كتب عماد مرمل في صحيفة “السفير”:
للحظة، كادت بروكسل تبدو الثلاثاء في 23 من شباط الحالي، واحدة من ضواحي بيروت!
ما بين مقرّ مجلس النواب البلجيكي ومقرّ برلمان الاتحاد الأوروبي تنقّلت الملفّات اللبنانية، بكل تفاصليها، على إيقاع نشاط الرئيس نبيه بري الذي عقد لقاءين مع عدد من المسؤولين في هاتين المؤسستين.
استقالة الوزير أشرف ريفي، وضع الحكومة، مستقبل الشغور الرئاسي، إلغاء الهبة السعودية للجيش والقوى الأمنية، التوازن اللبناني الهشّ، دور “حزب الله”… كلها عناوين ناقشها نواب بلجيكيون ورؤساء لجان الشؤون الخارجية في مجالس البرلمان الأوروبي مع بري.
ولكن الملف الذي استحوذ على القدر الأوسع من النقاش كان ملف النازحين السوريين الى لبنان، الذي قاربه بري بصراحة رداً على أسئلة ومداخلات، لم يخل بعضها من إشارات مبطّنة الى احتمال ان يتطور الأمر الواقع الى توطين للنازحين، ما استدعى رداً مباشراً وحازماً من بري الذي توجه الى مضيفيه، قائلا: إذا كان المطلوب هو التوطين.. فالجواب لا.
تخلّى رئيس المجلس عن قفازات الديبلوماسية، وأخذ على الأوروبيين تقصيرهم في تقديم المساعدات الحقيقية للبنان في مواجهة أعباء النازحين، حتى ظهر في لحظة كأنه يدير جلسة مساءلة نيابية في بروكسل، ما دام المجلس مقفلا في بيروت، مستخدماً “مطرقته” السياسية كلما اقتضت الحاجة.
وحتى عندما تطرّق بعض النواب البلجيكيين الى دور “حزب الله” مقتبسين من بعض اللبنانيين مقولة إنه يستقوي بالسلاح ويصادر القرار، أتى ردّ بري واضحاً وقاطعاً: الحزب مقاوم ضد الاحتلال الاسرائيلي، وهو حريص على الصيغة اللبنانية بقدر حرصي عليها.
استهل بري زيارته لبلجيكا والبرلمان الأوروبي باستقبال نائب رئيس الحكومة وزير الخارجية البلجيكي ديدييه ريندرز في مقرّ إقامته بحضور الدكتور محمود بري والسفير اللبناني رامي مرتضى.
وقبل الظهر حلّ بري ضيف شرف لدى لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب البلجيكي برئاسة رئيسها ديرك فان مالن وبحضور عدد من أعضائها.
وألقى بري كلمة دعا فيها الى معالجة قضية النازحين السوريين، كالآتي: حلول مباشرة عبر مساعدة النازحين، البدء بتسهيل عودتهم الى المناطق الآمنة والمحررة من الإرهاب، إيجاد السبل الكفيلة لمنع الهجرة غير الشرعية بحرًا وبرًا وضبط الموانئ الجوية، الإسراع في إيجاد حلّ سياسي، وصرف الأموال على التنمية الشاملة. ولفت الإنتباه الى مشكلة جديدة ناتجة عن تقليص الخدمات للاجئين الفلسطينيين من “الأونروا”. وأوضح أنّ في لبنان حاليًا حوالي مليوني نازح سوري وفلسطيني، أي نصف عدد سكان لبنان. ورأى أنّ قرارات مؤتمر لندن لا يمكنها أن تغطي إلا ثلث ما يحتاجه بلدنا.
وأكّد ضرورة الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية.
وردَّ بري على أسئلة أعضاء اللجنة، فقال بشأن استقالة الوزير ريفي: اعتقد بأنّ الحكومة لا تقف عند هذه الاستقالة مع احترامي لها، وقبل مجيئي الى بلجيكا تكلمت مع الرئيس الحريري، لعله بعد حلّ مشكلة الحكومة يعود الوزير عن استقالته وإلا يعين وزير آخر وفقا للدستور، وهذا الموضوع لا يؤثر على الحكومة التي ستبقى.
وشدّد على أنّ المطلوب حلّ سياسي للأزمة السورية، داعياً الى فرض الحل كما حصل بالنسبة الى الأزمة اللبنانية في الطائف.
وعن اتّهام “حزب الله” بأنه يصادر القرار في لبنان، قال: “من دخل أراضي الآخر، نحن أم اسرائيل؟ هي التي شرّدت الشعب الفلسطيني، وبذريعة وجود الفلسطينيين اجتاحت لبنان في العام 1978، وفي حينه ماذا فعل لبنان؟ هل كانت توجد مقاومة؟ لقد ذهبنا الى الأمم المتحدة ومجلس الأمن وصدر القرار 425 بناء لمشروع أميركي، وبدلاً من أن ينسحب شارون قام بعد أربع سنوات باجتياح العاصمة بيروت، الأمر الذي أجبر الشعب اللبناني على أن يقاوم وكانت هذه المقاومة من أطراف عدة، والآن يحمل رايتها “حزب الله”، وهو لا يهدف الى السيطرة على القرار اللبناني، بل يحرص تماما على الصيغة اللبنانية كما أنا وسعد الحريري وأي لبناني آخر.
وبشأن الشغور الرئاسي، اعتبر أنّ الأزمة هي مشكلة بين الموارنة أنفسهم، والبعض الآن يستعمل النصاب من أجل تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية.
وعن الموقف السعودي الأخير، أشار الى أنّه لا مصلحة على الإطلاق في أن يكون هناك خلاف بين لبنان وأي دولة عربية، والذي حصل هو نتيجة معادلات سواء في سوريا أو العراق، ونحن لدينا في لبنان أطراف وأحزاب، ونتمتع بحرية الرأي، وما حصل أنّ السعودية تأثرت وأوقفت الهبة، وجرت معالجة الأمر في الحكومة وخرجنا بصيغة واحدة لتلافي الخلاف مع أي بلد عربي. نحن بلد عربي.
وبعد الظهر، حلَّ بري أيضاً ضيف شرف على البرلمان الأوروبي، حيث تحدث في اجتماع لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان برئاسة المار بروك وبمشاركة رؤساء لجان الشؤون الخارجية في برلمانات دول الاتحاد الاوروبي وحشد من البرلمانيين والمهتمين.
وألقى بري كلمة دعا فيها البرلمانيين الأوروبيين الى الضغط على حكوماتهم من أجل خفض سقف التوترات في الشرق الأوسط وتحديد الهدف فقط بالقضاء على الإرهاب من دون زيادة التوجهات، لأن اقامة النظام هو من مهمة الشعوب.
وداخلياً، أوضح أنّ لبنان لا يزال يحافظ على استقرار أمني وسياسي تمكنا من خلاله ادارة حوار وطني يضمّ كل الفئات اللبنانية، كما ندير حوارًا ثنائياً بين “تيار المستقبل” و“حزب الله” أدى الى منع الفتنة المذهبية، وصيانة السلم الأهلي.