IMLebanon

ميدان سباق الخيل في بيروت هل يقفل في مئويته الأولى؟

horse

علت في الاعوام الأخيرة نداءات الاستغاثة التي يطلقها ميدان سباق الخيل في بيروت عبر جمعية حماية وتحسين نسل الجواد العربي التي تتولى ادارته، من دون ان تلقى من جانب القيّمين عليه الاستجابة المطلوبة، الى درجة شكلت اقتناعاً لدى المراقبين بأن وراء هذا الاهمال قراراً مضمراً باقفاله. ذلك ان هذا الميدان الذي اصبح جزءاً من تراث المدينة لم يعرف في تاريخه الطويل اهمالاً رسمياً مماثلاً حتى في اصعب الاوقات التي مرت فيها البلاد، وقد تعرض لنكسات عدة في الماضي لم يكن الاعتداء الاسرائيلي في العام ١٩٨٢ المدمّر له أسوأها. وكان في كل مرة يثبت قدرة على النهوض مجدداً والحياة.

يبلغ ميدان سباق الخيل في بيروت المئة عام من عمره، في موقعه الحالي، واذا ما استمرت الحال على ما هي فانه لن يكتب له ان يعيّد مئويته الاولى، بل سيضاف الى لائحة الخسائر التراثية والسياحية التي لحقت وتلحق ببيروت ولبنان عموماً.
يعود تأسيس ميدان سباق الخيل في بيروت الى العام 1916 حين منحت بلدية بيروت الفرد موسى سرسق امتيازاً لاستثمار مساحة من حرج الصنوبر في بيروت لتكون متنزهاً عاماً ولاستثمار نواد للسينما وامكنة لألعاب الرياضة ولسباقات الخيول وحدائق. واشترطت الا يستوفى اكثر من غرش واحد كرسم للدخول. وقد اقتطعت السلطات الفرنسية جزءاً منه يتضمن مبنى قصر الصنوبر الحالي وحولته مقراً للمفوض السامي الذي تم اعلان قيام دولة لبنان الكبير من على ادراجه، علما ان هذا الجزء من العقار المكون للميدان جرى نقل ملكيته لاحقاً في العام ١٩٧١ الى الجمهورية الفرنسية بموجب عقد مقايضة حصلت بلدية بيروت في المقابل على عقارين كانت تملكهما فرنسا في منطقتي المدور- الكرنتينا ورأس بيروت.
استردت بلدية بيروت ميدان السباق، او ما تبقى منه، عند انتهاء مدة الامتياز الممنوح لسرسق والمحدد بخمسين سنة. واستحصلت في العام 1966 على مرسوم ترخيص بفتح ميدان لسباق الخيل في بيروت واستثماره، سنداً لقانون المراهنات الصادر في 5 آذار 1932. ولذلك تعتبر بلدية بيروت الجهة الوحيدة في لبنان المخولة قانوناً فتح ميدان مماثل واستثماره، وهي الجهة الوحيدة التي تملك هذا الميدان. الا انها وبعد محاولة ادارة الميدان من جانب البلدية بطريقة مباشرة، آثرت الاخيرة الاستعانة بمالكي الخيول لتولي إدارة السباق لأن الخيول تشكل العصب الرئيسي لنجاح اي ميدان للسباق. وهكذا تمّ التعاقد مع جمعية حماية وتحسين نسل الجواد العربي التي تأسست في العام 1967 وتم تمديد التعاقد معها منذ العام 1969 وحتى اليوم بسبب فشل الطرق الاخرى لادارة ميدان سباق الخيل.
في العام 1998 قرر مجلس الوزراء بناء على طلب بلدية بيروت اللجوء الى طريقة الـ BOT لادارة ميدان سباق الخيل وصيانته واستثماره، وكلف مجلس الانماء والاعمار وضع دفتر شروط لاجراء مناقصة دولية لهذه الغاية. ولكن الرئيس رفيق الحريري عدل عن هذه الفكرة بعدما تلقى نصيحة مباشرة من صديقه الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك مفادها ان اللجوء الى الشركات التجارية لاستثمار سباقات الخيل اثبت فشله وان الطريقة المعتمدة في فرنسا، والتي تقوم على تولي مؤسسة لا تتوخى الربح ادارة سباقات الخيل، هي الطريقة الفضلى.
