كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:
حين يتباهى سمير جعجع أمام سامعيه وقارئي كلماته وما بين سطورها، أنّ جمهوره يتجاوز الشرنقة المسيحية وأنّ حزبه أكثر الأحزاب استقطاباً لمؤيدين من خارج «البيئة الأم»، لا يقصد الامتداد الشيعي ولا حتى البقعة الدرزية، وإنما يدلّ بإصبع الواثق على الجمهور السني.
يحقّ للرجل أن يحتفي بتلك الشعبية التي راح يراكمها. حتى القيّمين على هذا الشارع يعترفون له بمكانته في أذهان أبنائه. ذلك ما سمح له أن يرّد على «اللطشة» بـ«لسعة»، وذلك ما منحه أيضاً فرصة أنّ الجمهور المعترض على «نكتة» سعد الحريري «السمجة» هو مَن تكفّل بالدفاع عن رفيق السنوات الـ11 وأخذ القضية بصدره.
يوم وقف «حكيم معراب» على منبر 14 شباط في الذكرى السابعة لاغتيال رفيق الحريري يوجه التحيات الى المدن السورية: حمص، إدلب، درعا، حماه، الزبداني، دير الزور، دوما… بلغ أصداء التصفيق زوايا بيت الوسط كلها ومن خلفه الرياض.
بدا الرجل، المثقلة كتفاه بوصمة الماضي، أنّ باستطاعته التحرر من تلك الأثقال وفتح أبواب العالم العربي التي كانت موصدة بوجهه، ومحاكاة وجدان الشارع السنيّ وتطلعاته… الى أنّ تسللت «سوسة» الخلافات بين أبناء الصفّ الواحد، وصار لكل فريق أجندته الخاصة، وراحت الاختلافات تتراكم فوق بعضها البعض مهددة عمارة «14 آذار» بالانهيار.
يقول أحد المتابعين إنّ هذا التمايز ما كان ليحصل لولا سعي جعجع لإعادة تثبيت حضوره المسيحي، أو بالأحرى لتوسيع رقعته وكسر حاجز الماضي أيضاً، ولكن هذه المرة بينه وبين أبناء جلدته. يدرك جيداً أنّ رفع أرقام إحصاءاته لدى الجمهور المسيحي لن يحصل الّا في حال لجأ الى الخطاب المسيحي، مع ما يعني ذلك من «اشتباك بديهي» مع الفريق المستقبلي المتهم بالاستيلاء على مكتسبات المسيحيين، نيابة وموقعاً وحضوراً.
هكذا، كان الافتراق الأول حول مشروع «اللقاء الأرثوذكسي» لقانون الانتخابات الذي شكّل حينها صدمة، لا بل أشبه بصاعقة وقعت على رؤوس الزرق، اهتز بفعلها جدار الثقة بين الحليفين.
عاد سمير جعجع ولملم شظايا «نيرانه الصديقة» من خلال ارساء سفينته الانتخابية على برّ الاقتراح المشترك الدامج بين النظامين الأكثري والنسبي، والجامع بينه وبين «المستقبل» و«الاشتراكي» ليحفظ تماسك العلاقة مع «الحريريين». لكن غيمة الصيف العابرة تركت في نفوس الزرق قناعة راسخة بأنّ حكيم معراب يستدير نحو «مسيحيته» وسيصعب على العطار إصلاح ما أفسده… وستفسده اعتبارات «العودة المستجدة».
ومع الرئاسة الأولى، فاض إناء الاختلافات عن حافته ليصير خلافاً جدياً نُشر غسيله على جدران مواقع التواصل الاجتماعي وحتى على ألسنة أصحاب الأمر والنهي. هنا يختبئ جعجع خلف اصبع «ردة الفعل» في وقوفه الى جانب الجنرال، لأنّ المبادرة أتت من الحليف بترفيعه موقع سليمان فرنجية الى مرتبة مرشّح جدي، فكان لا بدّ من تدعيم «إعلان النيات» وتحويله الى تفاهم رئاسي. لكن بالنتيجة صار لقطبي «14 آذار»، مرشحان من «8 آذار».
عملياً، صار الرجلان على مفترق طرق، أو بالأحرى صار كل منهما على منصّة ترشيح. يقول المعنيون إنّ الأمر متفق عليه على قاعدة أنّ لا يفسد للودّ قضية. تمسّك كل منهما بمرشحه لا يعني أبداً أنّهما سيفترقان. جعجع لا يريد التضحية بعلاقته بالقطب السني ومَن خلفه، ولكن بالعكس هو متمسك بها، حتى أنّ الأمر ليس مطروحاً للمفاضلة بين حليفه القديم وحليفه الجديد.
و «الشيخ» قد يجد نفسه مضطراً لتقبّل الـ «نيو جعجع» بالشروط التي يفرضها على طبيعة العلاقة بسبب رفضه السير بالأجندة الزرقاء، لأنّه لا يريد إفلات يد حليف مسيحي صنّفه «المسيحي الأول» أي ميشال عون، بأنّه «قوي». ولهذا ثمة إرادة مشتركة للحفاظ على العلاقة، بما تبقى منها. لكنها قد تحتاج الى مزيد من الوقت كي تستعيد انتظامها.
كما أنّ التمايز في الملف الرئاسي لا يعني بنظر المدافعين عن التفاهم العوني ـ القواتي أنّ جعجع استسلم لهذا الافتراق، ليُدفع الثمن من جيب ترشيح عون اذا ما أصرّ الحريري على خياره الزغرتاوي، خصوصاً أنّ جعجع يتعهد بتصحيح العلاقة بين الرابية وبيت الوسط.
يقول المدافعون إنّهم يكفيهم ورقة «اللا مقاطعة» التي قدمها الحريري ليلتئم النصاب القانوني، ويتكفّل حلفاء الجنرال، بالباقي. لتلك «التمريرة» قيمتها ولا بدّ من البناء عليها.
بنظر هؤلاء فإنّ تأكيد الحريري بعدم استخدام ورقة الميثاقية هو نقطة يمكن استخدامها في سياق تعزيز مكانة الجنرال في السباق الرئاسي، من دون الحاجة لأن تصب الأصوات الزرقاء لمصلحة العماد عون.
ولكن ثمة مَن يسأل: اذا ما صحت هذه المعادلة، فهل سيقبل ميشال عون بانتخابه رئيساً من دون الصوت السنيّ؟