كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
في الأسبوع الماضي رُفعت الأنخاب في منزل العماد ميشال عون احتفالاً بعيد ميلاد «الجنرال»، لكن نكهة الاحتفال هذا العام لا تشبه سابقاتها. تحقّقت نبوءة سمير جعجع في 18 شباط من العام الماضي حين غرّد على صفحة عون قائلاً «أتمنّى قبل عيد ميلادك القادم أن نكون قد أتممنا اتفاقنا الكامل».
تحقّقت المعجزة المسيحية بـ «الاتفاق الكامل»، على مرحلتين. في 2 حزيران وقّعت ورقة «إعلان النيات» بين «التيار الوطني الحرّ» و «القوات اللبنانية»، وفي 18 كانون الثاني تبنّى جعجع ترشيح ميشال عون للرئاسة الذي فرضه بشكل أساسي تبنّي الرئيس سعد الحريري لترشيح النائب سليمان فرنجية.
حتّى جعجع نفسه يعترف أن النقاش الجدّي بترشيح «الجنرال» لم يبدأ إلا بعد «لقاء باريس»، وإن كان يشدّد في الوقت نفسه بأنه «لو لم تكن النتائج إيجابية في ورقة التفاهم، ولو لم يكن التأسيس للمصالحة جدّياً ووطنياً، لَما توصّلنا إلى القبول بعون وترشيحه»، وأن ورقة «إعلان النيات» هي التي أسَّست للبنود العشرة التي تشبه إلى حدّ كبير إعلانَ بعبدا.
لكن الحريري بعد قدومه الى لبنان بدا كمن يسلك «زاروباً» بتجنّبه المرور بـ «الاوتوستراد المسيحي الإلزامي». أعلن تمسّكه بترشيح فرنجية، من دون أن يبرّر أو يوضح أسباب رفضه لعون، واستند الى تجربته الشخصية في «تقبّل الخيار الآخر» في رئاسة الحكومة، ليدعو الممانعين الى النزول الى مجلس النواب وانتخاب الرئيس.. «وليربح من يربح».
بأسلوبين مختلفين واجه عون وجعجع الممانعة الحريرية للترشيح الرئاسي من معراب المقرون بالتصويت المسيحي «بالثلثين» عليه. «الجنرال» أمسك بعصا الميثاقية مانعاً الجميع من تجاوزها، فيما غابت هذه الكلمة عن كل تصاريح جعجع، معترفاً بالفم الملآن «لا أريد أن أدخل في مواجهة طائفية مع الحريري تعيدنا الى أيام الحرب».
لكن هذا التمايز بين الرابية ومعراب ليس سوى جزء من عدّة المواجهة. مصادر ميشال عون تؤكّد «ان كل طرف منّا يخوض معركته بالطريقة التي تساعده في الوصول الى الهدف. والهدف انتخاب عون رئيساً، التزاماً واحتراماً للمعطى الميثاقي».
لا يقف الأمر هنا. حتى دعوة الحريري إلى «حزب الله» للنزول الى مجلس النواب، والتشكيك بخياره بإيصال عون الى الرئاسة، والتصرّف على أساس أن الحزب هو الطرف الوحيد المعرقل لعملية الانتخاب، كل ذلك يدخل ضمن إطار التفاهمات المسبقة التي لا تزعج الرابية «لا يُحرِجنا سمير جعجع في كل ما يقوله اليوم ما دامت الأمور ستصبّ في المكان نفسه الذي نشتغل سوياً من أجله. هذا أسلوبه ونحن متفاهمون. التحالف الناشئ بيننا لا يعني أبداً أن نتكلّم باللغة نفسها».
توضح مصادر عون هذا الالتباس لتذهب نحو الأساس: «الجنرال» سيُنتخب رئيساً عاجلاً أم آجلاً. أما المقاربة فتفرضها المعطيات والوقائع ومسار التاريخ وحتمية معادلة «لا أحد يلغي أحداً».
لا تمسّك الحريري الثابت بالمرشّح فرنجية، ولا الإعصار السعودي ـ اللبناني، ولا ارتفاع منسوب المواجهة مع «حزب الله»، ولا «الفيتو» السنّي على عون، ولا ترنّح الحكومة ووضع جبران باسيل في قفص الاتهام بنسف العلاقة مع السعودية، قد يغيّر في المشهد.
بتأكيد مصادر عون «أن هذه التطوّرات قد تؤخّر الحلّ أو تؤجّله، لكنها لن توقفه. هناك بعض الاعتبارات الخاصة التي تسيّر البعض، وبعض التعقيدات الخارجية التي يتمّ تذليلها تدريجاً بالرغم من كل الأجواء المشحونة».
