Site icon IMLebanon

قطاع الدواجن ضحيّة من ضحايا اللا دولة

poultry-products-on-store-shelves

باسكال صوما

يفتح البحث في قطاع الدواجن في لبنان مزدوجين كبيرين حول النظام الغذائي للبنانيين عموماً، وهو في الحقيقة نظامٌ ينقصه الكثير حتى يصل إلى المعدلات الدنيا من الغذاء المتوازن مقارنةً بدول العالم.
فوفق أرقام حصلت عليها «السفير»، لا يزيد استهلاك الشخص الواحد عن 86 بيضة في السنة، فيما المعدل العالمي هو 300 بيضة. أما بالنسبة للفروج، فالاستهلاك السنوي للشخص الواحد لا يزيد عن 16 كيلو سنوياً، فيما المعدّل العالمي لا يقلّ عن 50 كيلو.
وفي التفاصيل، يستهلك لبنان 80 مليون كيلو من الفروج سنوياً، وهذا طبعاً معدّل قليل جداً مقارنةً بدول العالم (بين 50 و60 مليون كيلو من الإنتاج المحلي، والباقي يتمّ استيراده). وبالتالي إذا قسّمنا 80 مليوناً على عدد السكان الأصليين إضافةً إلى النازحين السوريين، أي ما يقارب 5 ملايين فرد، تكون النتيجة 16 كيلو من لحم الدجاج للشخص الواحد.
أما بالنسبة للبيض، فالإنتاج اليومي هو 4000 صندوق، يتمّ تصدير 700 منها إلى الخارج، وبالتالي ووفق الحسابات فإن الاستهلاك المحلي هو حوالي 433.620.000 بيضة في السنة، وإذ يجري تقسيم العدد على عدد السكان، يتبيّن أنّ حصة الفرد هي 86 بيضة سنوياً لا أكثر.
تُظهر هذه الأرقام بما لا لبس فيه درجة البؤس والفقر التي تعيشها فئات كثيرة من المجتمع اللبناني. فهؤلاء إما تنقصهم الثقافة الغذائية حول أهمية الأطعمة الغنية بالروتين، وإما أوضاعهم المادية لا تسمح لهم بتلقي الغذاء المناسب والكافي لهم ولعائلاتهم. أو في أحسن الأحوال قد يكون اللبنانيون كلّهم نباتيين!

مشكلة من كلمتين
هذا الوضع المأساوي لشريحة كبيرة من المواطنين، يضع قطاع الدواجن أمام مشكلة من كلمتين «ضعف الاستهلاك». وهذه ليست المشكلة الوحيدة التي يواجهها القطاع، إلاّ أنها الأكبر من حيث النتائج المادية السلبية، والأخطر من حيث التركيب الاجتماعي والثقافي العام لسكّان هذه البلاد.
يوضح رئيس «اتحاد قطاع الدواجن في لبنان» الدكتور رضا الميس لـ «السفير» أنّ «في لبنان حوالي 600 مزرعة للدواجن أو ما يسمّى مصالح، وهي موزعة على الأقضية، ففي البقاع حوالي 300 مزرعة بينها 3 او 4 مؤسسات كبيرة، في الشمال ولا سيما في طرابلس وعكار 200 مزرعة تقريباً، أما في الجنوب والجبل فهناك بين الـ50 و60 مزرعة، عدا عن المؤسسات الكبيرة التي تحتكر القسم الأكبر من السوق والاستهلاك». ويفيد بأنّ «معظم المزارع هي مشاريع عائلية صغيرة، يديرها مزارعون بمساعدة عائلاتهم، ليعتاشوا منها لا أكثر»، لافتاً الانتباه إلى أن «هناك مؤسستان كبيرتان تحتكران 75 في المئة من القدرة الاستيعابية من الفروج والبيض».

