقتصادية أو مصرفية، ويستدرك في حديثه لـ “المدن”، بالقول: “ولكن ذلك لا يعني أن التفريط بالعلاقات المشتركة مع الخليج عموماً والسعودية خصوصاً من مصلحة لبنان، إذ ما زالت المملكة حتى اللحظة على رأس المودعين والمستثمرين والمستوردين والسياح العرب”.

أما بالنسبة الى تحويلات المغتربين اللبنانيين فقد بلغت في العام 2015 نحو 7.5 مليارات دولار، وهي تتوزع وفق أرقام البنك الدولي بنسبة 21 في المئة من الولايات المتحدة الأميركية، و 14.5 في المئة من أوستراليا، و 13.5 في المئة من كندا، و 9.8 في المئة من ألمانيا، و8 في المئة من السعودية، أي أن المملكة العربية السعودية تأتي في المرتبة الخامسة عالمياً في تحويلات المغتربين الى لبنان والأولى عربياً.

ويكفي المرور سريعاً على أرقام التبادل التجاري ليبدو جلياً أن السعودية تحتل المرتبة الأولى في الشراكة التجارية مع لبنان ويبلغ حجم الصادرات اللبنانية الى دول الخليج العربي عموماً (المملكة العربية السعودية، الكويت، الإمارات العربية المُتحدة، سلطنة عُمان، قطر والبحرين) أكثر من 900 مليون دولار نصفها الى السعودية منفردة، وبحسب رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير فإن 70 في المئة من انتاج لبنان الزراعي يذهب الى الخليج نصفه الى السعودية فقط، و53 في المئة من الصناعات اللبنانية تتجه الى دول الخليج، ويرى شقير في حديثه الى “المدن” أنه في حال قررت دول الخليج والسعودية خصوصاً مقاطعة لبنان اقتصاديا فـ”على الإقتصاد اللبناني السلام”.

قد لا تكون الأرقام الواردة كارثية في حال ساءت العلاقات اللبنانية السعودية أكثر، ولكنها من دون شك أرقام محبطة للإقتصاد اللبناني، إن على المستويين المادي أو النفسي، وهي بالتالي يمكن أن تشكل ضربة قاسية للقطاعات الإقتصادية، لاسيما أنها تترافق مع عوامل توازيها سوءاً وعلى رأسها الأزمة السياسية المستمرة منذ أشهر، والعديد من العوامل الأخرى التي أنهكت الاقتصاد وجعلته اقتصادا هشاً أمام الأزمات.