كتبت ناتالي اقليموس في صحيفة “الجمهورية:
كلّ من كان يُصغي إلى أجوبة المتّهم ميشال سماحة أمس، ويتابع المسار التصاعدي لجلسات الاستجواب التي قادها رئيس المحكمة التمييزية القاضي طاني لطوف ومفوّض الحكومة لدى النيابة العامة التمييزية القاضي شربل بو سمره، يَبصم أنّ سياسة النعامة لم تكن يوماً نافعة، واقتناع المحكمة بأجوبة سماحة لا يزال ضعيفاً.واصَلت أمس محكمة التمييز استجوابَ سماحة بحضور طبيبَين أشرَفا على صحّته، بعدما لم تجِد من حاجة طبّية لتأجيل الجلسة.
بدايةً تمنّى المحامي صخر الهاشم على النيابة العامة ألّا تتمادى بأسئلتها في موضوع المتفجّرات، كونها لم تعرض كأدلّة أمام المحكمة. فأوضَح لطوف: لا يمكنني أن أمنَع المحامي العام (بوسمره) من طرح ما يريد.
وباشَر بوسمره من حيث كان قد أنهى استجوابه في الجلسة الماضية.
- بوسمره: يتبيّن من التسجيلات أنّ الأحاديث بينك وبين المخبر ميلاد الكفوري تناولت إفطارات وأسماء شخصيات، فهل تمّ الاتفاق على أيّ مواعيد أو أمكنة للتفجير؟ فهمَّ سماحة للردّ: «أقحم المستدرج العميل». فقاطعه لطوف رافضاً تدوينَ تلك التسميات والصفات، أمّا بو سمره فأكّد التزامه التسميات الواردة في كتاب النيابة العامة «المخبر».
ثمّ أعاد سماحة جوابه: «أقحم الكفوري منذ 21/7/2012، في اللقاءات المسجّلة موضوع الإفطارات والشخصيات، إلّا أنّه منذ بداية الأحاديث حتى خروجه من منزلي إلى المصعد في 7/8، لم يُحدّد أيّ مكان أو زمان أو شخصية بعينها أو فعلٍ بزَمانه أو أهداف. فاستوضَح لطوف: كأماكن؟ ردّ سماحة: لم يُحدّد لا مكاناً ولا أهدافاً ولا وقائعَ أخرى.
جوابان متناقضان
- بوسمره: سَبق أن أوردتَ أنّ الهدف من المتفجرات هو إقفال المعابر الشرعية وغير الشرعية بين لبنان وسوريا. كلّ الأماكن الواردة ولو عرضاً في التسجيلات يتبيّن أنّها لا تقع على الحدود، بالتالي ليست معابر، فكيف توفّق بين هذين الجوابين المتناقضين؟
سماحة: الكفوري تناولَ وبادر في كلّ الأحاديث على تسمية أماكن لا أعرف أنّها على الحدود، رصدها 99%، ومواضيع أخرى كانت في واقع الاستدراج. ولكن ما تحدّث به اساساً هو المعابر غير الشرعية التي يمرّ عليها المسلّحون للتسلل وتهريب الأسلحة.
- بوسمره: أين يتبيّن هذا الاستدراج في التسجيلات التي اطلعتم عليها؟ سماحة: ورَد ذلك في إفادتي في المحكمة 17/12، حين قال الكفوري إنّ الأماكن حدودية، في خراج مناطق نائية، لا أعرفها، وهي معابر غير شرعية يَسلكها مسلّحون.
متفجّرات لا تكفي للحدود
- بوسمره: بالاطّلاع على كمّيات المتفجّرات، هل هي كافية لتغطية الأماكن الحدودية اللبنانية السورية الطويلة التي تريدون؟ سماحة: لستُ خبير متفجرات، أعرف أنّني نَقلت لائحة وعُدت بما يُقال إنّه مضمون اللائحة، وسلّمته إيّاها ولا أعرف ما إذا كانت كاملة. فاستطرد بوسمره: يعني قمتَ بعملية استيراد لصالح قوى الأمن؟ فردّ سماحة: نعم.
- بوسمره: هذه العملية، أي تغطية الحدود، ألم يمكن تغطيتُها بقصف مدفعي سوري من دون استخدام المتفجّرات؟ سماحة: الكفوري طرَح الموضوع وخطّط له وأتاني واستدرجَني حتى موافقتي في تمّوز. ليس السوريون من طلبوا ذلك ليُقال إنّ بوسعهم تغطية الأمور من أراضيهم.
- بوسمره: لكنّ السوريين في مكانٍ ما وافقوا على تغطية العملية، وكان بوسعهم رفضُها. سماحة: أذكر في محضر 17/12 عندما طرحت الموضوع على العقيد عدنان قال لي: «لسنا معنيين بأيّ عمل داخل الأراضي اللبنانية، هذا من شأن الدولة والحكومة اللبنانية، وما حصَل ثقة أو مسايرة لي في مشروع الكفوري».
وسأله بوسمره: يتبيّن أنّك حلقة تنفيذية للكفوري. فردّ سماحة: لم أكن حلقة تنفيذية إنّما حلقة وصلٍ في حاجات الكفوري، ولم أعرف تفاصيلَ عملية التنفيذ ولم أشارك فيها.
- بوسمره: أنت والسلطة السورية كنتما تساهمان في تنفيذ مشروع الكفوري. سماحة: كنتُ الطعمَ والمستهدف لاستهداف سوريا، بنتيجة ما حصل لأنّ كلّ ذلك مخطّط له. تُستهدف سوريا من خلال استهدافي ليُصار إلى استغلالها إعلامياً، سياسياً وقضائياً، كما جرى حتى اليوم.
- بوسمره: هل تعتقد أنّ سيارة سياحية محمّلة بمتفجّرات تستهدف سوريا؟ سماحة: مقتنع أنّ تدخّلات سياسية خطّطت لباخرة «لطف الله 2» ونَقلت 3 كونتينرات محمّلة بالأسلحة. فقاطعَه لطوف: ردّك هذا خارج الاستجواب. فأكملَ سماحة جوابه: ما حصَل هو مخطّط، وأنا مستهدَف. إستهدَفوني لأحضّر المتفجّرات من سوريا للوصول إلى سوريا وتوريطها في الموضوع.
- بوسمره: هل خطرَ في بالك خلال العملية وبَعد التوقيف أيّ مكان احتماليّ كان يمكن أن يحصل فيه التفجير؟ سماحة: قال الكفوري إنّه سيَستعمل المستلزمات في معابر غير شرعية وأنا لم أزُر المنطقة في حياتي ولا يمكن أن يكون عندي احتمال.
بوسمره: لا تعرف المنطقة جغرافيّاً، ولكنّ السوريين يعرفونها ولديهم أفضلية، وهذه الكمّيات نقلتَها لعملية محدّدة، ألم يحدّدوا لك الأماكن لاستعمالها؟ سماحة: لم يتمّ الحديث في الأماكن والأهداف مع السوريين «ولا مرّة».
ولم يَكد ينهي بوسمره استجوابه، «أكتفي بهذا القدر من الأسئلة»، حتى رفعَ سماحة يده طالباً الجلوس وإحضارَ كرسيّ إلى قفص الاتّهام. فرفعَ لطوف الجلسة للاستراحة ربع ساعة.
لطوف: أين ظهر الاستدراج؟
إنتهَت الاستراحة، وأكملَ لطوف جلسة الاستجواب التي ركّزت على سؤال سَبق ووجّهه إلى سماحة منذ جلستين، «أين يَظهر استدراج الكفوري لك؟». إلّا أنّ وضعَ سماحة الصحّي في الجلسة الماضية حالَ دون التمكّن من مناقشة جوابه الذي أعدَّه ضمن مذكّرة قدّمها وكلاؤه.
فتوقّف لطوف عند جملةٍ من النقاط تدور في فلك تفسير سماحة لاستدراجه: وردّ في المذكّرة أنّ الكفوري صرّح لك أنّه وحده المسؤول عن العملية، ألم يثر إهتمامك؟ سماحة: الكفوري هو مَن بادرَ لفتح الموضوع ومَن طلبَ الاجتماع بي، وهذا فعلُ استدراج. وتسهيلُ العمل الذي يَرغب القيام به وإظهار أنّه المسؤول عن كلّ العملية من «أ» إلى «ي» هذا إستدراج. الكفوري طلبَ لائحة المتفجرات منّي لاستدراجي والإيقاع بي.
فجاء سؤال لطوف المدوّي: «في جلسات سابقة لك مع الكفوري توافقتم على أهداف العملية وهي المعابر غير الشرعية، وهذا ثابت في إفادتك، فكيف تعتبر ذلك استدراجاً؟ فعاد سماحة مرّةً جديدة للمذكّرة وملفّيه ينبش الماضي. وكلّما غرقَ سماحة في أوراقه، أمعنَ لطوف في غربلة أجوبته.
واستطراداً سأله لماذا اعتبرتَ نفسَك مسؤولاً عن الأمن؟ سماحة: الكفوري استدرجَني، استهدفَني، فحرّضَني وأوقعني. لطوف: «ما هو تقويمك للكفوري (ذكي أو عادي)؟ سماحة: رجل ينقل معلومات، ذكي «بَس ما عمِلتلّو فحص IQ للذكاء».
أبعد من الاستجواب…
في المحصّلة، من الواضح أنّ وكلاء الدفاع يحاولون قدر الإمكان عدمَ نفاذهم من «الخرطوشة الأخيرة»، وفي كلّ مرّة يحاولون خلقَ عنصر جديد. فأمس وبناءً على مذكّرة سَبق أن قدّموها، وافقت المحكمة على مطلبهم الاستماع إلى إفادة الشاهدين فارس بركات (سائق سماحة) وغلاديس اسكندر (السكرتيرة) على سبيل المعلومات في الجلسة المقبلة في 10 آذار.
ولكنّها رفضَت تعيينَ لجنة خبراء من الجيش للكشف على المتفجرات، نظراً إلى أنّ المحكمة تملك تقريراً من فرع المعلومات عن المتفجرات والأسلحة المضبوطة ونوعيتها، وبوسعِ الدفاع الاطّلاع عليها.
فعلّقَ الهاشم: «كِلنا منَعرف بوَقتا بأيّ ظروف نعمل التقرير»، فردّ لطوف: «طبيعة المتفجرات لا تتغيّر والمعلومات نفسها». في هذا السياق، يصِف مصدر قانوني «أنّ خطوة الاستماع لا تقدّم ولا تؤخّر، هي مجرّد تمرير للوقت»، لافتاً إلى «أنّ في أجوبة سماحة شيئاً من التلقين، وغالباً ما لم تتناسب مع جوّ الأسئلة المطروحة».
حيال الأسئلة المتعمقة حتى اللحظة الأخيرة بعد طول المسار الذي سَلكه الملف، والتي لامست أحياناً حدّ التهكّم، فإنّها توحي بضعف اقتناع المحكمة بجدّية ما أدلى به سماحة واستدراجه. فهل يكون تشديد الحُكم غير مستبعَد أم أنّ القضية تتّجه إلى مزيد من المفاجآت في الجلسات المقبلة والحسابات؟