2015 أسوأ الأعوام!
كثيراً ما يردد العاملون في هذا القطاع الشكوى ذاتها، «العام 2015 كان الأسوأ على الإطلاق». والأسباب ذاتها يكرّرونها، مفادها أنّ ضعف الإدارة والغياب الرسمي عن حماية القطاع على مدار السنين، هو ما دفع عشرات المزارعين لترك مزارعهم والبحث عن مهنة جديدة بعدما كبّدهم العام 2015 خسائر طائلة، في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة وتراجع القدرة الشرائية لدى اللبنانيين.
يسأل الميس: «لماذا السماح باستيراد الفروج، فيما الإنتاج المحلي قادر على تلبية الحاجات وأكثر؟ لماذا بدل تشجيع القطاع، سُمح باستيراد الدواجن وبودرة البيض منذ بضع سنوات، ما تسبب بهلاك الكثير من المزارعين، علماً أنّ الإنتاج المستورد يباع بسعر أقلّ من السعر المحلي؟». ويضيف: «وفوق ذلك كلّه أتانا في العام 2015 البيض السوري المهرّب من حدود الهرمل بسبب وجود فائض في الإنتاج السوري، ليضع الإنتاج المحلّي في أصعب المراحل»، مشيراً إلى أنّ «هذه العمليات توقفت الى حدٍّ ما مع التشدد الأمني على الحدود، لكنّها أضـــرت بالقطاع كثيراً، كون البيض السوري أرخص».
أما بودرة البيض فهي المادة التي تستخدم في صناعة الحلويات، علماً أنّ أكثر الاستهلاك المحلي هو للحلويات، وبالتالي، يوضح الميس أن «استيراد بودرة البيض يؤدّي الى ضرب القطاع في خاصرته لأنّ كمية البيض المستهلكة في تصنيع الحلويات هي التي يعتمد عليها المزارعون، علماً أنّ هذا القطاع متشعّب ويُسهم في تشغيل فئات متعددة من المزارعين الى عمال المزارع وأصحاب الشاحنات والمعامل وغيرها، كما يُسهم في إبقاء أهل القرى في الأرياف، ويحمي تلك المناطق من إفراغها من سكانها وأهلها».
أما في موضوع التصدير، فقطاع الدواجن كغيره من القطاعات تلقى ضربةً كبيرة مع إغلاق المعابر البرية، وتوقف السوق الخليجي الذي كان مهماً لتصريف الإنتاج. ويفيد الميس بأن «سوق العراق هو الوجهة الوحيدة الآن التي نستطيع التصدير إليها، مع تكبّد تكاليف النقل التي كانت سابقاً بين 5 و6 دولارات للصندوق الواحد، وأصبحت الآن تفوق الـ10 دولارات، مع رسوم المرور في تركيا وأربيل، إلى جانب طول الوقت والمسافة البعيدة، وبذلك أصبحت الكلفة مضاعفة من مختلف النواحي، كما يجري تصدير كميات ضئيلة الى قطر». ويعاني قطاع الدواجن أيضاً من مشكلات أخرى، منها غياب مراكز الكشف عن الأمراض والتتبع، إذ تكتفي الجهات الرسمية بمشاريع بسيطة، لا تترافق مع مواكبة وتثقيف للمزارعين.

7000 ليرة!
كذلك لا بدّ من طرح القضية من جهة أخرى. فصندوق البيض مثلاً الذي يحتوي على 12 كرتونة بيض، يباع من المزرعة بـ20 دولاراً أي 30 ألف ليرة، أي بمعدّل 2500 ليرة للكرتونة الواحـــدة يضاف إليها كلفة النقل إلى مراكز البيع، التي تقدّر بحوالي 20 سنتاً للكرتونة الواحدة. إنما الغريب أنّ كرتونة البــيض لا يقلّ سعرها في السوبرماركت ومراكز البيع المتنوّعة عن الـ6 أو 7 آلاف ليرة! وبذلك تبلغ الزيادة عن السعر الأســاسي بين 3500 و4500 ليرة، التي هي ربح للتجار. ويعلّق الميس على هذه النقطة قائلاً: «الاقتصاد الحرّ يمنع وزارة الاقتصاد والتجارة من التدخّل إلا إذا ثبت أنّ ربح التاجر تجاوز الـ100 في المئة»، مشيراً إلى أن «هذه الأسعار العالية التي يحددها التجار تسيء الى القطاع وتقلل من الاستهلاك أكثر وأكثر، على غرار أنّ البيض والفروج من السلع الغالية والتي لا يستطيع أصحاب المداخيل المحدودة شراءها بكثرة».
86 بيــضة سنوياً للشخص، تعني بيضة كل أربعة أو خمسة أيام وهذا غير صحي أبداً، إذ يحتاج الجسم إلى كمية معينة من الأغذية الموجودة في البيــض. كما أنّ 16 كيلو من لحم الفروج للشخص الواحد تعني كيلو واحد كل 22 او 23 يوماً، أي ما يمكن تقديره، بأنّ كل شخص يتناول لحم الفروج مرتين أو ثلاثاً في الشهر الواحد، وهذا أيضاً غير صحّي… أو غير إنسانيّ ربما.

خطورة نقص البروتينات
البروتينات المتواجدة بشكلٍ أساسي في لحوم الطيور والبيض، تعدّ من أهم المركبات الغذائية نظراً لدخولها في كثير من المركبات أو العمليات التمثيلية الهامة فى داخل الجسم. وطبياً يحتاج الإنسان إلى البروتينات ولا سيما الرضّع والأطفال والنساء الحوامل والمرضعات. وقد يسبب البروتين غير الكافي في الطعام نقصاً في الطاقة أو مقاومة ضعيفة للمرض، وقد يؤدي نقص البروتين أيضاً الى الأوديما وهي حالة تتجمع فيها السوائل في أنسجة الجسم مسببة انتفاخ الأنسجة.
وفي البلدان النامية يصاب العديد من الرضّع والأطفال بمرض يسمى «الكواشيوركر» نتيجة لتناول كمية ضئيلة من الغذاء المحتوي على البروتينات كاملة أو عدم تناولها، وقد تسبب هذه الحالات ضرراً على الكبد والموت في النهاية.