بعد العدول عن فكرة الـ BOT استمرت ادارة سباق الخيل كما كانت سابقاً لأن مجلس الوزراء كان قد وافق على استمرار جمعية حماية وتحسين نسل الجواد العربي بادارة الميدان وفقاً لشروط العقد السابق الى حين مباشرة الملتزم الجديد المفترض الادارة والاستثمار.
ورغم الوضوح الذي اصبح يسود مسألة طريقة الادارة، واستمرار لبنان في اعتماد الطريقة الفرنسية في ادارة سباق الخيل وعدوله عن الطرق الاستثمارية الاخرى، لم تبادر بلدية بيروت وهي المالك وصاحب الترخيص باستثمار سباق الخيل، الى اتخاذ اية خطوة جدية من شأنها دعم هذه الرياضة والاستثمار فيها. علماً ان الدراسات التي وضعت اظهرت أن من شأن مشروع مماثل اذا ما تم العمل على انجاحه ان يشكل عامل جذب سياحياً واستثمارياً كبيراً. وبلغ عدم اهتمام البلدية ذروته في عهد المجلس الحالي، وقامت اللجنة المجلسية التي يرأسها نائب رئيس المجلس البلدي المهندس نديم ابو رزق باعداد الاقتراحات المناسبة لميدان سباق الخيل منذ العام ٢٠١٣. لكن هذه الاقتراحات لم تُعرض على المجلس البلدي. ورغم الضغوط التي مارسها سياسيون مهتمون بميدان سباق الخيل كالوزيرين ميشال فرعون ونبيل دو فريج لم يتخذ المجلس البلدي القرارات المطلوبة، والتي تتضمن توفير النفقات المالية التي يحتاج اليها انجاز مشروع سباق حديث للخيل من شـأنه مجاراة السباقات التي سلبته وهجه في المنطقة. ولم يكن مفاجئاً للمراقبين ان القرار الوحيد الذي اتخذه المجلس البلدي اقتصر على تلزيم اجراء دراسة جديدة للسباق عبر الاتفاق بالتراضي مع احد المكاتب الهندسية. ولم يتخذ المجلس البلدي حتى الآن اي تدبير إنقاذي لسباق الخيل، ما دفع بأبو رزق الى الاستقالة من رئاسة لجنة السباق المجلسية. وتحدثت مصادر مطلعة في المجلس البلدي عن فقدان الجلسة التي اتخذ فيها قرار التراضي للنصاب القانوني.
وتقول المصادر في المجلس البلدي ان الدراسة التي قرر المجلس البلدي تلزيمها بالتراضي، والتي تشير هذه المصادر الى اقرارها في جلسة فاقدة للنصاب القانوني، ستعيد البحث في طرق إدارة سباق الخيل واستثماره، اي ان الامور سوف تعود الى ما قبل العام 1998 وسيتناول البحث مسألة سبق للرئيس الحريري أن حسمها، وذلك بدل الذهاب مباشرة الى تخصيص الاعتمادات اللازمة لتمويل مشروع تأهيل الميدان وتجهيزه وتحديثه وتبني الدراسات التي وضعت في شأنه.
حتى الان نجح الفريق المعارض لوجود سباق الخيل في الحؤول دون طرح الموضوع على طاولة المجلس البلدي لمدة طويلة ومن ثم عبر اتخاذ قرار بإجراء دراسة جديدة. وقد يتمكن من ذلك مجددا عبر دفع المجلس البلدي باتجاه الاختلاف حول طريقة ادارة سباق الخيل، وفقا لعقد الـ BOT او عبر جمعية لا تتوخى الربح، الا انه اليوم امام واقع لم يعد كالسابق وهو ان سباق الخيل لم يعد قادرا على الاستمرار من دون الموارد المالية المطلوبة لاعادة بث الحياة فيه والتي تعتبر استثمارا رابحا لبلدية بيروت في ما لو أنفقت. لن ينجح المجلس البلدي الحالي في رمي المسؤولية التاريخية على اية جهة اخرى، لانه لن يكون بامكان اي كان ان يُفقد بيروت احد اهم عناصرها التراثية والسياحية وهو ميدان سباق الخيل، وان يحرم المدينة الاحتفال بالمئوية الاولى من عمر سباق الخيل في بيروت في العصر الحديث.