آخر الحواجز التي وضعت أمام قطار الانتخابات الرئاسية بمنحاها الوطني والميثاقي، كما تقول المصادر، «الضجة المفتعلة والمنظّمة حول موقف وزارة الخارجية من حياد لبنان والتضامن العربي، وتحميل فقدان المليارات لطرف سياسي في الحكومة». النتيجة، تخبّط داخل «البيت المستقبلي» وعودة الجميع الى الملعب الذي انطلق منه الوزير باسيل في إدارته للموقف اللبناني من قضايا المنطقة».
بالمباشر أو بالواسطة يسعى عون إلى إفهام من يسير «عكس التيار» أنه بالنهاية «لن يصحّ إلا الصحيح». صارت الخطة «أ» اليوم أكثر وضوحاً وعلانية، ولن تجد طريقها الى التنفيذ إلا بسير الجميع، وعلى رأسهم «تيار المستقبل»، بالتسوية الميثاقية التي لاحت بشائرها الأولى بولادة حكومة تمام سلام وما تلاها من توافقات وزارية، وكان يُفترض أن تُستكمل بإجراء الانتخابات النيابية ثم الرئاسية.
لا يرى عون اليوم ان هذا التأخير في الحسم لمصلحة أحد من «الانتظاريين»، إن لناحية إضاعة المزيد من الوقت او ترتيب خسائر باهظة على البلد. في الأشهر الماضية طَرح رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» أكثر من حلّ في مفاضلة بين خيارين: إما التسوية، بانتخاب عون رئيساً من قبل مجلس نواب ممدّد له، وإما بالعودة الى الصناديق وترك الخيار للناس (انتخابات نيابية أو انتخاب الرئيس من الشعب).
بالمحصّلة، يرى عون أن أمام الحريري مساراً واحداً لا غير «وهو يعرف ذلك». كل الحوارات المفتوحة مع الآخرين لا تحجب الحوار الضروري مع حامل المفتاح الرئاسي والمعبر الإلزامي الى التوازن الميثاقي. ثمّة أتجاه لا أحد قادر على أن يطلع منه، أو أن يغيّر في معادلة حماية الشراكة والتمسّك بالطائف».
بعد ساعات قليلة من عودة الحريري الى لبنان، تحضّر عون لإجراء اتصال برئيس الحكومة الأسبق لتهنئته بالعودة، لكن الأخير قوطب على الموضوع «لن أزور أياً من المرشّحين للرئاسة ومن يريد زيارتي أهلا وسهلا».
وصلت الرسالة الى الرابية، مع التسليم «بأن هناك العديد من المناسبات التي قد تفرض الاتصال لاحقاً». لكن واقعة طلب الحريري من جعجع «أن يعيّد بالنيابة عنه ميشال عون في عيده» قُرئت لدى العونيين بشيء من الإيجابية.
لكن ليس فقط هذه الشكليات، بمنظار عون، هي التي ستسهم في تصويب الأمور، «بل في تسليم الحريري بأنه صار أمام أمر واقع، ببعده المسيحي والوطني، يستحيل تجاوزه، وهو سيذهب نحو خيار الالتزام بعون رئيساً عن قناعة وليس بالفرض بعد أن أوصلت كل المفترقات السابقة سالكيها الى الحائط المسدود».
مؤشّرات هذه «القناعة» بدأت، وفق المصادر العونية، من «خميرة» مداولات الحريري وعون في باريس في كانون الثاني 2014 يوم قال الأول للثاني «ستكون خيارنا للرئاسة».
لكن ماذا عن نفي رئيس «تيار المستقبل» لهذه الواقعة وتأكيده بأنه لم يرشّح عون للرئاسة ولم يعده بشيء، تردّ المصادر «عليه إذاً أن يسأل موفديه الذين دأبوا على زيارة الرابية. ثمّة وقائع لا يمكن إنكارها، ثم لماذا في تلك المرحلة تمّ استدعاء فؤاد السنيورة وأمين الجميل وسمير جعجع… الى باريس؟ أليس ليقنعهم بخيار عون؟».
في آخر الوقائع، الاتصال المباشر مقطوع اليوم بين عون والحريري، فيما احتمال الزيارات المتبادلة غير مطروح، خصوصا بعد «الهستيريا» المستقبلية في اليومين الماضيين. مع فرنجية مصادر عون تصف العلاقة بـ «الممتازة»، وإن لم يسمع صوت وزراء «المردة» بشأن الهجوم الاخير على وزير الخارجية. يكفي أن «البيك» ضغط بشكل واضح فأوقف بشكل نهائي الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي».