IMLebanon

سوريا: الواقع الزراعي الكردي بين إعادة التأهيل والتحديات

syria-agriculture
أزدشير أحمد

يتمحور مستقبل الزراعة في مناطق “روج آفا” (الترجمة الحرفية لمصطلح “غرب كردستان”، أي المنطقة الكردية في سوريا) حول فكرة أن يكون القطاع الزراعي مدخلاً لاقتصاد زراعي متكامل، انطلاقاً من مأسسة القطاع باعتباره عاملاً مهماً لتحقيق الاكتفاء الذاتي، كما يتوقعه الخبير الاقتصادي سيهانوك ديبو، في حديث لـ “المدن”. وباعتبار أنّ “روج آفا” تحاول النهوض ككيان مستقبلي تفرضه قوى الأمر الواقع والظروف الجيوسياسية، فإن الموضوع الزراعي يعد أهم الأعمدة التي ستصوغ عليها الإدارة في تلك المناطق بنيتها الاقتصادية المستقبلية. فما هي أهم محاولات الإدارة الذاتية للنهوض بهذا القطاع ومواجهة الواقع غير المستقر؟
يعد كانتون الجزيرة من أهم المناطق الزراعية التي تذخر بمقومات النهوض الزراعي، ويمكن اعتبارها الخاصرة الزراعية الأقوى في مستقبل المنطقة الاقتصادي، ففيها الخزان الأضخم للمياه في سوريا، والسدود المائية المهمة، بالإضافة إلى تأمينها للمستلزمات الزراعية، وقد تم تأسيس أول هيئة للتطوير الزراعي في المناطق الكردية بمدينة ديريك لمواجهة المتغيرات المناخية وملاحقة التطورات الحديثة في القطاع الزراعي، وإيجاد الآليات والأدوات المناسبة لرفع الكفاءة الإنتاجية في هذه المنطقة. ويشير المهندس الزراعي نور الدين إبراهيم، وهو من اللجنة المؤسسة للهيئة، في حديث لـ “المدن” إلى أن الهيئة تشكلت نظراً لاعتماد المنطقة الكردية في دخلها الأساسي على قطاع الزراعي، وبسبب الظروف المناخية التي أدت إلى تراجع الكفاءة الإنتاجية وعدم توافر المحاصيل الزراعية البديلة وعدم توافر القطاع الصناعي أو التجاري كبديل للقطاع الزراعي. وتجدر الاشارة الى ان الهيئة قامت بافتتاح تسع دوائر في مقاطعة الجزيرة، تشمل خدماتها المناطق جميعاً، لتقوم بإدارة الشؤون الزراعية للفلاحين سواء لجهة الثروة الزراعية أو المراعي التي تشكل 90% من موارد كانتون الجزيرة، كما صرحت نائب رئيس هيئة الزراعة في مقاطعة الجزيرة، شاهرستان خليل. وكإجراءات وقائية تم افتتاح مكتب في معبر سيمالكا للحجر الزراعي والحجر الصحي لفحص المواد الداخلة من المعبر، كما قامت الهيئة بإحصاء عام للأراضي الزراعية والآبار والثروة الحيوانية، وأنشأت أكبر مسمكة على ضفة نهر دجلة، وساعدت المزارعين عبر مدهم بالبذور وخصوصاً القمح، وتزويدهم بالمبيدات اللازمة كمادة فوسفيد الزنك.
في كانتون عفرين أوضح رئيس هيئة الزراعة أيوب محمد، أن الهيئة أقامت مشتل الحمضيات والفواكه لتزويد المنطقة بالأشجار اللازمة مستقبلاً، كما تقوم بانتقاء حقول القمح النظيفة ذات الجودة العالية لإكثارها كبذار. اما في كانتون كوباني الذي تعرض لهجمات “داعش”، فتعرضت البنية التحتية للثروة الزراعية والحيوانية للدمار والسرقة والنهب، والتحدي الأول تمثل في تأمين مادة المازوت، شريان الزراعة الرئيسي في المنطقة، بأسعار تشجيعية تدفع على دفعات، وخصوصاً لمزارعي الخضروات، وذلك لتحقيق الاكتفاء الذاتي للمنطقة ولأصحاب الآليات الكبيرة، كما يقول رئيس هيئة الزراعة محمود بوزان، لـ “المدن”.
بالإضافة لتوزيع البذار وتأمين المبيدات الحشرية ونقل الحيوانات إلى داخل الكانتون بعد فحصها، قامت الهيئة بتوزيع الماشية على الفقراء والمحتاجين من أهالي المقاطعة، حيث بلغت عدد الرؤوس الموزعة 1512 رأساً من الأغنام في المقاطعة، منها 99 في كري سبي. وفي المقابل يجري الحديث عن صعوبات عديدة تواجه الفلاحين، كالصعوبات الأمنية التي تمنعهم من تسويق منتجاتهم.
النموذج الزراعي الذي تقدمه المنطقة الكردية، برغم الصعوبات، يتجه الى تحقيق واقع زراعي كردي قادر على تحصين المنطقة زراعياً. ولعل هذا من أبرز ما افرزته الحرب في سوريا على مستوى توسيع رقعة الإنقسام المناطقي، والدفع بإتجاه الإعتماد على الحلول الذاتية التي تعوّض النقص الذي يفرضه الإرتباط بالنظام المركزي، خاصة وان هذا النظام مأزوم بطبيعته، حتى منذ ما قبل الحرب.